}

التشكيلي الأميركي الأفريقي جاك وتِن...الاعتراف يأتي متأخراً

ابتسام عازم ابتسام عازم 8 فبراير 2018
تشكيل التشكيلي الأميركي الأفريقي جاك وتِن...الاعتراف يأتي متأخراً
لوحة الفنان جاك وتن
 

لم يحظ جاك وتِن (2016-1939)، وهو فنان أميركي من أصول أفريقية، باعتراف ونجاح يليق بموهبته الغزيرة وتنوع أعماله، إلا في السنوات الأخيرة قبل وفاته نهاية الشهر الماضي. وظل وتِن يرسم لعقود طويلة ويخوض تجارب متنوعة في أدواته الفنية دون اهتمام يذكر من قبل المتاحف أو الإعلام الأميركي الفني والسائد إلى أن أقيم له قبل ثلاث سنوات في متحف سان دييغو في ولاية كاليفورنيا، عام 2014، معرض استعادي يتناول ما أنتجه في العقود الخمسة الأخيرة. وكان قد حقق نجاحات وعرض له لكنه بقي مهمشاً في العموم، مقارنة بموهبته والتجديد الذي أدخله في عالم الفن الحديث. حظيت أعماله بانتباه أكبر عندما كرمه الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل حوالي سنة ونصف تقريبا، في أيلول/ سبتمبر 2016. إذ حاز وتِن على الميدالية القومية للفنون، وتعد أعلى تكريم يمكن أن يحصل عليه فنان أميركي من الحكومة الأميركية ويمنحه الرئيس الأميركي لأشخاص أو مجموعات يستحقون إشادة خاصة لأن أعمالهم أو مساهماتهم تشكل علامة فارقة ومتميزة في مجالهم بشكل خاص وللأعمال الإبداعية في الولايات المتحدة عموما.

ويعتبر العديد من النقاد جاك وتِن من أكثر الفنانين التشكيليين الأميركان تجريبا بأسلوبه. ومن ضمن المواد التي يستخدمها في أعماله الأكريليك وقشر البيض والنحاس والفلين وغيرها. وفي إحدى المقابلات معه يتحدث عن السحر الذي شكله بالنسبة له التجريب العلمي والاختراع ومحاولته للقيام بالكثير من التجارب وتطوير أدواته واختراع أساليب جديد. وفي هذا السياق يشير إلى تأثره بالعالم والفنان الأميركي من أصول أفريقية جورج واشنطن كارفر، 1860- 1943، والذي اشتهر كعالم أكثر منه كرسام وعرف بمحاولته تحسين جودة المحاصيل الزراعية للمزارعين الفقراء، والأميركان من أصول أفريقية خاصة، وتشجيعهم على زرع المحاصيل التي يعتمدون عليها للاكتفاء الذاتي كما تحسين جودتها كالقطن والفستق والبطاطا الحلوة. وقد وصل تأثيره واختراعاته في مجاله من حيث الجودة والأهمية لدرجة ذاع فيها صيته في زمن الفصل العنصري خارج مجتمعات الأميركان من أصول أفريقية. بل إن مجلة "تايم" اختارته عام 1941 ليظهر على غلافها. وتمكن من تطوير الزراعة في جنوب الولايات المتحدة والتأثير عليها بشكل ملفت للنظر. كما ابتكر طرقاً لاستخراج أكثر من285 (مادة) جديدة استخرجها من الفستق بما فيها الخل والدبس والزيت ودهن تلميع الأحذية.

واللافت في كارفر، ولعل هنا يكمن سر تأثر جاك وتِن به، هو أنه كان فنانا كذلك وقام باستخراج وتطوير الألوان والصبغ من الفستق والمواد الزراعية الأخرى واستخدمها في لوحاته لرسم مناظر طبيعية. سجل وتِن إعجابه به في أكثر من مناسبة ومقابلة وكان كارفر بالنسبة له ملهماً لتحفيزه على التجديد الدائم في أدواته. وفي إحدى المقابلات معه وصف وتِن الحياة قائلاً إنه لا هدف معين فيها يمكننا الوصول إليه لتنتهي رحلتنا بل إن الرحلة نفسها هي الهدف ولذلك يجب أن نعمل على تحسين جودة تلك الحياة.  

 

جاك وتن 

ولد جاك وتِن في ولاية آلاباما في جنوب الولايات المتحدة، في فترة الفصل العنصري، التي فرضها النظام في تلك الولايات واستشرى فيها التمييز والتفرقة العنصرية ضد السود على مستويات عديدة. وكان وتِن من الفاعلين في حركة الحقوق المدنية التي قادها مارتن لوثر كينغ. انتقل بعد دراسته الجامعية للعلوم والدراسات التمهيدية للطب، إلى مدينة نيويورك ليكمل دراسته ويستمر للعيش بها في الستينيات. أراد أن يصبح عازف موسيقى الجاز لكنه سرعان ما قرر العدول عن تلك الطريق والتوجه لنوع آخر من الإبداع، أي الرسم. ليبدأ رحلة طويلة وغنية مع الرسم والنحت وغيرها.

يقول في إحدى المقابلات إن لوحاته فيها تأثيرات روحانية كثيرة، دون أن تظهر تلك التأثيرات بوضوح بالضرورة دائما في أعماله. كما وصف رسمه بالـ "البناء" أكثر منه بالرسم. حيث يتعامل مع اللوحة بأبعادها الإضافية ويرى أنها تتكون من طبقات عديدة وليس مجرد قماشة توضع الألوان فوقها. كانت طريقة إنتاج اللوحة أو العمل الفني جزءا أساسيا من العمل نفسه. وجرب واخترع العديد من الأساليب الفنية للرسم أو النحت. طريقة عمله ولوحاته كانت مختلفة عن طريقة عمل أقرانه والتيارات السائدة للفنانين الأميركان في نيويورك. حيث اتجه، في السبعينيات من القرن الماضي، الفنانون إلى انتاج الأعمال الفنية ذات "وزن ذهني" والتي تمخضت عنها تيارات كالفن المفهومي والـ "منماليست"، بحسب أحد النقاد الفنيين.   

آثر وتِن الذهاب إلى التجريد التعبيري والتجريب في أدواته. فعلى سبيل المثال كان يضع القماشة على الأرض ويسكب عليها الألوان المختلفة بطريقته ثم يخلط ألوانه على قماشة اللوحة ويرسمها بمساحة مطاطية بدلا من الريش، ثم يترك طبقات اللوحة المتراكمة والسميكة إلى أن تجف. عند استخدام تلك التقنية كانت تبدو لوحاته والأشكال التي تظهر بها أشبه بالصور الفتوغرافية التي استخدمت بها تقنيات التصوير البطيء للأشياء المتحركة، والتي تظهر بها الأجساد أشبه بالأشباح أو كظلال غير واضحة المعالم داخل الصورة. وترك لقدر من الصدفة أن يتحكم بالنتيجة النهائية للوحاته، حيث استخدم ألوان الأكريلك، التي كانت تنشف بشكل أسرع، بدلا من الألوان الزيتية.

 

جاك وتن 

 

 في سلسلة من اللوحات بدأ إنتاجها بحدود عام 2005 استخدم تقنيات متعددة تظهر اللوحة المرسومة وكأنها معمولة من الفسيفساء. وتضمنت مجموعة من البورتريهات، لأشخاص، بعضها لم تحمل ملامحهم بشكل واضح لكنها بطريق ما دلت أو أوحت إلى شخصهم، وكانت لأشخاص أثروا به أو ربطتهم به علاقة جيدة، كالكاتب المسرحي الأميركي من أصول أفريقية، أميري بركة أو الروائي والناقد الأدبي الأميركي من أصول أفريقية رالف إيلسون.

يمثل جاك وتِن الفنان الذي بقي مصرا على السير في طريقه دون مساومة على فنه لكي يناسب جامعي الفن الأغنياء الذين لا يأبهون بالفن بقدر ارتفاع قيمته والأرباح التي سيجنونها من خلفه. كان وتن مشغولا بالإبداع على الرغم من إهمال النقاد له ولعقود طويلة، وظل مصرا على التجديد والابتكار إلى وفاته قبل أسبوع وهو في الثامنة والسبعين من عمره.



الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.