}

الضّعف البشري.. تَأمُلات المتفرد في وحدتِه وعُزلتِه

تيسير النجار تيسير النجار 2 مايو 2020
آراء الضّعف البشري.. تَأمُلات المتفرد في وحدتِه وعُزلتِه
الحضور يتسِّع لصمت يحملُ ملمسَ الشَّجرة البعيدة (Getty)

 

  1. المواطن التي يتحرك فيها الضُّعف البشري أكثر من أن يُحصيها مقال واحد أو حتَّى قامُوس وذلك لكثرة شِباك الصَّيد، ولكن يُمكن لكلمةٍ أن تُحصيها: "السّجن".
  2.  هناك مساحات مفقودة في الفلسفة يُحاول الأدب أن يقولها أو يُعبِّر عنها باستمرار، ومن أبرز تلك المساحات، المُفردات الجِذْرية المُتعلقة بالضُّعف البشري ومن أبرزِ تلك الكلمات التي تطوفُ في قُلوبِ البشر؛ الشَّفاء من الآخر وعلى الأخص أنَّ ثورة التكنُولوجيا أظهرت لنا مرضًا جديدًا اسمه الحاجة للآخر ومُتابعتِه عبر السُوشيال ميديا.
  3. رغم ما في الأمة من ضُعف وهزائم لا نجِد مُؤلفا واحدا عن الضُّعف البشري، فقط نظريات لا تخرج عن عبادة الذَّات.
  4. قصص مسترسلة لونُها حَالِك كالغُراب، قصص لا يملكُها سِوى حفظة الألم. أتكلم عنهم بجلالٍ وصَمت، قصصهم كاملة مختُومة بندَى اللّيل المُرّ.
  5. أحمل أثقالِي على الرغم من أنَّه لا يُوجد في الإنسان ما يُحب إلاّ أن مَحبة الله للإنسان، لا كلمات يُمكن أن تُعبّر عنها سوى الحاجة للصَّلاة.
  6. أفهم ألمَك كرجُل من خشب وأصنع ما شِئت.
  7. اطرح الألم عن الشّجرة التي تنامُ قربِك، هنا تكمن قوتك.

 8.  

تكوين داخلي: الصّمت يحضر في كل شيء؛ صمت جبار، قوّي، متين يتغلغلُ إلى أعماق القلب، فيصبحُ جزءًا منه، صمتٌ ألمسه، أتحسسُّه، أتنفسُّه.. أنام وأصحُو مصوِبا بأنفاسي؛ صمت ثقيل كـسلاسل.

  • في جسدي لا توجدُ لغة منطُوقة، اللّغة تحوّلت إلى صمت أيضًا، لا تُوجد في فمِي كلماتٍ أو حروف، لا أقول شيئًا، أتبادلُ الكلمات ظاهرا وباطنا وأنامُ كشجرةٍ بعيدة... الصَّحراء التي أتحدثُ عنها هُنا ليست دلالة على الحيِّز المكانِي بل أيضًا دلالةٌ واضِحة على صحراء الأرواح.
  • رغم ما أنا فِيه، هناك فيضٌ بقلبي أحسُّ بينابيع الكلِمات تُزهر بالمحبَّة.
  •  غائبٌ في صمتي، اللّغة التي تحوَّلت إلى صمت لها تأثير النَّجاة والنشوة.
  • أفعل كل ما بوسعي من أجل النَّجاة بجسدي المعزُول قسريا عن كلِّ ما في هذا الوجود، الآن جسدي المعزُول، كأنّه نسيجٌ من صمتِ ألمٍ طويل، لا حُضور للأجساد، لا حُضور للمكان، لا حُضور لكلماتٍ أو نظراتٍ أتبادلُها مع الكائنات بأجناسها.
  • الحضور يتسِّع لصمت يحملُ ملمسَ الشَّجرة البعيدة؛ النّشوة البدائية، أو عيوني الضَّخمة.. تحلمُ أنَّها نجت.
  •  أعودُ للتفكير بعدد الكلماتِ التي سأستخدِمها لهذا اليوم، هناك خيارات كثيرة ولكن أتساءل أليسَ كلمة واحدة تكفِي؟.. عليّ أن أخبئ الكلمات للأيامِ القادِمة فأنا لا أعرفُ ماذا سيحصل؟
  • رغم كل هذا النَّسيج الدَّاخلي للصَّمت أحسُّ باللغة الداخلية غير المنطُوقة، إنّها تُؤلمني بأنِينها ونحيبِها المُتواصل، أي بيتٍ للغة هذا لا تسكنه سوى الدُّموع والبُكاء.. دفاعا عني أكتب، دفاعا عن وجيب قلبي... صمتٌ يغمرنِي وبُكاء، وأنام.
  • الجُدران التي حولي ليست بمَعزل عن نظرية التقمُص، أحسُّ بثقلِها تتكومُ فَوْقي قِطعة قِطعة، جُدران هِي مجمُوعة ضَخمة من الصُّور التِذكارية للألم الذي سأتركه لهم... لا شيء آخر أفكّرُ به الآن... لا مجال لمعرفة كم هي الساعة(؟).. ما هو اليوم(؟)، لا مجال لِمعرفة متى يحلُّ اللَّيل(؟)، لا مجال سوى للتّواصُل مع الصَّمت، يحضُر مُؤلما، ويغيبُ مُؤلما..
  • وما القلب سوى هذا البريةُ الشَّاسعة لِفعل الصَّمت والصُّراخ.

      9.

دماغ يتعرض للأذى: لا تبحث عن قِيمة للحياة في الوُجوه أو ما يشبهُها، لا تبحث عن حقيقة كونك موجُودًا فقط، أليست لهذا الأمر قيمة طيبة؟.. افرح بوجُودك فما هذا الوجُود الذي تتحدثُ عنهُ سوى وجُود يشبهُ وجُود البَحر أو السَّماء أو الشَّجرة، أو الطَّير.. كلُّ هذِه المُفردات تنامُ في عُزلتها السَّرمدية وها أنتَ أيضًا تصحُو على فَهم هذِه العُزلة.
المكانُ أضيق من كلمة تحفظُها وتردِّدُها؛ المكانُ ضيِّق ككأسٍ وكَمرض، المكان مُصاب بِلوثة، لَعنة.. تعيشُ فيه كحيوان ذليل رُغم كل تِلك الحُرية التي تتكسَّرُ كلوحِ زُجاج في داخِلك.
ماذا تفعل بكل هذا الوقت؟..  اليوم هو: الأحد والاثنين والثلاثاء معًا..  اليومُ ما هو؟.. لا أعرف منه سِوى كل هذه الإضاءة الشَّديدة التي تتلفُ عينيّ، لا أرى شيئا..! عينيّ في عُزلة ضخمة كدينَاصُور، أفكِر بِك يا جسدِي، قِطعة... قِطعة... أفكّر، أصابعي لا تلمسُ سِوى نفسها، ما أجملها أصابعي!.. أصبح لونها يظهرُ عليها العُروق عرقا عرقا.. أصبحَ لونُها أخضر.. أين الشمس؟.. أين شمسكَ يا الله؟!، خبزك الحقيقي؟..
أذقني يا الله بعضا من شمسك، لا شَمس في المكان..!، لا مَكان في المَكان سِوى الألم؛ ألمي.
ما الذي أفعله هنا؟.. أتعرض للأذى .. أفعل لا شيء . أفعل أننِي أفكِّر بكِتابة هذه الكلمات التي تُؤذي، لا أملك شيئًا سوى كلمات أعيشُ معها، أفكِّر بها، أصبحتْ جزءًا من ألمي. وليتنِي حتى أستطيع كتابتها ـ فقط ـ، أسطرها سطرًا في دماغي فقط،.. أفتحُ ورقة بيضَاء كهذه، أبدأ بعملية التَّسطير سَطرًا... سَطرًا، كل صفحة فيها 24 سَطرا. وكل سطرٍ فيه كلمات ضخمة ومسؤولة عن نجاتي. كل يوم له كلمة واحدة فقط، فالكلمات رغم كثرتها وتشابك أعضائها وشروق شمسها بدائية كحياتي هنا. أصبحتُ بدائيا بكلِّ ما تحملُ هذه الكلِمة من سَرد، بدائيا إذ أجلسُ في داخل رأسِي وأنظفه من أفكار تشبه السُّلم الطويل جدا، ومن كلمات ضخمة، ضخمة جدا مثل حيتان مُتناهية الأحجام.
جائعٌ وكل ما أحتاجه، غرائزيّ، حاجتي للطعام، حاجتي للشَّمس، جزء من مسلسل طويل جدا من الحاجات لكلمة واحدة فقط هي الحُرية.
لا شيء يتغير، يدي هي يدي، ووجهي منسيٌّ، أبذلُ جهدًا هائِلا في تذَّكُره..  كلّ ما حولي وما أنا فيه لا يدعُوني سِوى لأمر واحد: الكراهية، هذه الكلِمة الكلاسيكية تغمُرني بنشوتِها، دربُ الآلام الذي أعيشه هنا يوميا هو أوحش من كل تِلك الصَّحراء، أذهبُ لأوقات أخرى أعيش فيها ولكن الألم يدفَعُني إلى قتل نفسِي هذا كل ما يؤثِثُ وقتي.
لا استخدِم الحياة، لا أستخدمُ شيئا، فقط أنتظرُ.. وأنتظر، وأسطِّر الأوراق الذِّهنية وألقى بها في سَلّة مُهملات افتراضية بحَجم بَلد. وأعُود للتَسطير وفُيوض الكلِمات تُشرق بِمعاني نَبيلة كمسحُوق مُخدِّر.. هذا كل ما أفعلُه لأنام، لا أريدُ أن أصِف نَومي، لا أريدُ الوصْف كلّه. ما أريدُه أن أعصِر ألمِي البِكر داخِل الكلِمات.. أحافِظُ على سَلامة عقلي مِن أذَى ما أنا فِيه، وأحلُم بضَوء شمعة في البَعيد، وأقضى ليلتي سهرانًا أشاهدُها بفرحٍ غامرٍ وغامضٍ، ضوءُ الشَّمعة ما أجملَه..! وكم يشبهُـني أيضًا.
رُغم صُداعِ طَنين الذَّاكرة وعَجزِها وألمِها كَم أتمنَى التَّوسع بالهَواء، فهو من مُمتلكاتِ الله، فمِن شِدَّة الألم، الألم نفسه أصبحَ في وحدتِه وعُزلتِه حزينًا(!).

10. 

كم أحبّ الضحية الذي يرغب بقتل جلاده.
أنا الضحية

(2017)

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.