Skip to main content
الموازنة اليمنية المؤجلة: الأزمة النفطية تطرح تحدي تقدير الإيرادات
محمد راجح ــ صنعاء
ينعكس تراجع الإنتاج على توافر الوقود في السوق (محمد حويس/ فرانس برس)

تواجه الحكومة اليمنية تحديات في ظل ما تعيشه البلاد من أزمات حادة على مختلف الأصعدة. على رأس الأولويات وضع برنامج اقتصادي شامل متوافق عليه، وإعداد موازنة عامة لليمن، وتحديد السياسات المالية لوقف التدهور الاقتصادي وانهيار العملة.

إلا أن تراجع الإنتاج النفطي الذي كان يُعتبر مورداً أساسياً للموازنة، يطرح تحدياً كبيراً في تقدير إيرادات الموازنة، ومن ثم نفقاتها والمشاريع التي ستنبثق عنها. كذا، يُعتبر جزءاً من المشكلات التي تنعكس على المواطنين مع تكرار انقطاع الوقود من الأسواق.

الحكومة المعترف بها دولياً التي انضم إليها المجلس الانتقالي الجنوبي كشريك رئيس في التشكيل الوزاري الجديد الصادر نهاية العام الماضي، خضعت منذ قيام الحرب الدائرة في البلاد قبل أكثر من خمس سنوات لأربعة تعديلات، ثلاثة منها موسعة مع تغيير ثلاثة رؤساء للحكومة.

وخلال السنوات الثلاث الأولى للحرب التي بدأت في 2015، لم تستطع الحكومات المتعاقبة إعداد أي موازنة جديدة لليمن، وظلت تعمل وفق أرقام موازنة 2014. علماً أن الموازنة هذه خضعت لتطوير شكلي في العام 2018، وثم تم إقرار موازنة 2019 متأخرة، ليمر عام 2020 من دون الإعلان عن البيانات التفصيلية للموازنة، أو إقرار موازنة العام اللاحق 2021. وخلال هذه الفترة، لم يتم الإفصاح عن الحسابات الختامية السنوية.

وترفع الحكومة شعار "عام التعافي" في برنامجها هذا العام، والذي يركز وفق ما تقوله مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، على ترتيب الأولويات حسب الأهمية وتقديم برامج يلمس المواطنون ثمارها عاجلاً، إن كان في الجانب الاقتصادي أو الأمني أو المعيشي.

أقرت الحكومة الأسبوع الماضي مشروع برنامجها العام والذي يتطلب موافقة مجلس النواب اليمني المنقسم ما بين صنعاء وعدن، بعد مناقشته ووضع الملاحظات اللازمة بما يؤدي إلى بلورة إعداد موازنة طال انتظارها. لكن إعداد الموازنة يرتبط بأزمة قطاع النفط والغاز وتراجع إنتاج اليمن بفعل الحرب وتردي حقول الإنتاج وخطوط النقل وموانئ التصدير، إضافة إلى المعارك المستعرة منذ أيام على تخوم محافظة مأرب التي تحتوي على أهم حقول اليمن من النفط والغاز.

وطلب رئيس الحكومة اليمنية في اجتماع طارئ مع مسؤولين في وزارة النفط والمعادن تقارير عاجلة حول وضع القطاع النفطي، والمعالجات الضرورية لرفع مستوى الإنتاج، في مسعى لتعزيز الموارد الحكومية الشحيحة، ومواجهة الأعباء الاقتصادية والإنسانية.

وتسعى الجهات المختصة في اليمن للوقوف على وضعية هذا القطاع وتحديد مستوى ترديه وما يعانيه من أضرار جسيمة والعمل على إعادة ترتيبه، بما يسمح للحكومة بتنفيذ خططها في رفع الإنتاج من النفط الخام إلى نحو 150 ألف برميل يومياً من 70 ألفاً حالياً.

وقالت مصادر مطلعة في وزارة النفط والمعادن اليمنية لـ "العربي الجديد" إن هناك جهوداً حثيثة للعمل في الاتجاه الهادف إلى رفع الإنتاج وصيانة حقول النفط المتردية والمتهالكة، وتنفيذ بعض المشاريع الطارئة منها استكمال خط الأنبوب الجديد في محافظة شبوة الذي يمتد من قطاع "جنة هنت" إلى غرب منطقة عياد بطول 82 كم والذي تصل تكلفته إلى نحو 54 مليون دولار. إضافة إلى توسيع الطاقة التخزينية في ميناء النشيمة وصيانة أنابيب النقل، وحل مشكلة المخصصات المالية المتراكمة لصالح الشركات النفطية.

لكن الجهود الأهم تتركز على تحسين الإنتاج في حقول صافر النفطية بمحافظة مأرب؛ إذ تم في هذا الصدد تشكيل لجنة مشتركة بين وزارة النفط والشركات النفطية الحكومية، صافر وبترو مسيلة وايكوم، لتقييم وضعية قطاع النفط في اليمن ووضع الحلول المناسبة لانتشاله وتطوير الصناعة النفطية وإحداث فارق في هذا المجال لتحقيق المسار السريع، كون هذه الشركات الثلاث تمثل الذراع الوطنية للدولة في مجال النفط والغاز. وانخفضت إيرادات النفط والغاز في اليمن بحوالي 20 مليار دولار منذ بداية الحرب.

ويقول الخبير في المركز الوطني للدراسات والأبحاث النفطية وجيه الصلاحي، إن هذا المبلغ يتجاوز إجمالي نفقات الموازنة العامة للدولة على الخدمات العامة وقطاعات هامة مثل التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والكهرباء والمياه، وهو ما أدى وفق حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى عدم القدرة على إعداد أي موازنة عامة منذ بداية الحرب في البلاد، والعمل بآخر موازنة تم إعدادها في العام 2014 مع وقف معظم بنود النفقات بما فيها تعليق مشاريع البرنامج الاستثماري العام، وتعليق صرف الإعانات النقدية للفقراء، وتقليص نفقات تشغيل مرافق الخدمات الاجتماعية الأساسية.

وشكل إنتاج النفط والغاز حوالي 24 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية خلال الفترة 2010 - 2014، وذلك رغم تنامي أعمال التخريب للبنية التحتية للنفط والغاز خلال المرحلة الانتقالية.

ويعاني قطاع النفط من مشكلات وصعوبات متنامية أبرزها التراجع المستمر في كميات الإنتاج منذ عام 2002 وانخفاض الأسعار في الأسواق العالمية، مقابل ارتفاع استهلاك الوقود وبالتالي وارداته، إضافة إلى محدودية الاستثمارات وزيادة عدم الاستقرار السياسي والأمني. ففي عام 2015، أعلنت شركات النفط والغاز الأجنبية الحالة القاهرة وغادرت اليمن، وتوقف إنتاج وتصدير النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، وتفجرت أزمات متتالية خانقة في الوقود.

ويأتي تشكيل الحكومة الجديدة، بعد نحو عام على توقيع اتفاق الرياض بين المكونات السياسية المنضوية في إطار الشرعية في اليمن. مكونات خاضت صراعاً واسعاً على كل المستويات مع وصولها إلى مواجهات عسكرية تركزت في مناطق بمحافظة أبين جنوب اليمن. وشرح الباحث الاقتصادي خالد الصرمي أنه في حال استطاعت الحكومة إعداد موازنة جديدة، قد تكون كسابقاتها عبارة عن موازنة على الورق فقط، إذا لم يتم تمكينها من الموارد العامة خصوصا النفطية والغازية، مع توقف إنتاج وتصدير النفط منذ بداية الحرب.

ورأى في حديثه مع "العربي الجديد"، أن مشكلة اليمن تنموية واقتصادية بالدرجة الأولى، خاصة بصعود معدلات الفقر والبطالة، "وكان بالإمكان تلافي كل هذه الفوضى التي أحدثتها الحرب بتسخير كل هذه الإيرادات لدعم الاقتصاد اليمني ومشاريع التنمية ومكافحة الفقر وتوفير فرص عمل لمئات الآلاف من الشباب، بدلا من استقطابهم من قبل مختلف أطراف الحرب وتجنيدهم كمقاتلين".