جندي مجنّد

جندي مجنّد

16 ابريل 2015
+ الخط -

كم رجوت أن أكون جندياً في حماية الوطن! وكم انتشيت طرباً لرؤية جندي في بزّته العسكرية. ولكن، لم يتح لي الشرف الذي رجوته، مع حماستي له، فكنت أغبط زملائي الذين أصابهم التجنيد، لكنّهم في المقابل كانوا يستغربون موقفي، ويتمنون المعافاة منه.
في مقطع مصوّر معروض عبر الشبكيّة (الإنترنت)، جاءت نبرة صوته مترعة بالألم وهو يقدم نفسه، قائلًا: "أنا جندي مجنّد أحمد فتحي أبوالفتوح سلّام ..."، وتابع ذكر محلّ إقامته في الدقهلية، وسلاحه، ورقم الكتيبة وموقع خدمته في كمين العبيدات، وظروف أسره من جنود من يسمون الدولة الإسلامية في ولاية سيناء.
لن تفلت من ذاكرتك نظرات الحسرة والأسى في عيني هذا المجند البسيط، لن تغيب عنك ملامحه المضمّخة بالألم والشقاء، فهو جندي مثل آلاف مثله، ساقته الأقدار لتكون خدمته في إحدى المناطق شديدة التوتّر في سيناء، وعلى قدر خطورة المكان، كان ينبغي أن يكون الاستعداد وجاهزية المواجهة والتعامل مع أي خطر قائم أو محتمل بصورة أكبر.
يحكي الجندي المجنّد قصّة وقوعه مخطوفاً عند مسلحي تنظيم الدولة، وكيف تعرّض الكمين للهجوم من المسلحين، وقصة استيلائهم على دبابتين وسلاح الكمين، وكيف تأخّر الدعم من الكتيبة التابع لها، وكيف هرب أحد الضباط بدبابته، بصحبة ضابط صفّ، من دون أن تتعامل الدبابة الفارّة مع المهاجمين، بل تركت الجنود البسطاء، ليلقوا مصيرهم المؤلم بين القتل والأسر المفضي إليه أيضاً.
ما أقسى تلك الأحاسيس في نفس مواطن، أو مجنّد يقتلون فيه أبسط معاني الوطنيّة والانتماء، ولا تترسّخ في نفوسهم عقيدة يدافعون عنها، سوى أن يكونوا وقوداً لحماية قادتهم في عروشهم الوثيرة، وإذا لاحظنا أنّه، في معظم الهجمات التي يقوم بها المسلحون، لا يفلت من ضرباتهم أحد، ما بين قتيل ومصاب، في وقت يعود المهاجمون أدراجهم بكل أريحيّة بلا خسائر، بل ويوثّقون هجماتهم، بمشاهد سينمائية عالية الجودة والإخراج، ما يعني أنهم هم المتحكّمون في المشهد، وليس قوات الجيش كما تدّعي، تلك القوات التي لا تتدخّل لإنقاذ أفرادها، بل تتدخّل فقط لإحصاء القتلى والجرحى وإصدار البيانات الإعلامية الهزيلة.
وكانت كلماته المخنوقة التي يحمّل فيها السيسي مسؤولية مصيره، قائلاً: (أنا ذنبي في رقبة السيسي)، عبارة يتهدّج صوته بها في حسرة مبكية، بصورة تعبِّر عن حجم الجرم الذي يتحمّله من هم في مواقع المسؤولية، بداية من رأس الدولة، وحتى قادة الجيش، صغاره وكباره. وليس ذنبه وحده في رقبتهم، بل إنّه يكرِّر (وذنب الجنود كلهم في رقبة السيسي، وحرق قلوب أمهم عليهم، كل ده في رقبة السيسي)!
فإذا لم يكن الجيش وقادته مسؤولين عن أمان جنودهم وحمايتهم، فمن المسؤول؟ وحين يستقر في خلد الجنديّ أنّه مجرّد رقم لا قيمة له، فلن تتشكّل لديه عقيدة قتالية راسخة يدافع عنها، وستنهار مقاومته التي يتغنون بها إعلامياً، عند أوّل مواجهة حقيقية. إنّ تصرفات قيادات الجيش، والزج بقواتنا في صراعات سياسية، وعسكرية خارج الوطن غير مأمونة العواقب، هي من تُدمر وحدته وتماسكه.
الرسالة التي وجهها الجندي المجنّد أحمد سلّام ستجِد طريقها إلى زملائه، وتفتّ في عضد البقيّة، إن لم تعيدوا للجندي المصري كرامته، وثقته بقادة جيشٍ يدافعون عنه. الجندي المصري يدافع بحماسة وعزّة وكبرياء، حينما يواجه أعداءه الحقيقيين الذين يعرفهم، وحين يغدو همّه الحفاظ على أرضه وتحقيق أمنها، أمّا أن يكون رديفاً لتحقيق أمن كيانٍ صهيوني غاصب، فيُهجر أهالي سيناء من قراهم ويدمِّر بيوتهم بدعوى محاربة الإرهاب، ويهيئ سيناء لتكون حديقة خلفية آمنة للأعداء، فذلك مكمن الخطر.


 

avata
avata
أحمد محمد الدماطي (مصر)
أحمد محمد الدماطي (مصر)