}

في رحيل بركسام رمضان: رائدة الدفاع عن "كتابة البنات"

إيهاب محمود 24 مارس 2024
أجندة في رحيل بركسام رمضان: رائدة الدفاع عن "كتابة البنات"
تميز أسلوب بركسام رمضان بسهولة وبساطة بحثية
مستشرفة لمستقبل الكتابة النسوية في مصر، ومؤمنة بحقوقهن في الكتابة والتعبير والحرية، خصصت الكاتبة المصرية بركسام رمضان قلمها وتجربتها في الكتابة الصحافية والأدبية، هذه التجربة التي مكنتها من ملامسة تجارب كتابية لمبدعات حققن لاحقًا إنجازات لافتة في مجال الكتابة، ليس مصريا فقط، بل وعربيًا أيضًا، غير أن هذه التجربة آن لها أن تتوقف برحيل صاحبتها، إذ توفيت بركسام رمضان، قبل عدة أيام، تاركة وراءها إرثًا ضخمًا.
في كتابها "موسم كتابة البنات"، تنبأت رمضان منذ ما يقرب من 17 عامًا بصعود مجموعة من الفتيات اللاتي استطعن أن يلفتن بأعمالهن الأدبية أنظار النقاد والأدباء، "وقد قمت بعمل سلسلة صحافية وقتها بعنوان «موسم كتابة البنات»، وساعدني على اختيار هذا العنوان الأديب جمال الغيطاني، الذي كان يشرف على جريدة "أخبار الأدب" وقتها، بعد أن تباحثنا حول أكثر من اسم، حيث كان متخوفًا من كلمة موسم، والتي تحمل معنى استثنائيًا لتلك الظاهرة التي تميزت بزيادة أعداد الأقلام النسائية".
كان لبركسام رأي في الكتابة النسائية، إذ لم تكن مع مسمى الكتابة النسائية، عادةً أن "الكتابة لا يجب أن نقرنها بالجنس، وإنما يتم تحديدها وفقًا لحالتها الإبداعية، سواء أكانت كتابة جيدة، أو سيئة".
انشغلت رمضان بالكتابة للمرأة وعنها، وبخصوص كتابها عن كتابة البنات، تقول إن فكرته تعود إلى عام 1994، عندما لاحظت أن ثمة كتابات إبداعية كثيرة تصلها من كاتبات صغيرات "وقد وجدت فيها نوعًا مختلفًا من الكتابة، كتابة لها مذاق خاص، تتضمن جرأة محببة وعوالم جديدة لم أقرأها سابقًا، إنهن مجموعة من المبدعات في مجال القصة والشعر قدّمت كلّ منهن نموذجًا لجيل التسعينيات من خلال ذاتها ومحيطها المكاني والطبيعي والوجداني".




بحسب الناقد يسري العزب، تميز أسلوب بركسام رمضان بسهولة وبساطة بحثية، وجزء من النقد الأدبي الموجود لدى الكاتبة، وهذا يحميها من صخب كثير حول كتابة المرأة والأدب النسائي عمومًا، لافتًا إلى أن تخصيصها لهذا الملف تحديدًا أكسبها خبرات عميقة لتفرز الكتابة الحقيقية من الأخرى التي تحمل ادعاءات وعبارات فضفاضة لا تزيد عن كونها شعارات رنانة ليس أكثر، الأمر الذي جعلها خبيرة بالكتابة النسائية، التي على الرغم من رفضها لها كمصطلح جندري، غير أنها فرضت نفسها كواحدة من أبرز المدافعات عن هذا النوع من الكتابة.
بفضل جهود كتابية حققتها بركسام، اتسعت الدائرة ولم تقتصر على جيل التسعينيات، بل دخلت كاتبات جديدات إلى الواجهة. واتسمت كتابتهن بالجرأة في تعرية الذات والبوح، وفضح المسكوت عنه بحديثهن عن الجسد ورغباته وإخفاقاته باستفاضة داخل النصوص، وهو ما أعاد هذه الكتابات إلى دائرة الاهتمام مرة ثانية، من دون تقليل منها كما حصل من قبل، بل بمناقشة قُدرة تحقيق هذا داخل النص. وعلى رغم القضايا والإشكاليات التي أثارتها كتابة المرأة، "ظلت في نظر كثيرين تفتقد إلى المعيارية البنائية، بل راهن بعضهم على عدم استمرارها، باعتبارها ظاهرة لا تلبث أن تختفي كظواهر عدة طرأت على ساحة الإبداع".
نتيجة لهذا الدأب، والتنقيب عن الكتابة النسائية ومنطلقاتها وأهدافها، وضعت هذه الكتابات كمحاور لمؤتمرات على نحو ما فعل ملتقى القاهرة الرابع للإبداع الروائي العربي عام 2008 الذي عقده المجلس الأعلى للثقافة، ليخصص في دورته طاولة مستديرة لمناقشة محور بعنوان "شهرزاد الجديدة: صياغات الراوية في روايات الكاتبة العربية الحديثة". وبحسب دراسة للناقد الأدبي الدكتور خيري دومة، "لم يعد يكاد يخلو مؤتمر من المؤتمرات من طاولات مستديرة بغرض تقديم الكاتبات شهادتهن في هذا الإطار، وإنما يعود أيضًا إلى ميراث قديم استعادته الكاتبات يمتد إلى شهرزاد الليالي، ويصل إلى عصر النتاجات الأولى التي كانت لأسماء ريادات نسائية شكلت كتابتهن ملمحًا بارزًا في تاريخ الكِتابة بصفة عامة، أمثال وردة اليازجي، زينب فوّاز، عفيفة كرم، لبيبة هاشم، أليس بطرس البستاني، لبيبة صوايا، سلمى صائغ، وداد قرطاس، عنبرة سلام الخالدي، وغيرهنّ مِمَّن أسهمن في تدعيم مسيرة الرِّواية منذ نشأتها".
رحلت بركسام رمضان بعد أن قدمت منجزًا كتابيًا أثر في الكتابة المعاصرة لها واللاحقة عليها، وفتح مجالًا واسعًا للحديث عن نوع كتابي ينتصر لحق المرأة في الدفاع عن نفسها وآرائها بالكتابة، كسلاح ووسيلة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.