}

"سيدتي أنا": مسرحية تعيد إحياء برنارد شو

أحمد عبد اللطيف أحمد عبد اللطيف 16 يونيو 2023
مسرح "سيدتي أنا": مسرحية تعيد إحياء برنارد شو
امتد عرض المسرحية لثلاث ساعات
بدأ النشاط المسرحي في القاهرة منطلقًا من عدد من مسارح الدولة، وهذا العام هو الأكثر نشاطًا على مستوى عدد المسرحيات، والأكثر رواجًا من ناحية الجمهور. على المسرح القومي، تُعرض مسرحية "سيدتي أنا"، وعلى المسرح الكوميدي "طيب وأمير"، وعلى مسرح البالون "يا شيخ سلامة"، وعلى مسرح السلام "عجيب وعجيبة" بقاعة المسرح الكبير، و"سيب نفسك" بقاعة يوسف إدريس، وبمسرح الطليعة مسرحية "باب عشق".
تتمتع القاهرة بهذه البنية التحتية التي تسمح لها بانتعاشة مسرحية كبيرة طوال أيام السنة، بنية تتكوّن من خشبات مسرح معدة جيدًا، وفرق مسرحية كاملة ونصوص عربية، أو مترجمة قابلة للتطويع، لكن هذه البنية كانت مهملة وغير مستغلة لفترات طويلة (لسنوات) بذريعة أن المسرح ليس له جمهور، وهو ما ثبت خطأه مع امتلاء قاعات المسرح بجمهور متلهف على أعمال جيدة ووجوه يعرفها، ما تحقق مع نزول نجوم السينما والتلفزيون إلى المسرح، ومع استغلال الإمكانيات الإخراجية الهائلة لمخرجين درس كثير منهم في الخارج، واستفاد من التجربة الأوروبية.

"سيدتي أنا"
تنطلق مسرحية "سيدتي أنا"، من بطولة داليا البحيري (إليزا دوليتيل)، ونضال الشافعي (دكتور هنري آدم)، ودراماتورجيا وإخراج محسن رزق، من نص أصلي كتبه الكاتب الشهير جورج برنارد شو بعنوان "بيجماليون"، أو my fair lady، وعرضه المسرح المصري باسم "سيدتي الجميلة"، من بطولة فؤاد المهندس، وشويكار، في خمسينيات القرن الماضي. تحكي المسرحية عن بائعة ورد فقيرة رماها حظها الحسن، أو السيئ، في طريق عالِم صوتيات لديه القدرة على تمييز طبقة الفرد الاجتماعية من طريقة نطقه للحروف، ولديه نظرية عن قدرته على تغيير الأفراد بحسب البيئة المتوافرة لديهم. إنه نوع من صناعة الشكل المناسب، وما قد يتبعه من تغير في الروح والفكر. هكذا سيكون مسعى دكتور آدم أن ينقل الفتاة الفقيرة إلى الطبقة الملكية، ويعمل على إعدادها لتقابل ملكة بريطانيا نفسها، ليثبت لنفسه صدق نظريته. أما إليزا، الفتاة، فلم تكن تحلم ذات يوم بأن يضحك لها الحظ بهذه الطريقة.
في العرض الجديد، الذي حافظ على اسم بريطانيا، وأسماء الأبطال في النص الإنكليزي، ثمة تعريب وتمصير كبير للأحداث والشخصيات، واللغة بالطبع، وهي لغة مصرية حديثة تقترب من لغة الشارع، من حيث حيويتها وتطويعها للأحداث الراهنة. لقد استعارت لغة الحارة الشعبية والأداء الشعبي، حتى أن العمل نفسه صار مصريًا تمامًا باستثناء فكرته الأساسية.




توسلت المسرحية الخشبة الحديثة التي تدمج العرض المسرحي في الشاشة السينمائية، لتمرر مزيدًا من الإيهام، فكانت خلفية المسرح شوارع إنكليزية متحركة استفادت من تقنية التكنولوجيا الجديدة. ولعب الديكور دور بطولة صامت بقدرته على التعبير عن الأحداث والمكان، حارة بشوارع لندن بشكل شرفاتها وباراتها، وتحوله إلى قصر ملكي في أحيان أخرى، أو بيت أرستقراطي في حالة ثالثة.ما تكامل مع الإكسسوارات والملابس وتصميم الرقصات والموسيقى، ليعطي أجواءً صالحة للنص الأصلي، في مزيج مفارق للغة المتحدثة والأداء المسرحي.
لعبت داليا البحيري دور إليزا بتفوق يتجاوز المتوقع، إذ عُرِفت الممثلة المصرية بأدوارها السينمائية والتلفزيونية، وهي هنا تثبت جدارة جديدة بوقوفها على خشبة المسرح، وتأديتها لدور كان في الأساس تراجيديًا استطاعت أن تخلق منه كوميديا بشكل لافت. شريكها في ذلك الممثل نضال الشافعي، الذي تمكّن كذلك من استخلاص شخصية كوميدية من شخصية عالِم جاد، وبرفقة مجموعة من الممثلين أدركوا من أول لحظة أنهم أمام مسرحية كوميدية، وإن كان المضمون فلسفيًا، وأبرزهم فريد النقراشي في دور دوليتيل، أبو إليزا، السُكَري (السكِّير) والعازف الموسيقي السابق، ومحمد الدسوقي في دور صديق دكتور آدم. هذه الجوقة من الممثلين والراقصين أدارهم بمهارة المخرج محسن رزق، الذي كتب النص المصري بثراء، وقرّبه من المشاهد.
امتد عرض المسرحية لثلاث ساعات، وهي مدة طويلة لمسرحية، لكنها استطاعت أن تبدو كنص متماسك وممتع، حوى بالإضافة للدرامي والكوميدي الجانب الموسيقي.

النص الأصلي
كتب شو النص الأصلي عام 1913، بعد أن ترسخ اسمه ككاتب مسرحي مع أعمال مثل "الرجل والرجل الخارق"، و"معضلة الدكتور"، و"قيصر وكليوباترا"، وظهر أولًا باسم "بيجماليون". كانت كتابة النص في زمن مشغول بالصوتيات، وكان لشو رأي بأن اللغتين الإسبانية والألمانية يمكن الإمساك بهما، أما اللغة الإنكليزية فصعبة، وهم أنفسهم لا يفهمونها. العمل نفسه فاز بجائزة أوسكار أفضل سيناريو عند تحويله إلى فيلم عام 1938. وفي عام 1964، تحول إلى فيلم استعراضي باسم "سيدتي الجميلة"، وفاز بعدد من جوائز الأوسكار، من بينها جائزة أفضل فيلم.
ترجع قصة المسرحية في الأساس إلى أسطورة يونانية، فيها عشق بيجماليون تمثالًا صنعه بيده، وبفضل قوى إلهية تحول التمثال إلى امرأة أكملت حياتها مع صانعها.
تحاول المسرحية المصرية مقاربة هذه الفكرة، ليس من خلال تمثال إلى فتاة جميلة، ولكن من فتاة ورد فقيرة إلى ملكة. غير أنها في زيها الجديد لا تشعر بالسعادة، لتفشل بذلك تجربة الدكتور آدم: لقد خلق شكلًا كاملًا، غير أن الروح لم يتمكن من تغييرها، ما يجعل العالِم يستسلم في النهاية أمام عدم التغيير. ليس بوسعنا، في نهاية الأمر، إلا قبول من نحبهم بعلاتهم، لأن أي تغيير لن يؤدي إلى شيء.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.