Skip to main content
ما هو الركود الاقتصادي وكيف نعرف أنه بدأ فعلاً؟
العربي الجديد ــ واشنطن
رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي جيروم باول (Getty)

انكمش الاقتصاد الأميركي لربعين متتاليين، مما زاد المخاوف من أن الولايات المتحدة أصبحت على أعتاب ركود، إن لم تكن فعلا قد دخلت في، وذلك بعد عامين فقط على انتهاء الركود الناتج من وباء كورونا رسميا، فيما أعلن بنك إنكلترا المركزي أن بريطانيا قادمة على ركود طويل.

فكيف نعرف بالضبط متى يكون الاقتصاد في حالة ركود؟ في تقرير تفصيلي، حاولت "أسوشييتد برس" الإجابة عن هذه التساؤلات لتوضيح الفكرة.

من الذي يقرر متى بدأ الركود؟

إن فترة 6 أشهر من الانكماش تشكل تعريفا مستخدما منذ أمد طويل للركود. وقد تم الإعلان رسميا عن حالات الركود من طرف "المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية" NBER، وهو مجموعة من الاقتصاديين تُعرِّف الركود بأنه "انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي ينتشر في جميع أنحاء الاقتصاد ويستمر أكثر من بضعة أشهر".

وتنظر لجنة متخصصة داخل هذا المكتب في اتجاهات التوظيف كإجراء رئيسي في تحديد فترات الركود. كما تقيّم العديد من نقاط البيانات الأخرى، بما في ذلك مقاييس الدخل والعمالة والإنفاق المعدل حسب التضخم ومبيعات التجزئة وإنتاج المصانع. وهي تضع وزنا ثقيلا على الوظائف ومقياسا للدخل المعدل حسب التضخم الذي يستثني مدفوعات الدعم الحكومي مثل الضمان الاجتماعي.

ومع ذلك، لا يعلن المكتب عادة عن حدوث ركود إلا بعد فترة طويلة من بدئه عمليا، وأحيانا لمدة تصل إلى عام، فيما يعتبر الاقتصاديون أن ارتفاع معدل البطالة بمقدار نصف نقطة، بمتوسط ​​عدة أشهر، هو العلامة الأكثر موثوقية تاريخيا على الانكماش.

هل يعني ربعان متتاليان من الانكماش ركوداً؟

هذه قاعدة عامة شائعة، لكنها ليست تعريفا رسميا. ويلاحظ الخبير الاقتصادي في معهد "أميركان إنتربرايز" ذي الميول اليمينية، مايكل ستراين، أنه في كل من العشر مرات الماضية التي انكمش فيها الاقتصاد لربعين متتاليين، نتج عن ذلك ركود.

ولا يزال ستراين غير متأكد من أن الاقتصاد الأميركي في حالة ركود الآن، لأنه وكالعديد من الاقتصاديين، يلاحظ أن عوامل الدفع الأساسية للاقتصاد، أي الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار التجاري وشراء المنازل، نمت جميعها في الربع الأول.

وقال ستراين إن "القصة الأساسية هي أن الاقتصاد ينمو لكنه ما زال يتباطأ، وأن هذا التباطؤ تسارع بالفعل في الربع الثاني" من العام الجاري.

ألا يعتقد الكثير من الناس أن الركود قادم؟

نعم، لأن الكثير من الناس يشعرون الآن بأعباء مالية أكبر. فمع ارتفاع الأجور بعد التضخم بالنسبة لمعظم الناس، أدى ارتفاع أسعار الضروريات، مثل الغاز والطعام والإيجار، إلى تآكل القدرة الشرائية للأميركيين.

وهذا الأسبوع، ذكرت "وول مارت" أن ارتفاع تكاليف الغاز والغذاء أجبر المتسوقين على تقليل مشترياتهم من "الإنفاق التقديري"، مثل الملابس الجديدة، وهي علامة واضحة على ضعف إنفاق المستهلكين، وهو المحرك الرئيسي للاقتصاد. وخفضت "وول مارت"، أكبر متاجر التجزئة في الولايات المتحدة، توقعات أرباحها، وقالت إنها ستضطر إلى وضع خصم على المزيد من العناصر، مثل الأثاث والإلكترونيات.

وقد تسببت زيادات أسعار الفائدة من جانب "مجلس الاحتياطي الفيدرالي" (البنك المركزي) في مضاعفة متوسط ​​معدلات الرهن العقاري مقارنة بالعام الماضي، إلى 5.5%، مما تسبب في انخفاض حاد في مبيعات المنازل وقطاع البناء.

كما من المحتمل أيضا أن تؤثر المعدلات المرتفعة على رغبة الشركات في الاستثمار في المباني الجديدة والآلات والمعدات الأخرى. وإذا خفضت الشركات الإنفاق والاستثمار، فستبدأ أيضا في إبطاء التوظيف، فيما قد تؤدي زيادة الحذر بين الشركات بشأن الإنفاق بحرية إلى تسريح العمال في نهاية المطاف. وإذا فقد الاقتصاد وظائفه وزاد خوف الجمهور، فسيقلل المستهلكون إنفاقهم بشكل أكبر.

وقال الاقتصاديون في بنك "غولدمان ساكس" إن الزيادات السريعة لأسعار الفائدة أدت إلى زيادة احتمال حدوث ركود في العامين المقبلين إلى ما يقرب من 50%، بينما يتوقع الاقتصاديون في "بنك أوف أميركا" الآن ركودا "معتدلا" في وقت لاحق من هذا العام، ويتوقع "دويتشه بنك" حدوث ركود في أوائل العام المقبل.

ما هي بعض علامات الركود الوشيك؟

يقول الاقتصاديون إن أوضح إشارة على حدوث ركود تتمثل في الارتفاع المطرد لفقدان الوظائف وارتفاع معدل البطالة، علما أنه في الماضي، كانت الزيادة في معدل البطالة بمقدار ثلاثة أعشار نقطة مئوية، في المتوسط ​​خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تعني أن الركود سيتبع قريبا.

ويراقب العديد من الاقتصاديين عدد الأشخاص الذين يسعون إلى الحصول على إعانات البطالة كل أسبوع، مما يشير إلى ما إذا كانت حالات التسريح تزداد سوءا. وارتفعت الطلبات الأسبوعية لمساعدة العاطلين من العمل، والتي بلغ متوسطها خلال الأسابيع الأربعة الماضية، لمدة 8 أسابيع متتالية إلى نحو 250 ألفا، وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

هل من إشارات أخرى تدل على الركود ويجب مراقبتها؟

يراقب العديد من الاقتصاديين أيضا التغييرات في مدفوعات الفائدة، أو العوائد، على السندات المختلفة لإشارة ركود تُعرف باسم "منحنى العائد المعكوسة". ويحدث هذا عندما ينخفض ​​العائد على سندات الخزانة لمدة 10 سنوات إلى أقل من العائد على سندات الخزانة قصيرة الأجل، مثل سندات الخزانة لمدة 3 أشهر. وهذا غير عادي. فعادة، تدفع السندات طويلة الأجل للمستثمرين عائدا أكثر ثراء مقابل تقييد أموالهم لفترة أطول.

وتعني منحنيات العائد المعكوسة عموما أن المستثمرين يتوقعون ركودا سيجبر البنك المركزي على خفض أسعار الفائدة. وغالبا ما تسبق المنحنيات المعكوسة فترات الركود. ومع ذلك، قد يستغرق حدوث الانكماش من 18 إلى 24 شهرا بعد انعكاس منحنى العائد.

وخلال الأسبوعين الماضيين، تجاوز العائد على سندات الخزانة لأجل عامين عائد 10 سنوات، مما يشير إلى أن الأسواق تتوقع ركودا قريبا. لكن رغم ذلك، يقول العديد من المحللين إن مقارنة عائد 3 أشهر بعشر سنوات له سجل أفضل في التنبؤ بالركود. ولم يتم عكس هذه المعدلات الآن.

هل سيواصل البنك المركزي رفع الفوائد رغم تباطؤ الاقتصاد؟

أدت الإشارات الوامضة للاقتصاد، مثل تباطؤ النمو مع التوظيف القوي، إلى وضع البنك المركزي في موقف صعب. إذ يستهدف رئيسه جيروم باول إلى "هبوط ناعم"، بحيث يضعف الاقتصاد بما يكفي لإبطاء التوظيف ونمو الأجور من دون التسبب في ركود وإعادة التضخم إلى هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.

لكن باول أقر بأن تحقيق مثل هذه النتيجة أصبح أكثر صعوبة، لا سيما بعدما أدى الغزو الروسي لأوكرانيا وإغلاق الصين بسبب كورونا إلى ارتفاع أسعار الأغذية والطاقة والعديد من الأجزاء المصنعة في الولايات المتحدة، مشيرا أيضا إلى أنه إذا لزم الأمر، سيواصل "المركزي" رفع أسعار الفائدة حتى في ظل الاقتصاد الضعيف إذا كان هذا هو المطلوب لترويض التضخم.

وسأل باول الشهر الماضي: "هل هناك مخاطرة بأن نذهب بعيدا؟ بالتأكيد هناك مخاطرة، لكنني لا أوافق على أن هذا هو أكبر خطر على الاقتصاد. إن أكبر خطأ يمكن أن نرتكبه سيكون الفشل في استعادة استقرار الأسعار".