Skip to main content
وباء كورونا يفاقم خسائر الصحافة المغربية
عادل نجدي ــ الرباط
بلغت خسائر القطاع نحو 24.3 مليون دولار في 3 أشهر (فاضل سنّا/فرانس برس)

ألحق وباء كورونا خسائر فادحة بقطاع الصحافة في المغرب، بعدما اضطرت الصحف الورقية إلى تعليق طبعاتها، التزاماً بالإجراءات الوقائية، وخسرت المواقع الإخبارية قسماً ملحوظاً من إيرادات الإعلانات.

وكشف "المجلس الوطني للصحافة" في المغرب أن خسائر قطاع الصحافة المغربية بسبب جائحة كورونا قاربت الـ 243 مليون درهم (نحو 24.3 مليون دولار أميركي)، خلال ثلاثة أشهر، نتيجة تعليق طبع الصحف، مع ما استتبع ذلك من إجراءات مؤلمة بحق العاملين في مؤسسات عدة، ثم انهيار إيرادات الإعلانات في الصحافة بنسبة 110 في المائة ما بين 18 مارس/آذار و18 مايو/أيار الماضيين، بالمقارنة مع الفترة نفسها عام 2019.

وفي تقرير المجلس الصادر يوم الخميس، أفاد بأن الصحافة الورقية في المغرب كانت تخسر 356 مليون درهم (نحو 35 مليون دولار أميركي) سنوياً، بسبب القراءة المجانية في الأماكن العامة، مما أوضح أن أزمتها ليست أزمة قراءة، إنما أزمة منتوج يُستثمر فيه مادياً وبشرياً، لكنه يستهلك بالمجان، ما يجعل الدعم الرسمي السنوي للصحافة المغربية، وقيمته نحو 60 مليون درهم (نحو 6 ملايين دولار أميركي)، لا يغطي إلا ما يناهز 17 في المائة من تكاليف القراءة المجانية للصحف في البلاد.

التقرير أبرز أن أزمة الصحافة المغربية اشتدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة قبل الجائحة، إذ وصلت مبيعات الصحف كلها إلى ما دون مائتي ألف نسخة سنوياً، بانخفاض بلغ 33 في المائة بالنسبة لليوميات، و65 في المائة بالنسبة للأسبوعيات، و58 في المائة في ما يخص المجلات. ومع اضطرار الصحف الورقية والمجلات إلى إلغاء النسخة الورقية، بات الأمان الوظيفي للمئات من العاملين فيها من صحافيين ومحررين وفنيين وإداريين مهدداً، ولا سيما بعدما تلقى العشرات منهم، خلال الأسابيع الماضية، كتباً رسمية من إدارات مؤسساتهم بالاستغناء عن خدماتهم، وأخرى لتخفيض رواتبهم.

واعتبر صحافي يعمل في أحد الصحف اليومية المغربية، طلب عدم الكشف عن هويته، أن "الصحافيين المغاربة يبقون الحلقة الأضعف في أزمة كورونا، بعد أن وجد عدد منهم نفسه مجبراً على الخضوع لقرار ملاكي المؤسسات التي يعملون فيها"، مضيفاً في تصريح لـ "العربي الجديد" أنه "انطلاقاً من تجربتي الشخصية، كان قرار الإدارة بالتخفيض من أجري قاسياً عليّ، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة والالتزامات التي تقع على عاتقي تجاه المصارف بتسديد الأقساط الشهرية".

كما بيّن تقرير "المجلس الوطني للصحافة" نفسه بأن الصحافة الرقمية لم تكن أكثر حظاً من نظيرتها الورقية، إذ أن حصتها في سوق الإعلانات التي وصلت إلى 11 في المائة، بمبلغ سنوي يقدر بـ 600 مليون درهم (60 مليون دولار أميركي)، تعتبر حصة مخادعة، ويرجع ذلك إلى أن ما يناهز 80 في المائة من هذه الاستثمارات الإعلانية تذهب إلى عمالقة الإنترنت، وتحديداً "فيسبوك" و"غوغل"، ولا يتبقى للصحافة الإلكترونية المغربية مجتمعة إلا 120 مليون درهم (12 مليون دولار أميركي)، شقها الأكبر تستفيد منه العناوين الكبيرة المعدودة على رؤوس الأصابع.

وعلى المنوال نفسه، تراجع نصيب الصحافة الورقية والإلكترونية من الإعلان التجاري ما بين 2010 و2018 بنسبة 50 في المائة، وتفاقم هذا التراجع في الخمسة أشهر الأولى من السنوات الثلاث الأخيرة بنسبة 72.4 في المائة. التقرير ارتكز على بحث تم في الفترة من 25 مايو/أيار إلى 4 يونيو/حزيران، من خلال عينة عشوائية تمثيلية تتشكل من 30 عنواناً، والاستماع إلى الفاعلين في المجال ومنهم "الفيدرالية المغربية لناشري الصحف" و"اتحاد المعلنين المغاربة" و"اتحاد وكالات الاستشارة في الاتصال" وشركة التوزيع "سابريس" ومطبعتا الصحف الأكبر في المغرب، بالإضافة إلى استقراء آخر الدراسات المتعلقة بالمقروئية والحالة الاقتصادية للمقاولات الصحافية وسوق الإعلانات.

ولتجاوز الآثار القاسية للأزمة التي فرضتها جائحة كورونا، وما ترتب عنها من تعميق لأزمتها الهيكلية، وضع "المجلس الوطني للصحافة" خريطة طريق تقوم على نحو 30 إجراء واقعياً وقابلاً للتطبيق، عبر خمسة محاور تهم دعم المقروئية وتطوير الدعم العمومي وتنظيم سوق الإعلان التجاري وإعادة النظر في التكوين وتأهيل الموارد البشرية وتقديم تحفيزات لخلق صناعة إعلامية تنافسيّة. وكانت الحكومة المغربية أعلنت، في 27 يونيو/حزيران الماضي، عن خطة لإنقاذ المؤسسات الصحافية التي تعاني أزمة حادة، بسبب تداعيات جائحة كورونا وتراجع مبيعاتها وعائداتها من الإعلانات، تصل قيمتها إلى عشرين مليون دولار أميركي. 

إعلام وحريات
التحديثات الحية

من جهة ثانية، كان لقرار وقف إصدار ونشر وتوزيع الصحف آثار سلبية على المقاولات الصحافية، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي. مدير تحرير موقع Le12.ma، محمد سليكي، أشار إلى أن المقاولات الإعلامية الناشئة، وعلى رأسها صحافيون مهنيون وتنتمي إلى صنف الإعلام المستقل وغير المدعوم، وجدت نفسها في التجربة المغربية أكثر تأثراً بتداعيات جائحة "كوفيد ــ 19"، من نظيرتها الأخرى رقمية كانت أو ورقية.

وقال سليكي لـ "العربي الجديد": "وجدنا أنفسنا أمام أوضاع متأزمة بفعل الجائحة أولاً، وعدم عدالة آليات الدعم الاستثنائي الذي رصدته الحكومة من المال العام لإنقاذ المقاولات الصحافية من الإفلاس من جهة ثانية". وأضاف "بينما كنّا ننتظر أن يوجه الدعم على أساس استثنائي كما أطلق عليه حتى تستفيد جميع المقاولات الصحافية خاصة الناشئة منها، وجدنا أن التوزيع خضع لمنطق أعتقد أنه أضحى متجاوزاً ولا يخدم عدالة الاستفادة من الدعم الرسمي".