مناهج العربيّة بين التخفيف والتجريف

اللغة العربيّة سياجُ هُويَّتنا، ومناطُ عِزَّتنا وكرامتناِ، وهي الوعَاء الحافظ لتراث الأُمّة، وتاريخها. وهي لغة الشرعِ الحنيف، وأداة فهم نصوصه. وبالعربيّة، يتشكّل فكر المرء، ويقوى ولاؤه لأُمّتِه. وقد كان لزاماً مُطوِّري المناهج التعليمية مراعاة أن يكون محتوى مناهج اللغة العربيّة فاعلاً في بناء الشخصية العربية المسلمة، دافعاً لها للاعتزاز بتاريخها ودينها، والفخر بأعلامها الذين لهم دَوِيٌّ في سمع الزمان.

ومنْ هذا المنطلَق؛ يقع على القائمين على وضع المناهج، وتخطيط السياسات التعليمية عبءٌ كبير في تطوير المناهج، بما يُعزّز الولاء للأمّة، ويقوِّي الانتماء لحضارتها، والفخر بتاريخها. لكنّ الأخبار المتدَاولَة حول ما انتهت إليه لجنة تطوير مناهج اللغة العربيّة، من حذفها  موضوعات كثيرة، بدعوى التبسيط والتخفيف، تضع علامات استفهام كثيرة حول عمل اللجنة التي صرّحتْ، قبلاً، أنّها تهدف إلى تنقيح المناهج من الحشو والتكرار، وحذف أي موضوعات تحض على العنف والتطرّف، أو تشير إلى توجهات دينية أو سياسية، يمكن استغلالها بصورة سيئة.

لكنّ هذا الهدف الظاهر الذي أعلنته اللجنة يثير الاستغراب، حين نقيس عليه صنيعها؛ فما المبرر لحذفها موضوعات أصيلة في بناء شخصيتنا التاريخية، مثل موضوع "صلاح الدين الأيوبي" من منهج الصف الخامس؟ وما الدافع لتجريفها قِصّة عقبة بن نافع بحذف ستة فصول منها، خصوصاً التي تتعلّق بعبقريته الحربية، وعزله، ثم عودته إلى القيادة مرة أخرى، ووقفته التاريخية أمام المحيط ومناجاته الرائعة له قائلاً:" أيها البحر الزاخر... إنّ في نفس المسلم من قوة الإيمان والعزيمة ما في موجك الصاخب من قوة التلاطم والاندفاع، وإذا كانت القرون تمرّ بك، فلا تزداد إلا عظمة وجلالاً، فإن الإسلام سيظلّ في خلوده وبقائه رائعاً كموجك المتجدد، صافياً كمائك النَّقي.... إلخ) [ قصة عقبة بن نافع، الفصل 21 ص 111] فهذا نموذج من أحد الفصول التي حذفتها اللجنة الموقَّرَة.
الهدف المُعلَن لنا من تنقيح مناهج اللغة العربية تجاوز مسألة التبسيط والتخفيف إلى التجريف، ما يُسهم في إصابة أبنائنا بأمراض الهشاشة الثقافية، ويُضْعِف بناءهم المعرفي، وقدرتهم على الصمود في مواجهة موجات التغريب. وأشدّ ما أخافه أن يكون هذا التجريف خطوة مرحلية، تتبعها خطوات أخرى، قد تنحو نحو "التحريف" و"التزييف"؛ تزييف الوعي وتشويه التاريخ بصورة تؤدي إلى زعزعة الانتماء للأمة، وتسفيه الاعتزاز بحضارتها السامقة وتاريخها التليد.