}

معارك على أبواب معرض تونس للكتاب

آراء معارك على أبواب معرض تونس للكتاب
شكرى المبخوت

إنّ “هذه الدّورة ستكون فضاءً للحوار الجدّيّ بين النقّاد والأدباء والباحثين وخالية من المحاضرات الأكاديمية المملّة”..، هكذا وعد شكري المبخوت جمهور الدورة القادمة لمعرض تونس للكتاب، فور تكليفه بإدارتها. غير أنّ الملل لا يتسرّب من المحاضرات الأكاديميّة فحسب، بل يأتي أحيانا من حيث لا نتوقّع. وقد طرق أبواب المعرض من خلال المعارك التي أصبحت ترافق جميع المهرجانات والتظاهرات الثقافيّة التونسيّة في الداخل والخارج.

معارك متكرّرة برزت في مهرجاني قرطاج السنمائي والمسرحي، وفي تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربيّة، وسجّلت حضورها في كواليس معرض الكتاب قبل افتتاحه بأسابيع.. وأسباب الخصومات هي ذاتها، كما بدت في عناوين بارزة عن الإقصاء والنسيان والنكران لبعض الأسماء التي "تستحقّ الدعوة أو التكريم"، حسب المقالات الصحافيّة التي حاورت الغاضبين، وحملت شكاواهم إلى إدارة المعرض. وفي هذا السياق، اتّهِم مدير الدورة الثالثة والثلاثين لمعرض الكتاب "بالديكتاتوريّة"، بعد أن رفض قائمة تضمّ أسماء مقترحة للمشاركة في الورشات والندوات الفكريّة، فقد احتج الشاعر جمال الجلاصي، (وهو عضو بهيئة الأنشطة الثقافيّة) على إدارة المعرض، وقال معتذرا للكتّاب الذين تمّ استبعادهم بعد أن نسّق معهم لاستضافتهم: "إنّ ديكتاتورية شكري المبخوت مدير هذه الدورة هي السبب".

وامتدّ الاحتجاج إلى رابطة الكتّاب الأحرار، بنفس التهمة تقريبا، فعبّر أعضاؤها عن خيبة أملهم من الإدارة الحاليّة، وأصدروا بيانا جاء فيه: "يبدو أنّ الأوضاع في تونس تتّجه بخطو حثيث نحو الردّة، ردّة عن ترسيخ المبادئ الأولى للحلم الديمقراطي ونعني بها الشراكة الفاعلة والبعد عن الأحادية، تلك التي عرقلت معظم الطاقات والمبادرات الوطنيّة وجعلتها تحت رحمة الحزب الأوحد"... وقد انسحبت الرابطة من لجنة إعداد البرنامج الثقافي بعد أن فوجئت بتغييب جميع مقترحاتها التي قالت إنّها تعكس "الوجه المتعدّد الثري للساحة الثقافية من جهة الأجيال أو من جهة التجارب الإبداعية والفكرية".

وردّا على تلك المثالب، ذكر الأستاذ شكري المبخوت أنّ بعض الأصوات انخرطت في حملة تريد تشويه عرس الكتاب في تونس، معبّرا عن ثقته التامّة في نجاح المعرض الذي "سيكون جميلا، أجمل ممّا يعتقدون". وقال في تصريحات لاحقة: "إنّ الشراكة لا تعني المحاصصة ولا تعني أن تُفرض على اللجنة الوعود التي قُطعت لبعض الضيوف من الكتّاب". ورفض الحديث عن إقصاء، معلّلا ما جرى على مستوى اختيار الضيوف والموضوعات المقترحة للنقاش، بضرورة تجنّب المسائل التي فقدت بريقها بعد أن نالت حظّها من البحث والنقاش في مناسبات كثيرة، وهكذا فالاهتمام موجّه إلى بعض المستجدّات التي لا تخلو من جرأة، ليكون جمهور المعرض والنقّاد والإعلاميّون على موعد مع " قضايا راهنة وحارقة".

لكنّ الردّ الأقوى جاء من وزير الثقافة الذي افتتح الندوة الصحافيّة الأخيرة المخصّصة لتقديم برنامج الدورة الجديدة، فأشاد باختيار المبخوت مديرا للمعرض في دورته لهذا العام، ووصفه بالسند الحقيقيّ، لدعم عمل وزارة الشؤون الثقافيّة، قائلا: "أحيّي من خلاله جميع الكفاءات من الجامعيّين الذين التحقوا بنا منذ مدّة لتغيير ما يمكن تغييره من إصلاحات جوهريّة لعمل الوزارة"..

ويؤكّد ذلك التنويه من وزير الثقافة حرصا غير مسبوق على تكليف الكوادر التونسيّة المرموقة بإدارة المواعيد الثقافيّة الدوليّة، رغبة في الارتقاء بها تنظيميّا بالخصوص، بعد أن لوحظت إخلالات كثيرة في مناسبات سابقة آخرها ما حدث في مهرجان قرطاج السينمائيّ حيث طغى الارتجال، ودُعي كلّ من هبّ ودبّ ليمرّ على السجّاد الأحمر الذي بُسط على عجل، فسقط فوقه أغلب المدعوّين من النجوم وغير النجوم أمام عدسات المصوّرين...

ثمّة رغبة إذن في تجاوز ذلك التقصير، للتخفيف من حدّة المعارك التي تتجدّد مع كلّ موعد ثقافيّ، لذلك اهتمّ الأستاذ شكري المبخوت بأدقّ التفاصيل، فشرح للحاضرين في الندوة الصحافيّة الأخيرة الأبعاد الرمزيّة لشعار الدورة الجديدة (اللوغو)، من خلال قطعة الفسيفساء النادرة التي اكتشفت في مدينة سوسة (حضرموت قديما)، والتي يظهر فيها الشاعر (فرجيل) بصدد كتابة الإلياذة، وعلى يمينه ملهمة الشعر وعلى يساره ملهمة المسرح، والقطعة تعبّر عن عمق الثقافة التونسيّة، في رحلتها الطويلة عبر العصور والحضارات.

والمتأمّل في برنامج الفعاليات الثقافيّة التي ستنعقد تباعا على امتداد أيّام المعرض، يلاحظ حرصا بيّنا للانفتاح على ذلك الامتداد الحضاريّ عبر مسارَين أحدهما يخاطب الأمم التي نعاصرها، (بفضل مشاركة المئات من دور النشر العالميّة)، والثاني يحاور الثقافات التي انتمى إليها أجدادنا عبر تاريخنا الطويل الممتدّ من تونس الحاضر إلى أفريقية الماضي البعيد.  وترويجا لتلك الرؤية، سيستفيد الجمهور من ورشات وندوات متنوّعة، بعضُها فلسفيّ تنويريّ، يرمي إلى  تعميم "الإيقاظ الفكريّ"، كما أعلن المبخوت، في مبادرة جديدة تعكس الرؤية الفكريّة التقدّميّة التي تُدار بها الدورة الجديدة.

وبتلك الرؤية فسّر المبخوت، اختيار لبنان ليكون ضيف الشرف، فقال: "اخترنا لبنان لمكانتها في النهضة الفكرية والثقافة العربية ولدور الثقافة اللبنانية في الأمس القريب واليوم أيضا في تطوير الرؤية التنويرية التي تشكل أعمدة معرض تونس الدولي للكتاب". 

وإجمالا لما تقدّم، لا يملك المتابع للضجّة التي سبقت معرض تونس الدوليّ للكتاب إلّا أن يتفاءل خيرا، بما سيجده من إمتاع ومؤانسة في ذلك "المهرجان الفكري والأدبي والثقافي الحقيقي"، كما وصفه مديره الطموح، وكما يلخّصه شعاره المحبّ للقراءة وللحياة معا... فشعار الدورة الجديدة: "نقرأ لنعيش مرّتين"، حيث لا وقت للمعارك والبكائيّات.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.