}

جائزة ثيربانتس للفنزويلي رفائيل كاديناس: "الشعر قدير وبلا قيمة"

أحمد عبد اللطيف أحمد عبد اللطيف 12 ديسمبر 2022
تغطيات جائزة ثيربانتس للفنزويلي رفائيل كاديناس: "الشعر قدير وبلا قيمة"
رفائيل كاديناس

أعلنت جائزة ثيربانتس، نوبل الأدب المكتوب بالإسبانية، الفائز بها لهذا العام، وأجمعت لجنة التحكيم على منحها للشاعر الفنزويلي رفائيل كاديناس عن مجمل أعماله الشعرية. ولقد استحق كاديناس من قبل جوائز كبرى من بينها "جائزة الملكة صوفيا"، و"جائزة معرض كتاب جوادالاخارا"، و"جائزة غارثيا لوركا العالمية". وفي عامه الثاني والتسعين يتلقى الجائزة الكبرى التي لم ينلها من قبل إلا كبار الكُتّاب والشعراء الذين أثّروا في الأدب بلغتهم وعوالمهم السردية والشعرية، وأضافوا إضافات كبيرة وملحوظة. وكاديناس من الأصوات الرئيسية في هذه الشعرية، صوت يفضّل الصمت حتى بات من أعلامه، فهو يكره التعليق على شعره، وحين يفعل يستخف به، كما يستخف بما حدث في حياته، الملأى بالمآسي.




ولد رفائيل كاديناس في باركيسيمتو عام 1930، وسريعًا ما انضم إلى الحزب الاشتراكي أثناء ديكتاتورية ماركوس بيريث خيمينيث، الذي أجبره على المنفى لمدة أربعة أعوام (1952 ـ 1956)، لكن كاديناس اعتاد على إصمات جانبه البطولي وتجاهله، والتركيز في الشعر كعمل نضالي. هكذا أصدر في بداياته "أناشيد بدائية" (1946)، ثم استغل المنفى ليكتب "جزيرة" (1958)، و"كراسات المنفى" (1960). وبعد ست سنوات، وسط عاصفة من الاكتئاب الجامح، نشر "مناورات مزيفة"، ويضم قصيدته الأشهر "هزيمة"، التي غدت أيقونة الشعر اللاتيني، ويحاول الشاعر أن يحط من قدرها كلما ذكروه بها. كتبها وهو في الثانية والثلاثين، أي منذ ستة عقود، ولم يعد الشخص نفسه. لقد كانت أصل شهرته الواسعة. يقول في مطلعها: "أنا من لم أتمتع بوظيفة قط/ وأمام أي منافس أشعر بالضعف".
هذه القصيدة التي تشبه بورتريهًا ذاتيًا يعلن فيها سذاجته وتواضعه، يشير إلى ذاته كرجل بلا شخصية (ولا رغبة في أن يمتلكها) خجولًا من أفعال لم يفعلها. ومع مرور الوقت يعترف أن البيت الوحيد الذي يعبّر عنه ما يشير فيه إلى أنه نادرًا ما يتكلم.


متواضع وصامت
"متواضع وصامت ومتمرد". لقد استخدم كاديناس هذه الكلمات ليصف نفسه في قصيدة أخرى. ميله إلى الصمت تُرجِم بالفعل في كتابة دقيقة. لجنة تحكيم جائزة ثيربانتس أبرزت هذا الجانب قائلة: "لقد عثر على السلطة المحوّلة للكلمة حين أخذ اللغة إلى حد الإمكانيات المبدعة". في عام 2007، جمع رفائيل كل أعماله في كتاب "الأعمال الكاملة"، وضم 700 صفحة، نُشر في إسبانيا بدار بري ـ تكستوس، وصندوق الثقافة الاقتصادية في أميركا اللاتينية. ثم ظهرت أعمال أخرى مثل "مظروف مفتوح" (2012)، و"حول باشو وقصائد أخرى" (2016).



الجزء المتمرد فيه دفعه للخروج عن تحفظه المعتاد، من دون أن يصبغ عمله بالسياسة، لينقد عدم الفصل بين السلطات في فنزويلا، من دون أن يشير إلى مطاردات الجماعات المؤيدة للحكومة له، ومن دون أن يقلل من أهمية الحدث. على كل، عادةً ما أظهر توجسه تجاه الدور الاجتماعي والسياسي للقصيدة. "الشعر قدير وبلا قيمة"، أكد في مقابلة له مع جريدة الباييس الإسبانية في 2014. "بلا قيمة لأن تأثيره في العالم شحيح. وقدير لعلاقته باللغة. أما السياسة فتفرغ الكلمات من المعنى: ديمقراطية، عدالة، حرية، فيما يلفت الشعر الانتباه لهذا الفراغ. تفقد الكلمات قيمتها حتى لا تتسق مع تعريفها. ما من شيء جديد، كونفوشيوس سماها "تعديل الأسماء" وهذه وظيفة الشاعر: أن يعدل الكلمات. لهذا المنظور، فاز كاديناس بجائزة ثيربانتس وقيمتها 125 ألف يورو، لأن قصيدته ملأى بتعديل اللغة. اللافت أنه منذ 2018 لا يفوز بهذه الجائزة المرموقة إلا شعراء: إيدا بيتالي، جوان مارجيت، فرنثيسكو برينس، كريستينا بيري. واليوم يفوز رفائيل كاديناس، أول فنزويلي في التاريخ.


قصيدتان

هزيمة

أنا من لم أتمتع بوظيفة قطّ
وأمام أي منافس أشعر بالضعف
أنا من خسرت أفضل الألقاب في الحياة
وما إن أبلغ مكانًا حتى أرغب في هجره
(بقناعة أن العزلة حلي الوحيد)
أنا المرفوض مسبقًا والمتهكم عليه من الأكفاء
المتكئ على الجدران حتى لا أسقط كليةً
أنا مرمى الضحك حتى من ذاتي
ومن ظننت أن أبي خالد
أنا المُهان من أساتذة الأدب
وحين سألت ذات يوم كيف أساعد
تلقيت ضحكات ساخرة
أنا من لن أستطيع يومًا تكوين بيت
ولا أن أكون لامعًا، ولا أنتصر في الحياة
أنا المهجور من أغلب الناس لأني لا أتكلم تقريبًا
ومن أشعر بالخزي لأفعال لم أرتكبها

***

أفتقد نضارة جديدة، وبعناد
أنتحر بيد قريبة
وأنهض من الأرض كبهلوان لأسخر من الآخرين
وأسخر من ذاتي حتى يوم الدين.


كراسات المنفى

لكن الزمن أفقرني.
ممتلكاتي الوحيدة حذاء انتزعته من الخوف.
من كثرة نومي مع الموت أشعر بأبديتي.
وبالليل أهذي في رُكَب الجمال.
كأسير لخواتم عنيدة،
ورغم مملكتي الخالية من حيوان غير مهزوم،
نأيت بنفسي عن الزوال الذي يطبع أفعال.
يا لروعة الجهل. السحرة السامون اخترقوا جسدي
بدون أن أرفع مرسومًا.
أنا فقط كنت أعرف خطأي.
كان التردد، كما هو مدوّن في سجلات التطور المزيفة.
لم أعرف أبدًا إن كنت مختارًا لنقل الوحي.
لم أثق أبدًا في جسدي.
لم أستطع أن أحدد إن كنت أملك حكاية.
كنت أجهل كل ما يخصني ويخص أسلافي.
لم أصدق أبدًا أن عينَي، أذنَي، فمي، أنفي، حركاتي، ذوقي،
حبي وكرهي، تنتمي لي للأبد.
أنا بالكاد أصدق أن هناك أرضًا ونورًا وماءً،
وأني أعيش وأني مجبر على حمل جسدي من مكان إلى آخر،
وأن أغذيه وأنظفه، وأعتني به
حتى يبدو جديرًا بحضور حفلة التكريم المدني.
خطأي لا يمكن تصحيحه.
أشعر بوحدة جمة.
أحتاج إلى امرأة بجانبي،
صامتة وصبورة بوسعها أن تغير ما يحيط بي
بصوتها.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.