}

حصاد حلمي النمنم في وزارة الثقافة المصرية: قص شرايط!

إيهاب محمود 16 يناير 2018
هنا/الآن حصاد حلمي النمنم في وزارة الثقافة المصرية: قص شرايط!
حلمي النمنم

ظهر الأحد 14 يناير الجاري، كان الكاتب الصحافي المصري حلمي النمنم يلملم ما تبقى له من أشياء تخصه داخل مكتب وزير الثقافة مغادرًا إياه، بعد الإطاحة به في تعديل وزاري محدود شهد تولي الدكتورة إيناس عبد الدايم الحقيبة الوزارية بدلًا منه.

وتخرجت عبد الدايم في معهد الكونسرفتوار، وحصلت على ماجستير الموسيقى الكلاسيكية من فرنسا عام 1985، ثم الدكتوراه عام 1990، وشغلت منصب عميد المعهد العالى للكونسرفتوار، ونائبة رئيس أكاديمية الفنون. وحققت عبد الدايم أثناء رئاستها لدار الأوبرا، منذ عام 2012، طفرة كبيرة وإنجازات ملموسة، ولم يكن اختيارها لتولي الوزارة مفاجأة، إذ ترشحت في مناسبة سابقة عندما تم تكليف الدكتور حازم الببلاوي بتشكيل الوزارة في أعقاب الثلاثين من يونيو وعزل نظام جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وفي اللحظات الأخيرة خرجت عبد الدايم ليحل محلها الدكتور محمد صابر عرب الذي تولى الوزارة ثلاث مرات سابقة في غضون أربع سنوات فقط!

28 شهرًا قضاها النمنم فى الوزارة، خاض خلالها الكثير من المواجهات داخل الوسط الثقافي، وفقد جزءًا كبيرًا من شعبيته داخل الوسط الذى ابتهج بعد اختياره للوزارة ورحب به وقتها.

وكانت الخبرة الكبيرة التى راكمها الرجل بسبب توليه مناصب مهمة في الوزارة كرئاسة الهيئة العامة للكتاب ورئاسة دار الكتب، أحد أسباب اختياره وزيرًا للثقافة، بالإضافة للمشوار الفكري للنمنم الذي أولى اهتمامًا كبيرًا للقضايا الفكرية المتعلقة بتنظيمات الإسلام السياسي وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين، وبما أن الدولة المصرية تخوض حربًا معلنة ضد الإرهاب المسلح في المنطقة، وبما أن الحل الأمني لا يجدي وحده، ولابد من مواجهة الفكرة بأخرى، كان اختيار النمنم موفقًا، في نظر القيادة السياسية، وفي نظر الجماعة الثقافية أيضًا، غير أن ما تلا ذلك كان صادمًا.

حلمي النمنم.. "المفكر" يستسلم أمام "الوزير"

بنى النمنم مشروعه الفكري على رصد حركات الإسلام السياسي وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، وتعرض للأفكار التي بثتها الجماعة وروجت لها عبر عقود مضت، ومن أبرز هذه الأفكار ما نادى به سيد قطب الذي انبرى له النمنم ليؤلف عنه كتابين هما: "سيد قطب.. سيرة وتحولات" وكتاب "سيد قطب وثورة يوليو"، فضلًا عن كتابه "حسن البنا الذي لا نعرفه". هذا المشروع "الفكري" الذي بنى عليه النمنم تاريخه الطويل لا بد أنه كان محفزًا لأن يقع عليه الاختيار لتولي وزارة الثقافة، في هذا التوقيت بالذات، حيث تواجه الدولة معركة ضد الإرهاب المسلح، والنمنم سيكون مفيدًا للغاية لمواجهة هذه الأفكار الظلامية، وهو قد واجهها بالكتابة والآن أصبح مسؤولًا كبيرًا بإمكانه توسيع نطاق المواجهة وتوسيع مدى التأثير.

ولكن جاء النمنم ليكشف عن رأي آخر، ويبعد وزارته عن مسرح المواجهة، إذ قال في تصريحات سابقة إن معركة الإرهاب هي مسؤولية القوات المسلحة والشرطة المصرية بالأساس، وهو ما مثل صدمة لمتحمسين كثر منحوا أنفسهم أحلامًا كثيرة بمجيء النمنم الذي أنزلهم إلى أرض الواقع مؤكدًا أنه لم يعد حلمب النمنم الصحافي والباحث الذي ارتبط بعلاقات جيدة مع الوسط الثقافي المصري والعربي.

النمنم وقصور الثقافة.. تخبط إداري وخيال غائب

ثمة مصطلح ردده النمنم مرارًا: "العدالة الثقافية"، ولعل الهيئة العامة لقصور الثقافة بمقراتها الثقافية المتناثرة في المحافظات المختلفة هي الأكثر قدرة على تحقيق مفهوم العدالة الثقافية من خلال تبنيها لأنشطة ثقافية مختلفة ومتنوعة، حيث تصل المواقع التابعة للهيئة إلى 600 موقع أو أكثر، ولكن على غير المتوقع، لم يشعر المشتغلون والمشغولون أيضًا بالحركة الثقافية في مصر بأي جديد حدث خلال عهد النمنم، الذي عانت الهيئة خلاله من غياب رئيس لها لفترة طويلة، وكأن لا أحد بإمكانه قيادتها.

في فبراير عام 2016 تم إعادة ندب الدكتور سيد خطاب ليصبح رئيسًا للهيئة وفي يناير 2017 وبعد أن طلب النمنم من أكاديمية الفنون إعادة ندب خطاب لعام آخر، تم استبعاد خطاب وحل محله الكاتب صبري سعيد، ولكن في موقع نائب رئيس الهيئة، وبعد ثلاثة أشهر استقال سعيد لظروف صحية لتعلن الهيئة عن مسابقة لشغل منصب رئيس الهيئة ويتقدم كثيرون ويفشلوا في الفوز بالمنصب إلى أن اختار الوزير الشاعر أشرف عامر في يوليو من نفس العام ليكون رئيسًا للهيئة العامة لقصور الثقافة، ثم يغادرها أشرف ويأتي مكانه الدكتور أحمد عواض.

وخلال العامين الماضيين عانت الهيئة من مشكلات مالية وحدثت حالة من التخبط فيما يخص السلاسل بالهيئة، كما أن دائرة النشر واجهت صعوبات كثيرة وثارت حالة من الجدل بخصوص تعطيل النشر بشكل متعمد من جانب الهيئة لبعض السلاسل لعل أشهرها كانت سلسلة آفاق عالمية التي رأس تحريرها الشاعر والمترجم رفعت سلام.

وكانت الأزمة المالية بابًا يفتح على مشكلة أخرى بالهيئة وهي عدد الموظفين الكبير الذي وصل إلى 16 ألف موظف وهو عدد يفوق عدد العاملين بباقي هيئات وزارة الثقافة بحسب تصريحات صحافية سابقة للدكتور جابر عصفور وزير الثقافة المصري الأسبق.

 وهكذا جاء أداء النمنم مخيبًا لآمال عريضة لأنه على دراية واسعة بمشكلات وزارة الثقافة وعمل محررًا ثقافيًا لسنوات طويلة وشغل مناصب قيادية في الوزارة قبل جلوسه على كرسيها، غير أنه لم يقدم لها شيئًا وعلى العكس أثيرت بعض الشائعات في عهده فيما يخص نقل تبعية هيئة قصور الثقافة إلى وزارة التنمية المحلية، كما تعرضت مكتبة التفوق العلمي ببورسعيد للإخلاء من جانب المحافظ عادل الغضبان في الوقت الذي بدت فيه الهيئة أكثر ضعفًا وأقل إيمانًا بدورها.

كانت قصور الثقافة من الملفات العاجلة التي تحتاج تدخل النمنم لاتخاذ قرارات جذرية من شأنها إعادة الهيئة إلى أدوارها السابقة حيث قادت الحركة الثقافية في أقاليم ومحافظات مصر المختلفة ونشرت المعرفة ووزعت الثقافة وحققت بالفعل ما نادى به النمنم ووعد بتحقيقه وهو العدالة الثقافية، غير أنه لم يفعل وضاعت الفرصة من يده، أو بالأحرى أضاعها هو.

حلمي النمنم.. وزير "قص الشرائط"

 

قبل أن يأتي الكاتب الصحافي حلمي النمنم وزيرًا للثقافة كان شديد الاعتراض على الوزراء الذين لا يظهرون إلا مع افتتاح فعالية أو حضور مهرجان. ولكن، بقصد أو دون قصد، تحول النمنم لوزير مختفٍ دائمًا ولا وجود له إلا في الفعاليات فقط، فلم يكن غريبًا أن يلقبه المثقفون بوزير قص الشرائط.

وفي حوار أجراه معه الإعلامي مفيد فوزي قال النمنم: "أنا أذهب للمحافظات كثيراً تطبيقاً لمبدأ العدالة الثقافية، وهمّا عندهم طقس قص الشريط في كل زيارة، علشان كده تدرك لماذا أعمل معرض كتاب في دسوق. وأنا أول وزير حط رجله في الواحات، وعملت نشاط ثقافي في المنطقة المحيطة بدير سانت كاترين التي هُجرت منذ اغتيال الرئيس السادات، يعني لو خرجت وشهدت بنفسي كل حدث ثقافي يقال إني وزير قص الشريط، ولو قعدت في مكتبي يقال قافل على نفسه باب مكتبه".

ولا يعرف أحد سببًا واضحًا أو مفهومًا لعزلة النمنم، حيث فرض على نفسه صمتًا مطبقًا ولم يعد يتكلم مع أحد وبات يعيش بعيدًا عن المثقفين والصحافيين الذين استأثرت فئة منهم بأخباره وأفكاره، وهو ما أضاف المزيد من الغضب فوق صدور المثقفين الذين زاملوه لسنوات وشاركوه في الهم الثقافي ثم أدار لهم النمنم ظهره عندما صار في مكان يسمح له بالتأثير والتغيير.

النمنم وحرية التعبير.. الصمت كحل مريح

وفيما يخص حرية الإبداع كانت آراء النمنم صادمة أيضًا، وعبر ثلاث قضايا واجهها أحمد ناجى، إسلام بحيري، وفاطمة ناعوت لم يعلن النمنم عن موقف واضح له، لم يرفض حبس الكتاب بسبب فصل في رواية كما حدث مع ناجي، ولم يعارض منع بحيري من الظهور وحبسه. وفي المرة التي تحدث فيها في خصوص قضية ناجي خرجت كلماته ساذجة ومستفزة، حيث قال في لقاء تليفزيوني إنه لا يوافق أن تقرأ ابنته مثلًا الألفاظ الخارجة التي وردت في رواية "استخدام الحياة". هكذا بمنطق رجل بسيط لم يقرأ كتابًا في حياته!

قضى النمنم فترته كموظف، وربما كان أداؤه المسالم وصمته الدائم أحد أسباب بقائه لفترة هي الأطول لوزير ثقافة بعد ثورة يناير 2011، هكذا فقد النمنم خصوصية العلاقة مع المثقفين، وتمادى في تعلية السور الحاجز بينه وبينهم دون مبرر، وخذلهم في مناسبات كثيرة، وبدلًا من أن يصبح الصحافي الوزير أصبح الوزير الصحافي، فاقدًا صفته الأهم والأبقى.

ربما، كان اختيار حلمي النمنم موفقًا، بل ربما كان رائعًا أن يتولى كاتب وصحافي وزارة الثقافة، بعد أن سيطر عليها أساتذة أكاديميون على مدار خمس سنوات سابقة على تولي النمنم، غير أن الوزير الصحافي أضاع الفرصة، واكتفى بتأدية دوره كموظف بيروقراطي كهؤلاء المنتشرين في المصالح والهيئات الحكومية.

فشل إداري مزمن

كان العام السابق والثاني للنمنم في الوزارة أسوأ من سابقه، حيث وقعت وزارة الثقافة في خطأين فادحين: الأول هو تنظيم معرض القاهرة للكتاب، والثاني عدم اختيار القاهرة عاصمة عالمية للكتاب.

فيما يخص معرض الكتاب، حدثت واقعة سبقت انطلاق المعرض عندما تم احتجاز 9 شاحنات كتب في ميناء الإسكندرية تحتوى على إصدارات لـ16 دار نشر مصرية وعربية قادمة من لبنان، وبسبب ورقة تعبئة نسيتها الشبكة العربية للأبحاث والنشر لم يتم السماح لبقية الدور بالمرور وتم التواصل مع وزير الثقافة الذي أرجع الأمر لرئيس هيئة الكتاب وظلت الأمور تتأرجح بين الجهتين إلى أن انتهى المعرض وفشلت 16 دار نشر في  الاشتراك على الرغم من أكثر من زيارة قام بها ناشرون ومسؤولو شركة الشحن المسؤولة لوزير الثقافة الذي اكتفى، حسب كلامهم، بالوعد فقط، وخذلهم رغم أنهم عبروا له مرارًا عن ضرورة المرور للمعرض وعن حجم الخسارة الكبيرة التي ستلحق بهم إذا لم يشاركوا..

أما بالنسبة لملف عدم اختيار القاهرة عاصمة عالمية للكتاب لعام 2019 فكان المستفز في الأمر هو خروج النمنم لتهنئة الشارقة على اختيارها عاصمة للكتاب بدلًا من القاهرة، على الرغم من اعتراف الوزارة أن اللجنة المشرفة على تنظيم هذا الملف لم تتشكل إلا في وقت متأخر قبل إغلاق باب التقدم، وبالتالي لم تتم دراسة الأمر بصورة صحيحة، وكان السؤال الذي شغل بال المثقفين وقتها هو: لماذا لم يتم التحضير جيدًا لهذا الملف؟ ولماذا لم يأخذ حظه من الوقت والجهد؟

في ذلك الوقت، وقع عشرات المثقفين على بيان يطالب بإقالة حلمي النمنم، وتم رفعه لرئاسة الوزراء والمطالبة الرسمية للمهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء بإقالة النمنم ومحاسبته على التقصير والإهمال في إدارة هذا الملف.

الآن، بإمكان حلمي النمنم أن يجلس على المقهى أو يناقش كتابًا في ندوة، تمامًا كما كان يفعل قبل عامين وأشهر من الآن، بالطبع لديه حكايات كثيرة، والأكيد أنه اشتاق لحياته القديمة وتفاصيلها وناسها، غير أن عودته لن تكون محل ترحيب عند كثيرين ممن خذلهم النمنم في مناسبات مختلفة بعد أن خطفه "برستيج" الوزير، ونسي تاريخه ومشواره تحت وطأة شغف رهيب بالسلطة والنفوذ.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.