انتبه! السيارة ترجع إلى الخلف

انتبه! السيارة ترجع إلى الخلف

06 نوفمبر 2014
+ الخط -

انتبه! السيارة ترجع إلى الخلف، حتى هذه الرسالة الصوتية التحذيرية التي تنطلق من السيارة وهي ترتدّ إلى الوراء، لم نعُد نسمعها أو ننتبه إليها إلا بعد أن تصطدم بأخرى، أو تودي بحياة إنسان، أو تحدث الكارثة.

نأبى، دائمًا، أن نكون الفِعْل، ونعشق ممارسة "ردّ الفِعْل"، بكل ما فيه من تنصّل من المسؤولية، وتبرير قميء للإهمال والفساد، وإشارة بإصبع الاتهام بعيدًا عنّا. فالطريق ليس مُعبَّدًا، والسائق ليس ماهِرًا، والسيارة متهالكة، مع أننا مسؤولون عن جميع ما سبق، ومع أنّ باقي أصابع الاتهام تشير إلينا، غير أننا الأنقياء غير الخطّائين، البرآء غير الفَسَدَة، اليقظون غير المهملين!

طريق بلا خارطَة، وقيادة بلا رؤية، وبلد بلا قانون، ومواطنون بلا كرامة أو حقوق، ماذا تنتظرون من وراء ذلك غير الكوارث والمصائب؟

مصر الأولى عالميًا في حوادث الطُّرُق والمرور، حيث تُخلّف الحوادث زهاء مائة ألف قتيل، وما يزيد عن سبعمائة ألف مصاب سنويًا، على الرغم من أنّ فيها مركزًا للقيادة الآمنة، يُعَدّ الثاني عالميًا في تقديم خدمة الارتقاء بسائقي السيارات السياحية، وتأهيلهم مهنيًا وفنيًا؛ لأنّ حياة السائحين، على قِلّتِهم في هذه الأيام، مصونة ومعتبرة في بلادنا، وتستحق أنْ نحافظ عليها بكل السبُل. أمّا حياة المواطنين، فلا تستحق أن نلتفت إليها. ويكفي أن تصرف الحكومة الرشيدة لأسرة كل ضحية ألفين أو خمسة آلاف من الجنيهات، تعويضًا في الحوادث الكبيرة التي تهزّ الرأي العام؛ حتى تمتصّ غضب الجماهير الذي سرعان ما يخبو، ويعود النّاس للتغريد داخل السرب الذي لا يحيد عن الأغنية الرسمية المقررة "تسلم الأيادي"، لإثبات الولاء والانتماء!

في أسبوع واحد، تسفر حادثتا سَيْر عن مصرع ما يزيد عن 30 طالبًا وطالبة؛ أسفرت الأولى عن مقتل حوالى 15 طالبة في جامعة سوهاج، إضافة إلى السائق، أثناء توجههم إلى الجامعة في منطقة الكوامل، وأسفرت الحادثة الثانية في محافظة البحيرة عن تفحّم 18 طالبًا، فضلاً عن إصابة العشرات، نتيجة اصطدام الحافلة المدرسية بناقلة وقود. ناهيكَ عن الحوادث اليومية المتكررة التي تودي بحياة التلاميذ في المدارس التي لم تعُد آمنة.

وحسب شهود العيان، لم تنتقل سيارات الإسعاف إلى موقع حادث جامعة سوهاج، إلا بعد ساعتين من الإبلاغ، ولم تكن استجابتها بالصورة الموازية لفداحة الكارثة. وهذا حال حكومتنا مع معظم الكوارث، لجان فحص وتحقيق، التضحية بكبش فداء، تبرئة المسؤولين، وإسكات أهالي الضحايا بتعويضات مخزية. في وقت تطلّ فيه علينا تصريحات رئيس هيئة الطُّرق والكباري بأن إصلاح الطرق يؤدي إلى زيادة حوادث السيارات! فماذا ننتظر؟!

أكادُ أجزمُ أنّ المصائب لن تَقلّ أو تتوقّف إلا إذا كانت هناك إرادة للإصلاح وإصلاح للإرادة وحُسن تخطيط وإدارة. وفي غياب ذلك، لن تمنحنا المسارات الخاطئة إلا مزيدًا من الكوارث على كافّة الأصعدة.

لم تعُد المدارس آمنة، ولم تعد الحافلات آمنة، وليست الطرقات آمنة، وما دامتْ كراسي المسؤولين آمنة، فكل شيء بأمان!

avata
avata
أحمد محمد الدماطي (مصر)
أحمد محمد الدماطي (مصر)