}

زهراء عبد الله: الجوع والظلم وقود الثورة السورية

تيسير النجار تيسير النجار 28 نوفمبر 2020
حوارات زهراء عبد الله: الجوع والظلم وقود الثورة السورية
"الاستبداد فكرة تتحول سلوكًا يقوم به الأفراد ويدعمه المجتمع"

زهراء عبد الله كاتبة سورية/ لبنانية تدوّن مشروعها الروائي بصبر وتأن، تنتصر فيه للعدالة، للمظلومين، للثورة التي ولدت من رحم القهر البشري. كاتبة تعيش في المنفى بعد أن لاذت من أتون الحرب إلى فضاء الحرية لحماية إبداعها فكانت بوصلتها إلى فرنسا، هناك تكتب، وهناك تتنفس نسمات الحرية.
حديثاً جدا صدرت لها عن دار الآداب رواية "من التّراب إلى الماء"، حيث تخوض بطلة الرواية "سما"، الفتاة السوريّة، تجربةَ الانتقال القاسي بين عدَّة أنواع من التراب: بدءًا من تراب الحرب المشتعلة في قريتها، مرورًا بتراب اللجوء في مخيَّم للنازحين السوريين في لبنان، وصولًا إلى تراب زواجيْن متتاليَيْن وهي في عمر المراهقة.
في خضمّ هذه التقلُّبات وعلى الرَّغم من كلِّ القيود، تَخيطُ سَما حلمَها في أرضٍ جديدة. عبر خطوةٍ واحدة، من التراب إلى الماء، تأمل "سما" مع حبيبها "باسل" أن تتغيَّر أقدارهما. فهل سيكون الماء خلاصًا من التراب؟
بمناسبة صدور روايتها الثانية «من التراب إلى الماء»، قالت زهراء عبد الله إن "الاستبداد فكرة، تتحول إلى سلوك يقوم به الأفراد ويدعمه المجتمع متمثلا بقوائمه العامة: العادات، الدين، الدولة. نحن محاطون بالاستبداد، بأوجهه المتعددة المكشوفة منها، والأخرى المستورة وهي الأخطر".
هنا حوار معها:

(*) في روايتكِ الأولى "على مائدة داعش" (2017) على ماذا اعتمدت في بناء شخصية البطلة "يوفا"؟
ـ "يوفا" في بداية الرواية لم تكن تقوى على اتخاذ قرار بين حياة وحياة أخرى، حياة راضخة مع أهلها، أو هروبها لحياة جديدة مع حبيبها الذي تمنعها عادات المجتمع الإيزيدي من الزواج به، لتصل "يوفا" إلى نهاية الرواية وقد أصبح بإمكانها اتخاذ قرار بين موت وموت آخر، موت محتَّم عليها إذا بقيت بالمدينة التي يُسيطر عليها التنظيم الإرهابي، وموت آخر ينتظرها إن راحت لمصيرها بحقل الالغام. هذا التحول العميق في شخصية "يوفا" هو الهدف الذي عملتُ عليه وبنيتُ له أساسات متينة على امتداد الأحداث الروائية.


(*) كيف تم بناء العالم الخفي المظلم للتنظيم الإرهابي، وكيف قمت برسم معالم المكان والزمان في السرد الروائي. هل اكتفيت بالواقع فقط؟
ـ بدأت أولا بأبحاث مكثفة، ثم انتقلت إلى ما هو أدق من المعلومات المتداولة والمُسربة عن عوالم التنظيم السرية، فكانت شهادات النساء الإيزيديات المحررات هي من ساهمت معي برسم المكان الممتد بين الموصل والرقة، واكتشاف السلوكيات التي يتبعها أفراد التنظيم، والهيكلية المعتمدة لديهم ثم كان الزمان الذي انطلق من يوم الهجوم الإرهابي على القرى الإيزيدية في جبل سنجار. وبما أن "الفن لا شيء سوى الكمال في تقليد الواقع" كما يصفه رولان بارت، كان للخيال المساحة الأكبر في إتمام خلق تفاصيل هذا العالم الموحش على الورق.

نحن محاطون بالاستبداد، بأوجهه المتعددة المكشوفة
منها، والأخرى المستورة وهي الأخطر.


(*)
هل يمكن اعتبار روايتك نصرة للمجتمع الإيزيدي؟
ـ استهللت الرواية بهذه الكلمات: "إلى النساء المختطفات لدى داعش، لأني عاجزة عن فعل أي شيء لكن كتبت هذه الرواية." أردت أن تصل معاناة النساء والرجال والأطفال الإيزيدين إلى كل العالم، وأتمنى أن أكون فعلا نجحت بلفت أنظار، لو قليلة، إلى ما حدث مع هذا الشعب..
هي نصرة بكل تأكيد، لكنها ليست كافية.. النصرة التامة لا تكون الآن، إنها تتنامى في الكتب التي أرّخت وحفظت ما حدث، لتكون شاهدا للأجيال القادمة، حينها يمكننا أن نقول إن هذا الكتاب نصر حق المظلوم من تآكل الزمن والتزييف التاريخي.

(*) في روايتك الصادرة هذا العام "من التراب إلى الماء"، كيف يتحول عبرها الجلاد لضحية، وما هي أوجه الاستبداد التي تحاولين تعريتها؟
ـ قد يكون جلاد اليوم ضحية جلاد آخر فيما سبق.. تعاني الشخصية الأساسية في الرواية "سما"، وهي طفلة بعمر السابعة عشرة، جميع أنواع التراب، بدءا من تراب الحرب السورية وتراب النزوح وتراب الزواج، إلى أن تقرر إزالة كل هذه الأتربة العالقة عليها بخطوة واحدة إلى الماء... ولتصل إلى خلاصها، وتحقق حلمها، تتحول من ضحية إلى جلاد.. إنه صراع البقاء الذي يحرك بداخل الإنسان، مهما كان ضعيفا، قوة مخيفة تدفعه إلى اقتراف الخطايا ولو نتج عنها ضحايا.
الاستبداد فكرة، تتحول إلى سلوك يقوم به الأفراد ويدعمه المجتمع متمثلا بقوائمه العامة: العادات، الدين، الدولة. نحن محاطون بالاستبداد، بأوجهه المتعددة المكشوفة منها، والأخرى المستورة وهي الأخطر.



(*)
تطرح روايتك قضايا هامة: زواج القاصرات في المخيمات السورية نتيجة الحرب، والهجرة غير الشرعية نحو أوروبا. هل يمكن للسرد الروائي أن يكون مصلحا؟
ــ يناقش السرد الروائي مواضيع هامة وشائكة يعاني منها الأفراد والجماعات، ويحاول إيجاد حلول للمشاكل المطروحة من خلال الأفكار التي يتضمنها النص.
يساهم في عميلة التغيير الاجتماعي التي تحدث على مراحل وتأخذ وقتا غير محدد. بالتالي فإن السرد الروائي هو مصلح ومنقذ أيضا، وغير منفصل عن بوتقة الفن، إيمانا مني بأن الفن ليس رسالة فقط بل هو واجب، من أهدافه المساهمة في يقظة المجتمع ببناء فكر جماعي واع.



تحدثت عن الحرب السورية في روايتي "من التراب إلى الماء"، تجرّدت من كل ما قيل، حاولت نقل الحقيقة كما تبينت لي، استشهدت بكل ما سمعته من الذين عايشوا
الحرب. وكتبت بحرية لأنني أتمسك بحريتي في الكتابة دائما



(*)
 ما أخطر ما لم يكتب في مأساة الحرب السورية؟
ـ الخطر يكمن في ما كُتب وليس فيما لم يُكتب.  إننا في عصر تعددت فيه مصادر المعلومات ولا شيء يقف أمام اجتياح إنتشارها. لكن الخطر يكمن في تشويه المعلومة، تشويه الحقيقة. ولى زمن مقولة أن التاريخ يكتبه المنتصرون، الجميع اليوم يشارك بكتابة التاريخ.


(*) أيهما الأهم الكتابة عن الحرب أم الكتابة عن مخلفات الحرب؟
ـ من المهم الكتابة عن الحرب لكنها ستبقى كتابة ناقصة. أن تكتب بزمن الحرب يعني أنك تحاول لملمة معطفك وقبعتك وأوراقك في مهب عاصفة هوجاء، فكيف يمكن قراءة ورؤية ما يجري والحرب في قمة اشتعالها؟ أما حين تنتهي الحرب يبقى الأهم أن يُكتب عن مخلفات الحرب، عن تلك الثقوب الكبيرة التي خلخلت النفوس والقلوب والبيوت. معالجة آثار الحرب على الإنسان والمجتمع هو الذي يساعد بإيجاد أرضية متينة لإعادة بناء المواطن والوطن.

(*) هل فعلا يمكن اعتبار الأدب وقود الثورة؟
ـ الجوع والظلم وقود الثورة، ياتي الأدب ليلقم النار المشتعلة، فيصفها بدقة، يشرّحها، ينظمها فكريا. ليصبح فيما بعد وقودا أساسيا نعود إليه لنحفظ الثورة من التلفيق والتزوير، وصولا للطمس.  تنجو الثورة بالقائد وبالكلمة.


 
(*) هل تجدين حريتك في الكتابة عن سورية؟
ـ حين يكتب الإنسان عن وطنه الذي تفترسه الحرب، يتوخى الحذر حتى لا ينساق وراء الأكاذيب المنتشرة، فيضر بكلمته ولا ينفع.
تحدثت عن الحرب السورية في روايتي "من التراب إلى الماء"، تجرّدت من كل ما قيل، حاولت نقل الحقيقة كما تبينت لي، استشهدت بكل ما سمعته من الذين عايشوا الحرب. وكتبت بحرية لأنني أتمسك بحريتي في الكتابة دائما.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.