}

"يا سمر": حين يندمج الرقص والتمثيل في المسرح

ابتسام عازم ابتسام عازم 19 يوليه 2018

ألم الجسد، ذاكرته وحاضره المحاصر، بعض ما راودني من أفكار وأنا أتابع مقاطع من أعمال مسرحية راقصة قدمها راقصون وممثلون من أصول فلسطينية ويابانية وأميركية في نيويورك تتويجا لنهاية إقامة فنية لأعضاء من فرقة "يا سمر" للرقص المعاصر بالإضافة إلى المخرج الفلسطيني أمير نزار زعبي والممثل خليفة ناطور من فلسطين.

ويدور العمل الأول، والذي يحمل عنوان "بعرض الحائط"، حول الصمود والمقاومة والحدود والظروف القاسية التي تضطر مجموعة من البشر للعيش تحتها والسبل التي تسلكها من أجل الانتصار على تلك الظروف. أما المقاطع الأخرى فكانت من عرض يحمل عنوان "الحارس" والذي يتناول موضوع الأرض وعلاقتنا الشائكة بها.

"يا سمر"

في عام 2005 أسست الفلسطينية الأميركية سمر حداد كينغ فرقة "يا سمر" في نيويورك. وتقول في لقاء لـ"ضفة ثالثة" في نيويورك إن هذا هو التعاون السابع بينها وبين المخرج المسرحي أمير نزار زعبي.

وتتميز أعمال كل منهما، زعبي وكينغ، بالحرص على الاستقلال المادي وعدم الارتباط بمصادر التمويل التي تفرض أجنداتها السياسية الخاصة على الأعمال الفنية، وبتقديم أعمال تحافظ على مستواها الفني الرفيع دون أن تهمل الوعي السياسي والتزامها بقضاياها السياسية والإنسانية.

وعن تفاصيل التعاون مع زعبي تشير كينغ إلى أن "أغلب المشاريع التي تعاونّا فيها كان أمير هو المسؤول عن الإخراج المسرحي وأنا عن الإخراج الفني للرقص (كوريوغرافي). ونحاول في أعمالنا أن نجسد الشراكة بكل معانيها. يأتي نزار من خلفية المسرح وأنا من الرقص ونحن "نتفاوض" في العمل ولكن دون أن يكون أي منهما على حساب الآخر".

وفيما يخص الحوار بين الرقص وبين الموسيقى وما إذا ما كانت الرقصات تصمم أولا ثم تكتب الموسيقى للعمل أم العكس تقول كينغ "لا يحدث الرقص دائما على إيقاع موسيقي كما أن له تطوره الداخلي الفردي والجمعي. وكثيرا ما نقوم أولا بتطوير الرقصة وبعدها يقوم ملحن بوضع الموسيقى لها. ما يراه المشاهد هو العمل المتكامل ولكن الوصول إلى ذلك يتم دائما بطرق مختلفة".

درست سمر الباليه والرقص المعاصر في نيويورك، وعن فكرة تأسيس فرقة "يا سمر" تقول إن القرار "جاء عفويا بشكل ما؛ حيث كنا مجموعة من الراقصين الذين يعملون على مشاريع مختلفة، من تأليفي غالبا، وحصلنا على إقامة فنية في نيويورك عام 2005، وسجلت الفرقة بشكل رسمي لكن الأمور تطورت بشكل أكبر عندما قمنا بتسجيلها عام 2012 كفرقة غير ربحية". وحول الصعوبات التي تواجهها كينغ، والتي تقيم منذ سنوات في فلسطين، وأعضاء الفرقة الذين يعيش قسم منهم في نيويورك وقسم آخر في فلسطين، تقول "إن التحديات كثيرة وخاصة في ما يتعلق بعدم الحصول على تراخيص للممثلين للتنقل داخل فلسطين فما بالك خارجها عندما تكون لدينا عروض دولية". 

"شبر حرّ"

للمخرج المسرحي أمير نزار زعبي رصيد من الأعمال المسرحية التي لقيت صدى إيجابيًا واحتفاء كـ"أنا يوسف وهذا أخي"، و"جدارية"، المستوحى من قصيدة محمود درويش الشهيرة، التي عرضت محليا وفي مسارح ومهرجانات دولية كمهرجان أدنبرة الدولي (اسكتلندا) ومسرح "يانج فيك" في لندن.

وأسس زعبي مجموعة "شبر حر" والتي أنتجت العديد من الأعمال المسرحية. وعن تأسيسها وهدفه يقول لـ"ضفة ثالثة" إن التأسيس جاء "عام 2010 تلبية للحاجة إلى إنتاج أعمال فنية بشكل مستقل عن التمويل الذي يجعلك مرهونا بخط معين سواء فنيا أو سياسيا". ويؤكد زعبي أن "شبر حر" ليست مؤسسة بالمعنى التقليدي، بل آلية ومجموعة من الأشخاص المعنيين بالفن والذين يعملون في هذا المجال ويقومون بخلق ثورة ثقافية تتنافس في المهرجانات والمسارح الدولية. ويرى زعبي أن كل هذا يأتي في إطار رد شخصي وفعلي على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

وعن التعاون مع فرقة "يا سمر" والأعمال التي طورت خلال إقامة نيويورك، يقول "قمنا باستخدام "بعرض الحائط" مجددا، وهو عمل قديم، من أجل تطويره لمشروع مستقبلي. في هذا العمل أردت التوغل في معنى الفضاء أو الحيز، عندما يكون كل ما حولك مغلقًا لأسباب سياسية متعلقة بالاحتلال، وفي الوقت ذاته تعيش ثورة عقلية وجسدية كشعب محاصر. لقد كتبت العديد من الأفكار والمشاهد للعمل ثم عملت عليها سمر مع الطاقم وطورتها ومن ثم أضيف أنا مجددا للعمل وهكذا باستمرار. والعمل بنهاية المطاف مشترك وتراكمي. أما العمل الثاني "الحارس" فله علاقة بأحشاء الأرض. تحدثنا كثيرا عن قضية الدفن بالأرض بمعانيها المختلفة". وتأتي تيمة الدفن في أعمال سابقة لزعبي من بينها "عزا"، وعن تقاطع ذلك العمل مع "الحارس" يشير زعبي إلى أن عمل "عزا" مختلف وله علاقة بطقوس الموت لدينا: "كانت تلك الطقوس تربكني وعلى صعيد شخصي، بما فيها من ذكورية متعلقة بطقوسنا حول الموت. بعضها تافه وبعضها الآخر جميل. أما هنا في "الحارس" فإنني أذهب إلى ما هو أعمق جغرافيا في الأرض. إذا أخذنا على سبيل المثال القدس فإننا نمشي فوقها ونقف على طبقات من الماضي. كما أننا يوما ما سنكون جزءا من هذه الأرض وتلك الطبقات. كل شيء زائل وتحت أقدامك، هي الأرض كذاكرة وليس كملكية شخصية. والأرض مطمورة كبيرة بالنسبة لنا فيها الكنوز كما الزبالة. نتحدث طوال الوقت عنها ونتجاهلها في حياتنا اليومية حتى في عمارتنا وطريقة بنائنا لا نكرمها. إذًا هذا مشروع حوار نفسي أو ذاتي كذلك".

الدمج بين ممثلين وراقصين

ومن الملفت في الأعمال المشتركة بين زعبي وكينغ هو الدمج بين الممثلين والراقصين.

واحد من هؤلاء هو الممثل الفلسطيني خليفة ناطور. ويقول ناطور حول هذا الدمج وما يعنيه بالنسبة له "أنا لست راقصاً ولكنني ممثل. وكممثل مسرحي طبعا أستخدم جسدي ولا أعبر فقط عن دوري بالكلام ولكن لن يستفيد الفريق مني إن عملت معهم كراقص أو إن تدربت كراقص. هناك شيء خاص في تعبير الممثل والمهم هنا توظيفه بطريقة معينة". وعن المزج يقول خليفة "أنا أبحث عن الفعل الذي يعبر عن شخصيتي. أعطيك مثالا بالنسبة لهذا العمل، هنا أحتاج إلى مهارات إضافية ومختلفة يفرضها التواجد مع مجموعة من الأشخاص الذين يتحركون بصورة خاصة وأشعر وكأنني داخل فيلم وأنا معهم.. وكأن حولي ذئاب في داخل غابة. وعلينا ألا ننسى البعد الإضافي وهو بعد الجمهور. أنا لا أريد أن اقنع الجمهور بأن مجموعة الراقصين يمثلون ذئابا، ولكن أرغب بأن يكمل المشاهد تخيله أو المشهد والدخول بالحالة النفسية".

ولناطور رصيد كبير من الأعمال المسرحية وله بصمته الخاصة على خشبة المسرح كمبدع وفنان. كما أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعاون فيها مع زعبي حيث تشاركا بأعمال عديدة من بينها على سبيل المثال "قصص تحت الاحتلال" و"جدارية" وإلى جانب التمثيل فهو معد مسرحي ومخرج كذلك. وعن العمل ضمن هذا المشروع يقول ناطور "أشعر أنني محظوظ لأنني تمكنت من إيجاد طريق لا تكون فيه المؤسسة فوق رأسي طوال الوقت. ولا حاجة لي لأن أكون نجما ولكن أريد أن أعمل في هذا المجال وبشكل جيد. العمل ضمن هذا المشروع ومشاريع مشابهة مثير على مستوى فني وإنساني. الراقصون متواضعون ولهم نظام مختلف عن الممثلين. هذه المشاريع تأخذني من بلد إلى آخر وتعطيني اكتفاء مهما. هناك الكثير من المسارح أو المشاريع في فلسطين لا يمكنني العمل فيها، فأصحابها يريدون الحديث عن مواضيع معينة هم مهتمون بها لكنها ليست مواضيعي ولا تمثلني".

يذكر أن الفرقة تحرص، وكجزء من رسالتها، على تقديم العديد من ورشات العمل في الرقص المعاصر للشباب في مدن وقرى ومخيمات فلسطينية عديدة في جميع أنحاء فلسطين وخارجها.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.