}

روبرتا سانجورجي: مهمتنا زعزعة كليشيهات تصنيف "أدب المهاجرين" بإيطاليا

يوسف وقاص 31 مارس 2022

كان لا بد من صيغة تؤسّس لهذه الظاهرة الملتبسة في البداية، فلم تكن هناك سوى بعض الأفكار الغامضة عن هؤلاء "الملوّنين" بسِماتهم الغريبة وأسلوبهم الفظّ في نُطق الكلمات، التي يُراد بها التواصل، فتَرِدُ إلى أسماعهم كأصوات متنافرة لا يمكن تمييز حروفها أو حتى تصنيفها في سياق لغة للمخاطبة. وما زال من الشائع القول، عندما تتعثر المحادثة بين شخصين: "حَسْبُك، أنا لا أخاطبك بالعربية!"، بمعنى أن حديثه واضح وليس مجرد كلمات مبهمة! ومع كل مثالب الليبرالية التي قلّما تجد الأصوات الضعيفة مكانًا لها في زخمها الهائل، كان لا بد من محاولة لجمع هذه الأصوات معًا وإطلاقها في مغامرة حيث ستُعَمَّدُ لاحقًا باسم "الإيطالوفونية" متمثّلة في أدب المهاجرين، أي أولئك القادمين من العوالم الأخرى ويكتبون باللغة الإيطالية. فلا شك أن اللقاء بين عالمين هو نوع من الكيمياء الاجتماعية والثقافية، حيث العيش معًا بالتشارك والمعاملة بالمثل يمزج مكونات الماضي والحاضر ويخلق هويات جديدة. وأدب المهاجرين في إيطاليا، يتحدث إلينا عن إيطاليا بطريقة جديدة وغير مألوفة، لأنه يقف في الزاوية والمسافة الصحيحة، ونظرته القادمة من بعيد، ستكون نظرة من الداخل والخارج، فهي تزعزع "الكليشيهات" وتنسف الأحكام المسبقة، خاصة إذا تم التعبير عنها بلغة المجتمع المضيف.

تستضيف المدن الإيطالية اليوم مهاجرين من مختلف الجنسيات، من الجيلين الأول والثاني، يعيشون ويعملون ويعبّرون عن أنفسهم بلغة دانتي، ولكن في الوقت نفسه، كما يوضّح الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني جورج سيمِّل (1858-1918) في كتابه "استطراد حول الأجنبي"، يستمرون في البقاء خارجها: مهمّشون لأنهم أتوا من عوالم أخرى، هم أقليات ويجب اعتبارهم كذلك، لأن الأجنبي هو الشخص الذي يكسر حلم التجانس الطبيعي لذواتنا المتماثلة، ويضع نفسه في الحدّ الفاصل ما بين الصديق والعدو. من يتخيّل المهاجر مثقفًا وشاعرًا وفيلسوفًا؟ فصورة المهاجر تحيل في المخيلة الجمعية إلى شيء آخر تمامًا: مراكب مهترئة، زوارق مطاطية فاضت بركابها، أشخاص حفاة الأقدام، أقنعة أكثر مما هي وجوه، نحتت من البؤس والشقاء. ما تتوقعه هو "الهمجيّ الطيّب" (وفقًا لتعبير أومبرتو إيكو)، وعندما لا تفي الصورة بالغرض، يتشتّت المخيال إلى حد ما.

إذا كان هناك مكان مركزي تشغله الغيرية، أي اللا ذات، في تعريف الهوية، فإن أدب المهاجرين هو بالتأكيد مكان مميز لهذا اللقاء. في الواقع، تخلق هذه النصوص الأدبية "نسيجًا حواريًا بين اللغات". يقول أستاذ الأدب المقارن في جامعة روما، أرماندو نييشي، في هذا الصدد: "في النصوص المكتوبة من قبل الأجانب باللغة الإيطالية والتي لا تحتوي على مقابلها باللغة الأصلية، تحدث جدلية الترجمة داخل المؤلف وما يمكننا أن نراه هو نتيجته. فهذا ما يصحّ فيه القول سواء عند كتابة النص بالتعاون مع صحافي/ كاتب إيطالي، أو عندما، كما يحدث بوتيرة متزايدة، لم تعد ثمة حاجة لهذه الوساطة. إن إمكانات هذه النصوص هائلة من حيث إثراء العالم المُعْجَمي والدلالي للغة الإيطالية ومن حيث الأصالة".

روبرتا سانجورجي، صحافية، وألسّاندرو رامبرتي، ناشر، كانا من أوائل من اهتموا بهذا الموضوع بإنشاء جمعية ثقافية غير ربحية سيكون لها شأن كبير بعد ذلك في اكتشاف وإطلاق كتّاب من مختلف الجنسيات ومواكبتهم قدر الإمكان ليتمكنوا من التعبير عن أنفسهم، بكتاباتهم وأساليبهم الخاصة. كان ذلك في عام 1995 عندما أطلقت الجمعية المذكورة المسابقة الأولى، ويمكن القول إنها فتحت أمام الكتاب المهاجرين آفاقًا جديدة قادتهم فيما بعد ليكونوا جسرًا بين ثقافات متعددة وليكتشفوا عن قرب مدى أهمية الأدب في تغيير الصورة النمطية عنهم.

في هذا اللقاء، تحدثنا روبرتا سانجورجي عن أهمية أدب المهاجرين في إيطاليا، عن البدايات وعن الصعوبات التي واكبته، وما يمكن أن يؤول إليه في المستقبل.

روبرتا صحافية محترفة وعضوة دائرة الزراعة في مقاطعة إميليا- رومانيا، كأخصائية في العلاقات العامة. وبهذه الصفة، تتعاون مع منظمة "رِجّو العالم الثالث" غير الحكومية والوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي في مشروع الزراعة الأسرية في شمال ألبانيا. قامت بتدريس "وسائل الإعلام والتكنولوجيات الجديدة في اقتصاديات السياحة" في جامعة بولونيا. مثّلت الاتحاد الأووربي كمُراقِبة دولية في انتخابات الموزمبيق وممثلة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي في أرمينيا. أجرت أبحاثًا حول المعلومات والهجرة بالتعاون مع جامعة بولونيا. عملت مع جريدة "لا أونيتا" الناطقة باسم الحزب الديمقراطي اليساري (الحزب الشيوعي الإيطالي سابقًا)، والتلفزيون الحكومي "راي" وتلفزيون جمهورية سان مارينو. هي الآن نائبة رئيس جمعية "إكس & ترا" التي ترأستها لسنوات عديدة. قامت بتحرير أكثر من عشرين مجموعة قصصية لكُتّاب مهاجرين، ونشرتها لدى دور نشر إيطالية مختلفة.

في 12 تموز/ يوليو 1999، تم استقبال الكتّاب وأعضاء جمعية "إكس & ترا" من قبل رئيس الجمهورية الإيطالية، كارلو أتسيليو تشامبي، ووزيرة تكافؤ الفرص، لاورا بالبو  



(*) في عام 1995، أطلقتِ أنتِ وأليسّاندرو رامبرتي، صاحب منشورات "فارا"، فكرة جائزة "إكس & ترا" للكتّاب المهاجرين. كيف ولدت هذه المبادرة؟ وماذا كان الغرض منها؟

أود أن أوضّح بأن دوري وأهدافي كانت وما تزال مختلفة عن دور وأهداف أليسّاندرو (رامبرتي). فأنا صحافية تعاملت في ذلك الوقت مع المهاجرين، وكان لدي فضول لاكتشاف آفاق جديدة للهجرة. أليسّاندرو ناشر، وكنت قد نشرت معه كتابي "الأبنوس والعاج" الذي يضم بعض قصص الأزواج المختلطين، أي الأزواج الذين ينتمون إلى ثقافات مختلفة. بعد هذا الكتاب، برزت لدي الرغبة في تعميق هذا الموضوع، لأنني أدركت أنه لا يوجد شيء في المجال السردي يمنح الكلمة مباشرة إلى المهاجرين.

حدث ذلك في عام 1995، والكتب التي تروي قصص المهاجرين بالتعاون بين صحافيين إيطاليين وكتّاب مهاجرين، كان قد تم نشرها بالفعل ولاقت نجاحًا ملموسًا، مثل "وعد حمادي" لسعيدو موسى با وأليسّاندرو ميكيليتّي (منشورات دي أغوستيني) أو "بائع الفِيَلة" لبَبْ خوما وأوريستِهْ بيفيتّا (منشورات غارتسانتي). عادة ما كان الكاتب الإيطالي يكتب القصّة وينقّحها، وهو الذي يصيغ قصة المهاجر صياغة محكمة. لقد تمكنت من التحدث بشكل مكثّف مع أوريستِهْ بيفيتّا حول هذا الجانب، الذي شرح لي كيف تتم عملية صياغة الكتاب. لذلك لم تكن هناك طريقة لكتابة يمكنها أن تعكس ثقافة المهاجر الأصلية. كما تساءلت عما إذا كانت هناك قصص وحكايات وأشعار مكتوبة ومتروكة في "درجٍ" يمكنها توثيق الهجرة من وجهة نظر المهاجرين. شخصيًا، لم يكن لدي أبدًا مطمع كشّاف المواهب في مجال النشر، لكنني كنت مدفوعة بالبحث عن "نظرة الآخر"، كما يقول الفيلسوف دريدا، أي فهم قلب وعقل أولئك الذين يواجهون تحدي أو مأساة الهجرة.

لم أضع لنفسي أي أهداف. خطرت لي فكرة جائزة "إكس & ترا" الأدبية واقترحتها على أليسّاندرو رامبرتي، لأنه ناشر مهتم بهذه القضايا. كانت جائزة "إكس & ترا" رائدة بالتأكيد في هذا المجال. كنا منفتحين على ما سيأتي، إذا كان سيأتي. لقد واجهنا صعوبة في صياغة الإعلان الأول للمسابقة على وجه الخصوص، لأننا لم نتمكن من تحديد ما سينبثق عن الواقع، الذي يمكن أن يكون أيضًا ثقبًا في الماء. لكن منذ الإصدار الأول، كان إقبال المهاجرين ملحوظًا.
 

(*) لماذا اخترتم اسم "إكس & ترا"؟

يشير اسم "إكس & ترا" الذي اخترناه لتقديم أنفسنا، إلى الأشخاص القادمين من البلدان الأخرى: "إكس" تستخدم في اللاتينية كبادئة لتشكيل الأفعال ومشتقاتها، وتعني في بعض أشكالها "من، خارج، بعيد"، و"ترا" تشير إلى "الوصول بيننا". بينما "&"، علامة الواو اللاتينية، هي أداة ربط تجمع بين الصعوبات والثراء الكبير للقاء معًا.

(*) مرت سنوات عديدة ولكن ما النتيجة التي يمكن أن نتحدث عنها؟

لم يكن هدف جمعية "إكس & ترا" أبدًا هو العثور على كتّاب وكاتبات. من الواضح أنها كانت مفاجأة رائعة العثور على العديد من المواهب الأدبية التي شقّت طريقها بعد ذلك إلى عالم الكتابة من خلال الاستمرار في نشر أعمالها. كانت جائزة"إكس & ترا" بمثابة الحافز لرهان أكثر أهمية: منح صوت للمهاجرين، لأولئك الذين يفكّرون بشكل مختلف عن السائد، والعيش من خلال الكتابة اليوتوبيا المحتملة للتعايش السلمي الذي يحترم التنوّع. الغرض من الجمعية هو في الواقع محاربة الصور النمطية عن المهاجرين من خلال استخدام الكلمة وخلق فرص للحوار والالتقاء بين الثقافات. يمكن القول إن الهدف قد تحقّق. في كل عام، يشارك العديد من الأشخاص من خلفيات متباينة في ورش عمل الكتابة الإبداعية المتعددة الثقافات، والذين يختبرون طريقة مختلفة للعيش معًا ويفكّرون في الاحتمالات الملموسة للتعايش السلمي بالاحترام المتبادل للتنوّع.
 


(*) ما هي أهم مراحل نشاط جمعية
"إكس & ترا" منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا؟

قامت الجمعية من عام 1995 إلى عام 2007، بمنح جائزة "إكس & ترا" الأدبية للكتّاب المهاجرين، والتي حصلت كل عام على الميدالية الفضية لرئيس الجمهورية، وفي 12 تموز/ يوليو 1999، تم استقبال الكتّاب وأعضاء جمعية "إكس & ترا" من قبل رئيس الجمهورية الإيطالية، كارلو أتسيليو تشامبي، ووزيرة تكافؤ الفرص، لاورا بالبو.

أقيمت مسابقة "إكس & ترا" خلال الأعوام من 1995 إلى 1998 في مدينة ريميني، بدعم من بلديتها، ومن 1999 إلى 2007 في مانطوفا، بفضل مشاركة مركز التعليم بين الثقافات في محافظة مانطوفا ثم في بلدية مانطوفا. في سنوات المسابقة، راكمت جمعية "إكس & ترا" متعددة الثقافات أكثر من ألف وثمانمائة نص للكتّاب المهاجرين. هذه النصوص تشكل أول أرشيف في إيطاليا مع مجموعة من أعمال أدب المهاجرين (الإيطاليين)، وهي متاحة على الإنترنت.

من 2000 إلى 2005، نظّمت الجمعية المنتدى الدولي حول أدب المهاجرين في مانطوفا، كجزء من برنامج تدريب الوسطاء الثقافيين والمدرسّين. ومنذ عام 2004، تتعاون الجمعية مع قسم الدراسات الإيطالية بجامعة بولونيا، حيث نظَّمت معها في مطلع عام 2007 مختبر الكتابة الإبداعية متعددة الثقافات، والذي يسمى الآن مختبر الكتابة الإبداعية الجماعية والمختلطة الأعراق، وهو جزء من دورة دراسات في الأدب، لكنها مفتوحة أيضًا للطلاب غير الجامعيين، بمن فيهم المهاجرون.

لا تقتصر جمعية "إكس & ترا" على تنظيم المسابقة، ولكنها تعمل على نشر المعرفة بالهجرة في المدارس من خلال كتابات المهاجرين واللقاءات مع المؤلفين. فمنذ عام 2015، تقيم دورات في الشعر في صفوف المركز الإقليمي لتعليم الكبار في مدينة بولونيا. وابتداءً من عام 2019، تعاونت الجمعية مع "فرقة إكثار البذور الفنية" في كريفالكورِهْ حيث أقامت معها مشروع "نحو زراعة النجوم"، بتمويل من وزارة الداخلية ومقاطعة إميليا- رومانيا، وأنشأت ضمنه ورشة عمل "أشعار ضد العنصرية".  في نفس العام، كانت شريكًا في المشروع الأوروبي لتعاونية لاي مومو "وورد فور لينك"، والتي استمرت حتى عام 2021.

في عام 2020، أنشات مع فرقة "إكثار البذور الفنية" مشروع "العيش في مكان آخر"، بتمويل من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومقاطعة إميليا- رومانيا، حيث عقد كاصد محمد (كاتب وشاعر ومترجم عراقي، ولد في بابل عام 1981، بعد تخرجه من جامعة بغداد، تابع دراسته في بولونيا. يقوم حاليًا بتدريس اللغة العربية وآدابها في جامعات بولونيا، ماتشيراتا، وجامعة IULM ومعهد الدراسات العليا كارلو بو في ميلانو) ورشة العمل السردية "كتابة الآخر"، مع أشخاص من أصول مختلفة في نادي "آكّاتا" في بيرسيشيتو.

في عام 2021، تم إطلاق مشروع "المصائر المتقاطعة"، والذي تجري من خلاله ورشة عمل الكتابة الوجدانية (شكل من أشكال التعبير القادر على نقل المحتويات والرسائل والقيم عاطفيًا) في صفوف المركز الإقليمي لتعليم الكبار في بيرسيشيتو التي يديرها إدريس حميد (حاصل على درجة الدكتوراه في الثقافات الأدبية والفلسفية والتاريخية من جامعة بولونيا)، تحت إشراف كريستيانا دي كالداس بريتو (كاتبة وطبيبية نفسية، من مواليد البرازيل 1939، تعيش وتعمل في روما).

في أيار/ مايو 2020، تم إنشاء ورشة عمل "هوية الأرض، أنا والغير والمكان الآخر"، بإدارة إدريس حميد مع طلاب مدرسة إبيفانيو فرديناندو الثانوية في بلدة ميزانيا، ضمن مشروع "رحلة السندباد"، بتمويل مشترك من وزارة التراث والشؤون الثقافية والترويج لها من قبل المسرح البلدي في مقاطعة بوليا مع هيئات المكتبات العامة والمتاحف في مدينتي ليتشِهْ وفوجّا.

في خريف عام 2020، تم إطلاق مشروع انتهى في حزيران/ يونيو من العام التالي، حيث تعاونت الجمعية مع بيت الثقافة التابع لبلدية رافينّا. قاد إدريس حميد مجموعة من الشعراء والكتاب الطموحين في رحلة إبداعية لاكتشاف الكتابة ما بين الثقافات من خلال مختبر الشعر "هوية الأرض"، ثم ورشة أخرى للنثر "الحب عن قرب، والحب عن بعد". حضر اللقاءات عبر الإنترنت طلاب من أصول وأعمار مختلفة، وتمكنوا من الالتقاء وتقديم المجلد المنشور في نهاية ورشة العمل خلال مهرجان رافينّا الثقافي.

 

(*) لا تزال جمعية "إكس & ترا" التي قمتم بتأسيسها تتعامل مع هذا الأدب من خلال ورش عمل للكتابة الإبداعية وأنشطة أخرى. هل زاد الزخم الأولي أم انخفض؟

بصفتنا جمعية، تواصلنا على مرّ السنين مع العديد من الأشخاص الذين أثْروا بمهاراتهم مقترحات ورشة العمل. هذا هو حال كاصد محمد وإدريس حميد، اللذَيْن كانا من طلاب ورشة الكتابة المختلطة والجماعية التي نظمتها جامعة بولونيا، ثم أصبحا أساتذة للغة الإيطالية ومدرّسين في مختبرات "إكس & ترا".

بالإضافة إلى ذلك، قامت وزارة الشؤون الاجتماعية بتمويل مشاريع للمهاجرين عبر مقاطعة إميليا- رومانيا، بما في ذلك تلك المقترحة من قبل جمعية "إكس & ترا"، حيث تمكنوا بالتالي من الحصول على الموارد الكافية لإنجازها.
 

في اليوم التالي لتسليم جائزة "إكس & ترا"، "اختفى" الشاعر كاظم حيدري من ريميني: كان قد ذهب إلى قبر دانتي في رافينّا لتكريم الشاعر العظيم 



جوهر الأدب هو التنوّع

(*) ثمة جدال، ربما كان حاميًا في بعض الأحيان، حول الإدارة والأسماء: أدب المهاجرين، أدب الهجرة، الأدب الناشئ، الأدب الفرعي. أين نحن الآن من كل ذلك؟

أستطيع أن أقول بكل هدوء إنني لست مهتمة بهذا الخطاب الذي لم يفعل في السنوات الماضية سوى في رفع السواتر بين أناس تمتلكهم الرغبة وحسن النية لتحفيز ظاهرة جديدة. لا يمكن احتواء الأدب في تعريف واحد، وكل كاتب يعبّر عن نفسه بإبراز جذوره الثقافية. لا مفر من هذا. إن جوهر الأدب هو التنوّع. تأتي الحاجة إلى الفهرسة من الأكاديمية، التي تحتاج إلى تصنيف تعبير فني معين حتى تتمكن من دراسته على أنه ينتمي إلى فرع بحد ذاته. لكن كل تصنيف هو تعسفي: تعريف الأدب بطريقة أو بأخرى يظهر دائمًا الوجه المزدوج للميدالية. يمكن أن يكون بمثابة تسليط الضوء على النقد الأدبي ووسائل الإعلام على ظاهرة جديدة للمساعدة في ظهورها أو يمكن أن يكون قفص يلجم ويُفقِرُ، دون أن تمنح، ببساطة، الحظوة لأدب بلا أوصاف.

أنا أناركية تماما من وجهة النظر هذه. أقول لنفسي: "أطلقوا عليه التسمية التي تحلو لكم، لكن بادروا، أي اقرأوا هؤلاء الكتاب لأن قصصهم تستحق القراءة". أعتقد أن الخلاف برمّته حول ما يمكن تسمية هذا الأدب لم يفعل أكثر من تثبيط المعنويات وإبعاد الكثير من الناس عن الروايات التي كانت تستحق المزيد من الاعتراف اللائق بها.

 

(*) اكتشفت المسابقة العديد من المواهب، من بينهم كتاب وشعراء، أذكر منهم على وجه الخصوص كاظم حيدري الذي كان أول أجنبي يفوز بجائزة "يوجينيو مونتالِهْ" العالمية للشعر. هل كان هذا متوقعا؟

كيف كان من الممكن توقع ذلك، حيث لم تكن هناك تجارب مماثلة في الجوائز الأدبية التي ركّزت على المهاجرين؟ كان كاظم حيدري "اكتشافًا" رائعًا في إيطاليا، لأنه كان شاعرًا معروفًا في ألبانيا ومرفوضًا أيضًا كونه معارضًا للنظام. أتذكّر أنه في اليوم التالي لتسليم جائزة "إكس & ترا"، "اختفى" كاظم من ريميني: كان قد ذهب إلى قبر دانتي في رافينّا لتكريم الشاعر العظيم. أخبرنا أن سعادة كبيرة قد غمرته دفعة واحدة بنيله جائزة "إكس & ترا"، وأن الشاعر، لئلا يفقد إلهامه، يجب أن يكون دائمًا حزينًا بعض الشيء! لهذا السبب اختار أن يبتعد وأن يذهب بمفرده إلى قبر دانتي. في العام التالي، 1997، فاز كاظم بجائزة يوجينيو مونتالِهْ العالمية للشعر. لقد كان اعترافًا موفقًا لنبوغه الشعري، لأن الشعر ليس إيطاليًا أو ألبانيًا، لكنه بلا حدود.

 

(*) كيف نشأ التعاون مع مختبر الكتابة متعدد الثقافات؟ وماذا كان الغرض من هذا التعاون؟

واتت فكرة مختبر الكتابة الإبداعية الجماعي والهجين والمتعدد الثقافات إلى البروفيسور فولفيو بيتساروسّا، أستاذ علم اجتماع الأدب بجامعة بولونيا، الذي كان في ذلك الوقت عضوًا في لجنة تحكيم جائزة"إكس & ترا". كان التعاون بيننا قائمًا بالفعل، لأننا كنا نتعاون معًا من أجل الجائزة. في السنوات الأولى، أقيم المختبر في مقر جامعة بولونيا بتنظيم من الجمعية، ثم تمكن البروفيسور بيتساروسّا من نيل اعتراف الجامعة به كجزء من المسار الأكاديمي. يشرف على المختبر منذ تسع سنوات الكاتب فو مينغ 2 (الاسم المستعار للكاتب الإيطالي جوفانّي كاتّابريغا) وبفضله اكتسب خاصية تطوير الكتابة الجماعية، بالإضافة إلى الكتابة الهجينة.

 

لا شك في أن وجود المهاجرين مهم للغاية خاصة بعد قوانين سالفيني (زعيم حزب رابطة الشمال اليميني) وتفكيك "سبرار"، أي المقرات المخصصة لاستقبال المهاجرين  



(*)
ما هي أهمية وجود المهاجرين/ اللاجئين داخل المجموعات، وما هي مساهمتهم في العمل الجماعي؟

لا شك في أن وجود المهاجرين مهم للغاية، حتى لو على مرّ السنين، خاصة بعد قوانين سالفيني (زعيم حزب رابطة الشمال اليميني) وتفكيك "سبرار"، أي المقرات المخصصة لاستقبال المهاجرين، حيث بدا من الصعب جدًا إنشاء شبكة استقبال جديدة، بما في ذلك الشبكة الثقافية. وأدت سنوات الجائحة بعد ذلك إلى تفاقم هذه المشكلة لأن التعليم عبر الإنترنت يفترض مسبقًا امتلاك التكنولوجيا المناسبة، والتي نادرًا ما يمتلكها المهاجرون، ما عدا الهواتف الذكية. في الوقت الحالي، يتم ضمان التبادل الثقافي داخل المختبر من خلال وجود طلاب أجانب في جامعة بولونيا من مختلف بلدان العالم.

 

(*) أدب المهاجرين الإيطالي أو الأدب الإيطالي المكتوب من قبل أجانب؟

لماذا دائمًا هذه الحاجة المصطنعة إلى التصنيف؟ إنه أدب إيطالوفوني، بمعنى أنه يستخدم الكلمة الإيطالية fono""، فلنستمع بالتالي إلى صوت الكلمات الإيطالية، ولكن بعد ذلك يتم تجاوز هذا الصوت باستخدام الكلمات والمجازات المستعارة من الثقافات الأخرى. إذًا ما هو؟ هل من المهم تعريفه؟ بصفتي قارئة، أقول لنفسي: هذه الرواية، هذه القصيدة تثير المشاعر بداخلي لأنها تتجاوز الواقع وتقودني إلى الجوهر بفضل أصواتها. هذا يكفي بالنسبة لي. أنا لست أكاديمية، بل قارئة بسيطة ولست مهتمة بالتصنيف.

 

(*) أخيرًا، كيف ترين مستقبل هذا الأدب، هل سيحظى أخيرًا بالمكانة التي يستحقها في سياق الأدب الإيطالي أم سيبقى على الهامش؟ وما هي العوامل التي تمنعه ​​من الظهور؟

بعد فترة أولية، وهي فترة الكتابة المشتركة مع صحافيين إيطاليين، التي اهتم خلالها كبار الناشرين بهذه الظاهرة الجديدة، نشهد الآن ظهور مؤلفين فرديين، بسبب مهاراتهم الشخصية، وليس بسبب المعايير السردية. لذلك أعتقد أن كليشيهات التصنيف ككتابة مهاجرة قد تم التغلّب عليها بطريقة ما، وأن دور النشر تركّز على المؤلفين والمنتجات السردية. ومع ذلك، فأنا متشكّكة بعض الشيء بشأن الكيفية التي يتم بها اختيار الروايات المختلفة من قبل كبار الناشرين. من خلال المقارنة مع بعض الكتّاب، تمكنت من فهم أن خيارات النشر في كثير من الأحيان لا تهدف إلى جودة الرواية أو أصالتها، ولكنها تهدف إلى إمكانية صنع "سلعة رائجة"، أي أن تكون قابلة للبيع لشرائح كبيرة من القراء مع مواضيع متعددة الجوانب. لذلك غالبًا ما يركّز الاختيار على هذا المنتج السردي الذي يفسح المجال لنزع الطابع الشخصي عن الفرد، المُتَّبَع لأسباب واضحة من قبل الأنظمة الشمولية، أو كنتيجة مباشرة لحضارة الاستهلاك.

 

(*) سوف يميل المجتمع الغربي بشكل متزايد إلى أن يصبح مجتمعًا غير متجانس ومتنوع، وهي عملية تحتك فيها ثقافات مختلفة للغاية. هل يمكن للأدب، ولا سيما الأدب المتعلق بالهجرة، أن يلعب دورًا أكثر فاعلية بهذا المعنى؟ ماذا لو عرضت نصوص هذا الأدب في المدارس الإيطالية؟

تم بالفعل اقتراح نصوص هؤلاء الكتّاب في مدارس مختلفة، ولكن عبر مبادرات فردية من قبل مدرسين يمتلكون حساسية معينة تجاه هذا الموضوع. يجب أن يكون هذا النوع من السرد ضمن خطة المنهاج التعليمي لكل مدرسة على حدة، بحيث لا يعتمد على وجود أو غياب المعلمين، بل ينال اعتراف جماعي من قبل المؤسسة المدرسية. لقد كان حدثًا مهمًا، من وجهة نظري، أنه من بين مواضيع امتحان الثانوية العامة قبل سنوات، كان هناك نص للكاتبة البرازيلية كريستيانا دي كالداس بريتو، وهو ما يدل على الأهمية التي أولتها وزارة التربية لهؤلاء الكتّاب.

 

(ميلانو)

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.