}

في رحيل أحمد شمس الدين الحجاجي: "ابن الأساطير"

إيهاب محمود 17 فبراير 2024
هنا/الآن في رحيل أحمد شمس الدين الحجاجي: "ابن الأساطير"
لم يتمكن الحجاجي من فهم المسرح دون دراسة الأساطير
قبل أن يكمل التسعين بعام واحد، توفي الناقد المسرحي والروائي المصري الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي، أحد أبرز علماء دراسات المسرح والمأثورات الشعبية، وأحد الداعمين الكبار للثقافة الجماهيرية، بحسب الهيئة العامة لقصور الثقافة في نعيها للحجاجي.
وعلى الرغم من أن الكتابة عن المسرح غلبت على الإنتاج الفكري والأدبي للحجاجي، غير أنه أصدر رواية في عام 1987 بعنوان "سيرة الشيخ نور الدين" تم اختيارها في ما بعد ضمن قائمة أفضل مئة رواية في القرن العشرين، وتم تحويلها لاحقًا إلى مسلسل تلفزيوني بعنوان "درب الطيب".

"سيرة الشيخ نور الدين"
الرواية تقدم نموذجًا للشخصية التي يمكنك أن تحاكيها وتقتدي بها، شخصية الشيخ نور الدين الفارس الشجاع الملتزم بمبادئه وأخلاقه، شخصية قريبة جدًا من الإنسان العادي، تشعر أنك تستطيع لمسها ورؤيتها، قريبة من القيم والأخلاق، وتتمثل فيها القيم الصوفية من دون شطحاتها.
هذه الرواية تحكي عن الأيام الأخيرة في حياة شيخ من الأقصر اكتسب المشيخة بالوراثة والدراسة، واكتسب معها التقاليد العربية الإسلامية للصعيد، فصار بطلًا جمع المجد والشرف والقوة والحكمة والعلم، مما مكنه من أن يظهر الجوانب المدهشة للحياة حين يحكمها الإسلام.
واكتسب الشيخ قوته من صدق ومتانة علاقته بالله، فقد كان يناجي الله سبحانه وتعالى في كل حال، فى الغضب والرضى، في الشدة والرخاء، في العسر، وفى أقصى حالات الاسترخاء والتعرض للغواية، وقد تمسك بأمرين نال بهما رضى الله والناس، العفة والزهد في المال، رغم أنه كان رجلا عاديًا يخالط الناس. واكتسب احترام الناس له بسبب قوته ومهارته في السباحة والتحطيب والفروسية والمرماح (المثاقفة أو المواجهة بالحراب الخشبية الطويلة فوق ظهر الحصان). وكان حتى أواخر أيامه يقفز فوق الحصان كشاب في العشرين، وينطلق به بما يحسنه غيره، وإذا أمسك أحدًا شده أو عصره بقوة غير متوقعة.




متأثرًا بالأدب الأفريقي، كتب الحجاجي روايته. يقول صاحب "سيرة الشيخ نور الدين" في أحد حواراته، إنه تعرف على الأدب الأفريقي من خلال تدريسه في جامعات أميركا: "قابلت العديد من الأفارقة هناك وتعرفت على مفهوم الفن لديهم ومفهوم الكتابة ومفهوم التراث الشعبي، وحين كتبت روايتي الوحيدة ’سيرة الشيخ نور الدين’ كانت على أساس أن تكون جزءًا من الأدب الأفريقي، حيث التراث الشعبي وتأثيره على الفن الكتابي، فنحن في إبداعنا العربي لم نبعد تراثنا الشعبي".

"أنا ابن الأساطير"
خلال رحلته مع المسرح، وجد الحجاجي أنه لن يستطيع فهم المسرح من دون دراسة الأساطير، سواء المسرح المصري، أو الغربي، وهو الأمر الذي دفعه إلى علم الأساطير، وحين درسها، اكتشف أنه لا يمكن فهم دراسة الأسطورة في المسرح إلا من خلال معرفة الشعب المصري وأدبه الشعبي.
كانت أسطورة إيزيس وأوزوريس المصرية هي أكثر ما يشغل الحجاجي في عالم الأساطير، "أسطورة عن الحكم والصراع عليه، وحورس الذي يصارع عمه انتقامًا لأبيه، علاقة هذا الابن بأمه، وحفاظها عليه وتربيته بعيدًا عن أعين أعدائها في الأدغال، من خلال هذه الأسطورة أنا مؤمن أن مصر وحدة واحدة، ولا يمكن أن تتقسم. أؤمن أن الدين هو الأسطورة، فالأسطورة بشكل عام هي عقيدة بين الناس، موجودة في كل مكان، فأنا ابن الأساطير، وجاءت كلمة الأساطير في القرآن الكريم 9 مرات، بمعنى دين السابقين".
ثمة فارق واضح بين المسرح والسيرة عند الحجاجي، الذي يرى أن المسرح لا ينمو ويتطور إلا في عصور الديمقراطية، بينما السيرة تنمو في عصور الديكتاتورية، كما أن قانون المسرح قائم على الصراع، والتكثيف، بينما قانون السيرة كبير جدًا عكس المسرح فهو شفاهي، لا بد أن يكون فيه البطل والبطل المضاد، والنبوءة الخاصة بالبطل، ثم حرب يقوم بها البطل من أجل إثبات ذاته، ثم قصة حب وزواج، ويقوم بحرب من أجل مجتمعه، وكي تتحول السيرة إلى مسرح يجب على الكاتب أن يأخذ لقطة واحدة مكثفة من السيرة يبني عليها نصه، "كما أن الرواية أقرب في قانونها إلى السيرة لا المسرح".

إنتاج غزيز
كتب شمس الدين الحجاجي عددًا من الكتب، منها: "الأسطورة في المسرح المصري المعاصر (1933 ـ 1970)"، "والعرب وفن المسرح"، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب (1975)، و"الوظيفة بين الأسطورة والمسرح" (1975)، و"في قواعد اللغة العربية" (1980)، و"الأسطورة في الأدب العربي" عن دار الهلال (1983)، و"سيرة الشيخ نور الدين" (رواية) عن  الهيئة المصرية العامة للكتاب (1987)، وعن المجلس الأعلى للثقافة (2002)، و"الخماسين" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب (1988)، و"صانع الأسطورة: الطيب صالح" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب (1990)، و"مولد البطل في السيرة الشعبية" عن دار الهلال (1991)، و"النقد المسرحي (1876- 1923) عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة (1993)، و"المسرحية الشعرية في الأدب العربي الحديث" (1995)، و"قدر البطل في السير الشعبية العربية" عن الهيئة العامة لقصور الثقافة (2000)، و"مدخل إلى المسرح العربي" عن المجلس الأعلى للثقافة (2013).
وُلد أحمد شمس الدين الحجاجي في الأقصر عام 1934م. تلقى تعليمه الأولي في مدارس بلدته حتى أتم دراسته الثانوية، ثم سافر إلى القاهرة والتحق بقسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب في جامعة القاهرة، ولم يكن اختياره للغة العربية غريبًا عنه، فقد اختارها قبله أبوه شمس الدين، وأخوه كمال الدين، وتخصصا فيها بكلية اللغة العربية في الأزهر الشريف، إلا أن أحمد آثر أن يلتحق بجامعة القاهرة، ومن خلال دراسته الجامعية (1955 ـ 1959) درس تحت إشراف أساتذة كبار، منهم سهير القلماوي، وشوقي ضيف، ومحمد كامل حسين، وشكري محمد عياد.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.