}

هل يوجد ضوء في نهاية النفق؟

هيفاء بيطار هيفاء بيطار 3 مارس 2024
آراء هل يوجد ضوء في نهاية النفق؟
يزعج باسم ياخور أن كثيرًا من السوريين يرونه شبيحًا
بتاريخ 25 فبراير/ شباط 2024، استضاف الإعلامي علي ياسين في برنامجه "كتاب الشهرة" الممثل باسم ياخور، في حوار طويل تجاوز ساعتين. وأقول صراحة إن ياخور ليس من الممثلين المفضلين لدي، رغم أنني أعجبت ببعض المسلسلات التي شارك فيها، خاصة مسلسل "ضيعة ضايعة". لكن أجد من الضروري، ومن واجبي الأخلاقي ككاتبة، أن أتناول الأفكار التي طرحها، وهي أشبه بقناع جميل لتجميل حقيقة الحياة في سورية والسوريين بشكل عام (سواء كانوا داخل سورية، أو خارجها). وبداية، لا بد من ذكر معلومة بالغة الأهمية، وهي أن السيد باسم ياخور صاحب القول الحسم في "شركة إيمار الشام للإنتاج الفني"، وهي شركة تابعة لشركة إعمار، أي أنه يتمتع بنفوذ كبير جدًا. برنامج "كتاب الشهرة" الخفيف يسأل الضيف أسئلة عديدة عن حياته وأعماله الفنية، ورأيه في قضايا تتعلق بالفن والوطن والمشهد الفني العربي. وسأذكر هنا بعض النقاط الهامة:
أولًا: انزعاج باسم ياخور من أن كثيرًا من السوريين يرونه شبيحًا، ولم يستطع إخفاء انفعاله من هذه التهمة، وقال إنه تلقى تهديدات كثيرة بسبب مواقفه الوطنية، وأن من يتهمه بالتشبيح هو الشبيح. خلاصة تهمة الشبيح أن باسم ياخور أعلن بحماسة وصدق أنه يتقبل الطرف الآخر، وأنه حاول ببسالة ألا يتم طرد مئتي ممثل ومخرج من سورية في بداية الثورة السورية، لكن زهير رمضان طردهم، أي أن واسطة باسم ياخور لم تُثمر. وقال إنه يحترم جدًا الممثل المُعارض جمال سليمان، ومستعد لمشاركته مسلسلات، أو أفلام، لكن من دون التطرق على الإطلاق للحديث في السياسة!!! الحديث ذاته قاله عن مكسيم خليل، وأنه لا يسمح على الإطلاق أن تكون علاقته مع ممثلين معارضين للنظام سوى في حدود العمل الفني فقط. لكن يا سيد باسم اسمح لي وأنا أسأل بلسان كل السوريين: كيف سيتفق السوريون على حل هو لمصلحة وطننا الحبيب سورية، ولمصلحة السوريين بكل أطيافهم وديانتهم ومذاهبهم إن لم يكن هناك حوار صادق بين جميع السوريين، خاصة النخب الثقافية والفنية، ليتوصلوا إلى حل لإنهاء الخلاف، وبناء وطن نزف دم أبنائه، وتدمر ونزح ثلث شعبه. أبدى باسم ياخور غضبه وانزعاجه من مسلسل قام ببطولته مكسيم خليل هو "ابتسم أيها الجنرال"، وقال عن المسلسل إنه فنيًا سيء جدًا، وأنه من المعيب إنتاج مسلسل يُشخصن الشخص، وأن المسلسل أفقد مكسيم خليل كثيرًا من شعبيته، وأن على الفن الحقيقي أن يبتعد عن السياسة، وخاصة عن الشخصنة. أنا لست في صدد الدفاع عن مسلسل "ابتسم أيها الجنرال"، وأعترف أنني لم أحضر سوى حلقات منه. لكن أحب أن أذكر السيد باسم ياخور أن كثيرًا من الأفلام والمسلسلات قدمت شخصيات زعماء مثل نابليون بونابرت، وشخصية هتلر، وشخصية ملكة بريطانيا، حتى أن عددًا من الأفلام العربية قدمت شخصيات مثل الزعيم عبد الناصر، والزعيم أنور السادات، وفق وجهة نظر الكاتب والمخرج، وحتى الممثل، فالحياة وجهات نظر. وأحب لو تعود لحلقة حوارية مع المخرج والممثل سيف الدين سبيعي منذ سنوات قليلة قال إن حلم حياته أن ينتج فيلمًا عن حافظ الأسد (ترى يا سيد باسم ياخور هل كنت سترى في هذا الفيلم عن "القائد الخالد" شخصنة!!!) أستغرب أن تقول بأن العمل الفني يجب أن يكون هنالك إجماع عام عليه!!! كل مواطن له ذوقه الخاص، كم من أفلام أثارت خلافًا شرسًا بين نقاد ومشاهدين لدرجة وصلت إلى المحاكم. حين يكون هناك إجماع عام على عمل فني ـ سواء اعتبره الناس ناجحًا، أو فاشلًا ـ يعني أن الناس قطيع لا تميز ولا تفرد بينها. والخلاف غنى.
ثانيًا: وهي النقطة الأهم في رأيي، لماذا تم التطرق لأهم أعمال باسم ياخور وتم تجاهل مقصود لمسلسل ناجح جدًا "المفتاح" قام ببطولته باسم ياخور، من إخراج هشام شربتجي. أما كاتب السيناريو فهو الكاتب المبدع خالد خليفة. الرحمة لروح خليفة المبدع السوري الذي لم يترحم عليه النظام، بل تجاهل خبر موته تمامًا. مسلسل "المفتاح" هو حياتنا تمامًا، أو طبق الأصل.




هو يحكي عن الفساد المتشرش منذ عقود في سورية، ويلعب ياخور دور طالب جامعي متفوق، لكنه لا يُوفق في عمل (وفي كل الأحوال الراتب لا يكفي ثمن خبز)، فيضطر لأن يعمل في تعقيب المعاملات بطريقة تعتمد على الرشوة، ونهب المواطن، لكن ياخور في المسلسل يعمل لحساب مسؤول فاحش الثراء والفساد هو أيمن زيدان... هذا هو حجر الأساس في الحياة في سورية يا سيد باسم ياخور، الفساد المتشرش في كل المجالات. أما إلقاؤك اللوم على العقوبات الأميركية على سورية، وأنها سبب كل التعتير والفقر وانعدام الكهرباء... إلخ، فهو تحليل خاطئ تمامًا. بالتأكيد العقوبات الأميركية أثرت سلبًا، وكثيرًا، على معيشة السوري، لكن هل لي أن أسألك: ما علاقة العقوبات الأميركية بتجارة الكبتاغون؟!! بتهريب أطنان من حبوب الكبتاغون إلى الأردن والسعودية ودول كثيرة، لدرجة أن الأردن اضطرت أن تتدخل في الأراضي السورية لحماية شبابها من شاحنات سورية محملة بالكابتاغون. ما علاقة العقوبات الأميركية بحالة الذعر عند الناس، إذ لا يجرؤ أحد، خاصة من الداخل السوري، أن يبدي إعجابه بفيلم إيراني مُعارض للنظام الإيراني، أو وضع علامة لايك على قصة إيرانية، أو شعر كتبته كاتبة إيرانية معارضة. هل تذكرون مهسا أميني التي قتلتها شرطة الأخلاق بسبب حجابها غير المناسب، وقال النظام الإيراني إنها ماتت بسكته قلبية؟ ما علاقة العقوبات الأميركية بالتسلط الرهيب للمخابرات وقد قدمت الدراما السورية مسلسلات هي استنساخ للواقع السوري عن أجهزة الأمن، مثل مسلسل "الولادة من الخاصرة"، وغيره. والكل يعرف أنها مجرد تنفيس للناس، وأن هنالك حرية في طرح مواضيع جريئة في مسلسل "بقعة ضوء"، لكن الكل يعلم حتى الطفل المُقمط في السرير أن كل تلك الأعمال للتنفيس من غضب الناس، أو على الأدق لزيادة ذعرهم (بالمناسبة تذكرت بيان الحليب الذي صدر عام 2011 بضرورة إدخال الحليب لأطفال درعا المحاصرين وكل من وقع على بيان الحليب اعتبر خائنًا)!!!
ثالثًا: ما غايتك سيد باسم ياخور من تقديم برامج "تلفزيون الواقع"، حيث تلتقي بناس سوريين من أعمار مختلفة تسألهم وأنت تبتسم: كم تشتري الألف ليرة سورية؟ أهي أسئلة ظريفة على قلب السوريين الذين يعيش 85 في المئة منهم على حافة المجاعة!!! برامجك هذه سمجة تشبه من يلقي النكات في عزاء. تفنن الإعلام السوري في إهانه الناس عن طريق برامج تقدمها مذيعة تتغندر ومفرطة السعادة تقترح على رجل أو امرأة في قمة الفقر والتعتير أن تتكفل بكلفة طبخة محاشي مثلًا. كلفة الطبخة راتب، أو راتبين!!! يا لبرامج الإذلال.
رابعًا: ما شاء الله يا سيد ياخور، كيف وصلت ثروتك إلى حوالي مليوني دولار أميركي!!! وأنت اعترفت أن الدراما السورية واجهت صعوبات كثيرة بسبب الحرب، وأن قنوات تلفزيونية كثيرة توقفت لسنوات عن شراء الأعمال السورية!!! فكيف جمعت تلك الثروة الطائلة وثمة زملاء ممثلين لك نراهم يشكون الفقر، وعدم قدرتهم على شراء الدواء. ممثلة عظيمة الموهبة مثل سمر سامي تكتب عن الفقر وبؤس العيش، وأنها تعاني ككل مواطن سوري. لكنني صدقًا أتفق معك بأن ديما قندلفت هي ممثلة سورية الأولى، وأن موهبتها عظيمة، وتشاركها هذه النجومية أفضل ممثلة سلافة معمار.
للأسف، لا ضوء في نهاية نفقك يا سيد باسم ياخور، طالما أنك ترفض الحوار مع زملاء، خاصة من هم في قمة في الإبداع، ومع شعبك الذي فاق عذابه وتعتيره وخوفه المعقول. وأنت خيبت ظنه. هو مضطر أن يصمت لأنك مدعوم كثيرًا، ولأنك الملك في "شركة إيمار الشام للإنتاج الفني" التابعة لمجموعة إعمار.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.