}

ذكرى ألبير كامو.. كل شيء عبث!

إيهاب محمود 8 يناير 2020
استعادات ذكرى ألبير كامو.. كل شيء عبث!
ألبير كامو (7 نوفمبر 1913- 4 يناير 1960)
ربما كانت الظروف التي وجد نفسه فيها الروائي والفيلسوف والكاتب الفرنسي ألبير كامو سبباً في انغماسه بالكامل في نظرة عبثية للإنسان وللعالم، حيث توفي أبوه بعد عام واحد على مولده خلال إحدى معارك الحرب العالمية الأولى، بينما بقيت له أمه الإسبانية التي كانت تعاني من إصابتها بالصمم.

هذه الظروف التي مات فيها والده لعبت دوراً في التأصيل لنظرية العبثية، حيث وضعت الحرب العالمية أوزارها، ووجد الناس أن العناية الإلهية لم تتدخل لتنقذهم، وتركتهم فريسة للدبابات والبنادق، دون تفريق بين طفل أو امرأة أو عجوز، ما دفع المفكرين والفلاسفة إلى البحث عن جدوى الوجود، ومن هنا بدأت عملية خلق قيم أساسية للأشياء مصدرها الوجود الإنساني: فالمهم هو حياة الإنسان الفرد وحقوقه وقيمة اللذة والتمتع بالحياة.


العبث عند كامو
اختط كامو لنفسه خط العبثية، التي بدأت كتيار أدبي في فرنسا ومن هناك انتقلت إلى مختلف الآداب العالمية،

وخاصة تلك الدول التي عانت من ويلات الحرب، حيث تولدت قناعة لدى الكثير من الأدباء بأن المسلك العقلي قد يدمر في لحظات قليلة ما بناه الإنسان في سنوات طويلة وخاصة حين تسيطر على الإنسان شهوة التدمير، وجسد الأدباء فلسفة العبثية في كتاباتهم من خلال الرموز وما قد تحمله من دلالات تعكس شطحات العقل الإنساني ورؤيته المشوشة والمضطربة في الكثير من الأحيان، تلك الرؤية التي تجمع بين القبح والجمال والأسطورة والواقع.


"الغريب"
"ماتت أمي اليوم.. وربما أمس لا أدري.. لقد تلقيت من الملجأ الذي تقيم فيه برقية هذا نصها: أمكم توفيت.. الدفن غداً.. أخلص تعازينا.. ولم أستطع أن أفهم شيئاً.. ربما ماتت بالأمس"- هذه هي السطور الأولى التي تطالعها بينما تقرأ رواية "الغريب" وهي العمل الأشهر لكامو، وواحدة من الروايات الأكثر ذيوعاً في الأدب الفرنسي والعالمي أيضاً، وهي سطور تبدو مثالية للتعريف بشخصية لا مبالية، تدين بالعبث حتى النخاع، وعوضاً عن أن تسيطر على حواره مشاعر الحزن على والدته كان ميرسو يتحدث عن الشوارع والحر الشديد داخل الحافلة في أثناء الساعة الثانية ظهراً. طوال الطريق إلى الملجأ كان يقول إنه لم يزر والدته منذ زمن بعيد لأن الطريق إلى الملجأ طويل وبالتالي سوف يفقد يوم الأحد وهو يوم إجازته الأسبوعية! ثم يواصل ميرسو سرد أفكاره التي تبدو غريبة تماماً وخارجة عن سياقها الإنساني غير أنها ملائمة تماماً للعبث الذي دان به، وكل ذلك في خلال الظرف الذي يمر به، إذ شعر بارتياح شديد بعد دفن أمه وعاد إلى عمله وكأنه لم يفقدها.


"إنني لا أؤمن بشيء"
"إنَّ عدم الوصول إلى الرضى الكامل في الفهم يسرع في عملية المخاض"- هكذا يرى كامو، حيثُ يعبر عن هذه العبثية في أسطورة سيزيف والغريب والطاعون، فهو يرى أن الحياة تتجه إلى المجهول بلا جدوى على ذات الوتيرة المضجرة، وعلى الجهة النقيضة يقف الموت كماردٍ أبدي، والزمن الفاصل بينهما هو الذي يدفع بالإنسان لبذل أقصى الجهود المهدورة بلا جدوى وكلّ ذلك يصرخ بالعبثية، قائلاً: "أصرخُ قائلاً: إنّني لا أؤمن بشيء وأنَّ كل شيء عبث".
بالتالي، وضع ألبير كامو في مفهوم العبثية كثيراً من المسؤوليات والتي تنبثق عنها الكثير من النتائج الهامة، فهو يحاول أن يوظِّف العبثية للوصول لحياة فاضلةٍ تحملُ معنى حقيقيّاً، وعند ذلك يجب على الإنسان أن يحياها بالقيم السامية التي لا غنى للإنسان عنها، فلم تكن عبثية الكون هي سبب نشوء مذهب كامو بل قصور هذا الكون عن المعايير العقلانية هو ما سبب ذلك النشوء، ومن الأفكار التي نصّت عليها فلسفة ألبير كامو.

لم تكن رواية "الغريب" هي الوحيدة التي جسدت عبثية كامو، وتجلت فيها فلسفته الخاصة، بل ثمة روايات أخرى لم تخل من الفكرة ذاتها، مثل "الطاعون"التي تعد من روايات العبث أيضاً، وتتناول قصة واقعية في الجزائر، حيث تصف طبيعة الجزائر وعادات وتقاليد ونضال الشعب الجزائري ضدّ الفرنسيين، وصراعه العنيف مع الجوع والتخلف والطاعون الذي كان ينال من آلاف الضحايا يوميّاً. هناك أيضاً رواية "أسطورة سيزيف" حيث يتناول كامو العلاقة بين الانتحار والعبث، وينظر في مشكلة فلسفية مهمة وهي المقياس الذي يحدد بدقة متى يمكن اعتبار الانتحار حلّاً ومخرجاً للعبثية، حيث يشعر الإنسان أنه غريب وهذا المنفى الذي يعيش فيه ليس له مخرج لأنه مجرد من ذكرى الوطن المفقود أو الأمل في الجنة الموعودة. و"الموت السعيد" وهي الرواية التي وصلت حين صدورها قائمة الكتب الناجحة في باريس، ويتناول فيها كامو موضوع البحث عن السعادة بكل الوسائل والإمكانيات ولو كلف ذلك ارتكاب جريمة مثلاً، وهي تجربة شاب يعيش في مصاعب كثيرة من فقر ومرض وحب وسفر وهو في حالة صراع نفسيّ أبدع ألبير كامو في تصويرها.


الوفاة
في حادث سيارة، وبينما لم يكمل سوى ست وأربعين سنة فقط في عالمه، رحل ألبير كامو في الرابع من كانون الثاني/يناير 1960 في فرنسا، تاركاً إرثاً فكرياً ومنجزاً إبداعياً لا يزال يوسع من رقعة تأثيره وانتشاره ح

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.