}

ترجمة الأدب العربي إلى العبرية: واقع جديد- قديم

أنطوان شلحت أنطوان شلحت 18 يوليه 2017

تتوالى التقارير الصحافية الإسرائيلية التي تتناول مستجدات موضوع ترجمة الأدب العربي إلى العبرية في الأعوام الأخيرة. وتمثل أحدثها بتقرير نشره إيال ساغي بزاوي في صحيفة "هآرتس" يوم 13 تموز/ يوليو 2017. وبزاوي صحافي إسرائيلي من أصول مصرية يكتب زاوية في هذه الصحيفة بعنوان "ريليفانت" يطل عبرها بين الفينة والأخرى على المشهد الثقافي العربي ولا سيما المصري من منظور مُستأنس في المُعتاد، وهو أمر نادر الحدوث في ساحة الإعلام الإسرائيلي.

الجديد في هذا التقرير هو الكشف أنه بين الأعوام 2012- 2016 صدر نحو 20 كتابًا مترجمًا من العربية إلى العبرية، معظمها روايات بالإضافة إلى بضع مجموعات شعرية. كما صدرت أنتولوجيا قصصية باللغتين العربية والعبرية، ونشرت منابر ثقافية قصصًا عربية مترجمة إلى العبرية، منها المجلة الأدبية "غرانته" والموقع الإلكتروني "عبّـارة". وقبل أسبوع من نشر التقرير صدرت مجموعة شعرية بعنوان "لا أملك سوى الأحلام: أنتولوجيا شعرية أزيدية عقب الكارثة، 2014- 2016". وفي هذه الأثناء تعكف دار النشر "كنيرت" على ترجمة روايتين مصريتين جديدتين.

يعتقد بزاوي، دون أن يخفي كون اعتقاده رغبيًّا، أن تواتر الترجمات من العربية إلى العبرية قد يكون يجسّد تغييرًا في نظرة الإسرائيليين إلى الأدب العربي عمومًا، لكنه سرعان ما يستدرك ويقول إنه "تغيير طفيف للغاية". وسعيًا منه لتحديد جوهر هذا التغيير، استمزج رأي تامي تشفنيك، وهي مترجمة من اللغة العربية أشرفت على مراجعة وتحرير الترجمة العبرية لرواية "عمارة يعقوبيان" للمصري علاء الأسواني التي صدرت عام 2016 عن دار النشر "طوبي"، ومراجعة وتحرير ترجمات عبرية لروايات عربية أخرى صدرت عن دار النشر "كنيرت".

تؤكد تشفنيك أنه منذ ثورات "الربيع العربيّ" عام 2011 ثمة وتيرة متسارعة في موافقة كُتّاب عرب من الصفّ الأول على ترجمة أعمالهم إلى اللغة العبرية، وفي المقابل يبدي القارئ الإسرائيلي اهتمامًا أكبر بهذه الأعمال. وتشدّد في الوقت ذاته على أنه باستثناء الضجة في مصر التي رافقت صدور "عمارة يعقوبيان" بالعبرية، فإن صدور أعمال أدبية عربية أخرى مُترجمة إلى العبرية استقبل بتسامح نسبيّ من طرف جمهور الدول الأمّ لتلك الأعمال. مع ذلك ما يزال كثير من الكتّاب العرب يرفضون التجاوب مع طلبات دور النشر الإسرائيلية التي تلحّ عليهم إبداء موافقة على ترجمة أعمالهم إلى العبرية تماشيًا مع غاية التطبيع الثقافيّ مع إسرائيل، وكمؤشر إلى مكافحة حملة مناهضة هذا التطبيع، لكن بالرغم من ذلك، قالت إنه تصل توجهات من جانب ناشرين عرب تتضمن مثل هذه الموافقة، وهذا ما حدث مع دار النشر "كنيرت" ومع تشفنيك نفسها.

وأوضحت بهذا الشأن أن توجهات كهذه وصلت مثلًا من السعودية ولبنان والعراق.

وسبق أن لفتنا إلى أن التركيز على موافقة كتّاب عرب على ترجمة أعمالهم إلى العبرية لتسويغ ازدياد وتيرة مثل هذه الترجمة، يعود إلى حقيقة أن إعلاء شأن تلك الموافقة تبدو أهم في دلالتها الرمزية من أي قيمة أخرى تنطوي عليها تلك الأعمال الأدبية، في ظل اشتداد حملة مناهضة التطبيع لا سيما الثقافي مع دولة الاحتلال في أرجاء العالم العربي.

سرّ الاهتمام المُتجدّد بالأدب العربيّ

في مجرى البحث عن سرّ الاهتمام المُتجدّد بالأدب العربي، بالأساس من طرف دور النشر الإسرائيلية، يشير التقرير إلى عدّة أمور ملفتة لعلّ أهمّها ما يصفه بأنه "ازدهار الأدب الاجتماعي" ارتباطًا بالثورات. وبالرغم من أن هذا التوصيف ينطوي على قدر من الافتئات، فإن تشفنيك تجاهر بأن تركيز دور النشر على هذا الصنف من الأدب يحمل رسائل سياسية صرفة أبرزها أن الأدب الاجتماعي فيه تهرّب واضح من القضية الفلسطينية إلى ناحية استجلاء الماهية البشعة للأنظمة العربية المتعدّدة التي اتسمت بمناهضة دولة الاحتلال الإسرائيلية ولا يظهر القارئ في هذه الدولة أدنى اهتمام بها. ووفقًا لما تقوله "صحيح أن الطريق إلى إنجاز الديمقراطية العربية ما زال طويلًا، لكن في غضون ذلك فإن القارئ الإسرائيلي يصادف في هذه الأعمال الأدبية عالمًا عربيًا صافيًا يواجه معضلات رهيبة، من دون أن تكون هذه المعضلات مرتبطة بحق العودة والمسجد الأقصى".

وفيما يختصّ بالأدب الفلسطيني، تضيف هذه المختصة أن بعض دور النشر تقوم بدرس إمكان ترجمة أعمال أدبية فلسطينية لكنها في الوقت ذاته تشترط ترجمتها إلى العبرية بموافقة أصحابها على إصدارها. ولا تغفل الإشارة إلى أن القارئ في دولة الاحتلال "يواجه صعوبة جمّة في هضم هذه الأعمال، نظرًا إلى أنه من الأسهل عليه أن يقرأ عن سياسة الآخرين وعن المسائل الاجتماعية".

هذا الاستنتاج الأخير المُتعلق بالقارئ يوضّح المُنطلقات التي لا تزال تتحكّم به، كما يؤكد يهودا شنهاف- شهرباني، وهو أكاديميّ من أصول عراقية، أمام كاتب التقرير.  

ويقول شهرباني الذي تولى في الأعوام القليلة الفائتة ترجمة إحدى عشرة رواية من العربية إلى العبرية بالإضافة إلى مجموعة من القصص القصيرة، إن جمهور القراء اليهود غير مهتم إطلاقاً بالأدب العربيّ، بل لا يعرف أن ثمة أدبًا عربيًا، ولا يستهلك هذا الأدب. وينبّه إلى أن الترجمات التي أنجزها بيعت بنسخ ضئيلة، ولم تصل أي ترجمة منها إلى لوائح الكتب الأكثر مبيعًا.

فضلًا عن هذا نشرت صحيفة "هآرتس" أخيرًا قائمة بـ196 كتابًا قالت إنه يتعين على أي إنسان يعتبر نفسه مثقفًا أن يقرأها، دون أن تشمل فيها أي كتاب عربيّ.  

لا يمكن النظر إلى هذا الواقع بصفته ابن لحظته الراهنة. وحسبنا، لا على سبيل الحصر، أن نستعيد مرة أخرى ما قاله محمود درويش ضمن أول مقابلة أدلى بها إلى صحيفة عبرية في تشرين الثاني/ نوفمبر 1969: إن الجهل التام بالأدب العربي ينبع من اعتبارات وحسابات سياسية بحتة، فأولئك الذين يسيطرون على أدوات الدعاية والنشر لا يريدون أن يقدموا للقارئ العبري حقيقة الأدب العربي. إنهم يخافون مضمون هذا الأدب. ويدركون أن وصول هذا الأدب إلى الجمهور اليهودي من شأنه أن يحطم حواجز. فالأدب العربي هنا هو أدب احتجاج على وضع غير عادل بالمُطلق، كأي أدب احتجاج في العالم. وإذا كان بإمكاني أن أستعير مثلًا من أدب الاحتجاج العالمي المعاصر، فسأذكر اسم جيمس بالدوين، الأميركي - الافريقي، صاحب الكتاب المثير "لا أحد يعرف اسمي". فالقلائل- القلائل جدًا- في الوسط اليهودي هم الذين يعرفون أسماءنا وقضايانا.

ولا بُد من أن نضيف أن الثقافة المسيطرة في دولة الاحتلال هي ثقافة قادمة من أوروبا، وقد جلبت ليس التماهي مع هذه القارة وثقافتها فحسب، وإنما أيضًا العنصرية البيضاء.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.