}

الفنّ والالتزام

شكري المبخوت شكري المبخوت 7 ديسمبر 2017
آراء الفنّ والالتزام
تايلور سويفت

 

يليق عنوان هذا المقال بصحيفة عربيّة من ستيّنات القرن العشرين مثلا. وقتها، كانت السرديّات الوطنيّة تحتاج إلى الفنّ لعطف قلوب الناس على القائد الفذّ وبناء الأوطان المنتشية باستقلالها. ويومها، كانت الإيديولوجيّات القوميّة والاجتماعيّة ترى الفنّ سلاحا لتطوير وعي الجماهير وترى الفنّان مكافحا طبقيّا أو وطنيّا في طليعة الجماهير يقودها إلى سواء السبيل ويفتح أمامها طريق الحياة الجادّة لمقاومة الظلم والحيف.

ويبدو أنّ الاطمئنان إلى بعض التصوّرات عن استقلاليّة الفنّ وطاقته الذاتيّة على النفي من جهة وحاجة الفنّان إلى قول ذاته دون تقييد خارجيّ قد قبر سؤال العلاقة بين العمل الفنّيّ والتزام صاحبه بقضايا المدينة (هل عرفنا المدينة؟) المباشرة الظرفيّة أو هكذا شبّة لنا. فاستقرّ في الأذهان أنّ الفنان ملتزم بما تستوجبه قوانين الفنّ وقواعد الأجناس لا غير.

وعاد السؤال حارقا بمناسبة بعض المقالات التي كتبت عن إصدار إحدى ملكات موسيقى "البوب" اليوم، الأمريكيّة تايلر سويفت (Taylor Swift)، لألبوم جديد في العاشر من نوفمبر المنقضي بعنوان "شهرة"  (Reputation).

فقد احتفى لفيف من نقّاد الفنّ (في "ذي اندبندنت" البريطانيّة مثلا) بهذا الألبوم على اعتبار أنّه أفضل ما انتجت سويفت إلى حدّ الآن. غير أنّ هذا الاحتفاء لم يمنع بعض المنتقدين من أن يرى فيه مجرّد حديث ممجوج عن معاني الحبّ والخيانة والوجوه الكريهة من الشهرة بعد صمت دام سنوات ثلاثا. فالفنّانة لم تغادر البحث عن الذات وما يعتمل في دواخلها.

"فهل يمكن أن يواصل الفنّ تجاهله لمخاوف الراهن السياسيّ الأمريكيّ سنة 2017 ودونالد ترامب على رأس السلطة في أمريكا؟" هكذا يتساءل منتقدو سويفت.

إنّ الوضع عندهم معقّد غير مطمئن. فالتهديد النوويّ قائم. وبعض المتنفّذين متّهمون بالتحرّش الجنسيّ. والأعمال العنصريّة تتفشّى هنا وهناك. لذلك كانت الإدانة الأكبر لسويفت تتّصل بصمتها مقارنة بمشاهير الغناء في أمريكا من بيونسي ومغنّي الراب كندريك لامر اللذين ندّدا في ألبومين بالاعتداءات العنصريّة إلى جاي زاد وكايث أوربن التي كتبت مؤخّرا أغنية للتنديد بما اقترفه المنتج السينمائيّ هارفي واينشتاين من انتهاكات جنسيّة.

والمفارقة، أنّ هذه المغنيّة الأشدّ تأثيرا ظلّت، في مواقفها وموسيقاها، راغبة عن اتّخاذ موقف سياسيّ كأنّ العالم حولها لا وجود له إلاّ لتغذية نرجسيّتها ومقاومة ما سبّبته لها شهرتها من أذى شخصيّ حتّى أنّ موقع فلتور (Vulture) المختصّ في الثقافة الشعبيّة والمشاهير والموسيقى والتلفزيون والسينما رأى في هذا التصرّف سلوكا يذكّر بسلوك ترامب!

وممّا نقدت به سويفت أنّها ليست على وعي بأنّها نجمة شعبيّة تمثّل أيقونة من أيقونات النجمات الثريّات ذوات البشرة البيضاء والعيون الزرق ولكنّها لا تساند المعتدى عليهم من ذوي البشرة السوداء أو الفقراء المحتاجين. وقد بلغ الأمر حدّ اعتبارها من النازيّين الجدد بسبب كلمات أغنية رأت مدوّنة "بوب فرنت" (PopFront) أنّها تدعّم تفوّق العرق الأبيض.

ومنذ سنة 2014 تلقّت سويفت هجومات من المناضلات النسويّات لتخلّيها عن قضايا المرأة ولكنّها حين ساندت عبر تويتر مسيرة نسائيّة لم تشارك فيها لم تجد إلاّ التهجّم والنقد. وهاجم سويفت كذلك مساندو هيلاري كلينتون خلال الحملة الانتخابيّة لأنّها لم تبد موقفا من صراعها مع ترامب على عكس بيونسي.

والسؤال الذي يطرح هل يمكننا أن نطالب الفنانين بتناول قضايا اجتماعيّة وسياسيّة؟ هل ينبغي أن تصبح الموسيقى كلّها موسيقى ملتزمة؟

لم نتحدّث عن سويفت هنا لذاتها ولكنّ ما طرح من مسألة التزام الفنانين في أعمالهم ومواقفهم يذهب أبعد من هذه النجمة أو تلك ليدعونا إلى التفكير في بعض ما اطمأنّت له تصوّراتنا. فقد بدا لنا النقد الموجّه إليها عائدا إلى الصمت أمام قضايا يرى بعض التقدّميّين في المجتمع الأمريكيّ أنّها خطيرة وينتظرون من المؤثرين في الرأي العامّ أن يتّخذوا موقفا منها.

فماذا لو طرحنا الأسئلة نفسها عن الفنانين عندنا بناء على العلاقة الثابتة بين الجماليّات في الفنّ والأخلاقيّات التي تقتضيها الرؤية الفنّيّة؟ 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.