المكتبة ودورها الحضاري

المكتبة ودورها الحضاري

24 مارس 2015
+ الخط -
قديماً قالوا: الكتاب خير صديق؛ وأفضل الأماكن لصحبة هذا الصديق هي المكتبة، وسياسات الأمم المتحضرة تعمل على تدعيم أواصر الصداقة بين شعوبها والكتاب، وتيسِّر كل السبل لاستثمار هذا التواصل الفعّال في تحقيق نهضتها. ولكن، وآهٍ منها (لكن) في بلدنا أمّ العجائب، يحتاج المرء إجراءات كثيرة، لتتيسّر لك مقابلة هذا الصديق الغالي، وربما لا يرحِّب بكَ حُجّاب بيته، إلا بعد أن تدفَعَ لهم الرسوم المقررة لإجراء تلك الزيارة.
ألم يكُن هناك مشروعٌ وطنيٌّ شعاره (القراءة للجميع)؟! بلى كان. ولكن، كل الممارسات كانت تعارض هذا الشعار المعْلَن، وما زالتْ حتى بعد الهبَّات الثورية التي اجتاحت الوطَن، لم نُعِد للمكتبة، ولا للكتاب اعتباره، بل وضعنا الحواجز والعراقيل البيروقراطية للحيلولة دون الوصول الآمن إلى الكتاب والمكتبة، وبالتالي، أسهمنا في محاربة البحث العلمي والثقافة، وكُنّا ضالعين في نشر مزيد من الجهل والفقر المجتمعي.
في فبراير/شباط 2014، كنتُ في زيارة لإحدى الجامعات التركية الحديثة، ووجدت للمكتبة حضورها الرائع، بمبناها الكبير بطوابقه الخمسة، وساعات عملها التي تستمر حتى الحادية عشرة مساءً.
وفي حوار مع أحد أصدقائي الذين يدرسون في جامعة نيويورك، كُنّا نتحدّث عن دور المكتبة في النهضة الحضارية لبعض المدن الإسلامية التي حملت مشعل الحضارة فترة، مثل: بغداد في العراق، وقرطبة في الأندلس، وسألته عن حال المكتبة في جامعته الأميركية، فأجابني: مبنى المكتبة يضم عشرة طوابق، وتعمل 24 ساعة في اليوم، فدُهشتُ، لكون المكتبة لا تغلق أبوابها على مدار اليوم والليلة؛ فتدخّل ليعرض الصورة بمزيد من الدقة، قائلاً: ولكنّ الفترة بين الثانية صباحاً، والسابعة صباحاً لا تشهد إقبالاً كثيفاً، ولكن قاعات الاطلاع والمذاكرة بالمكتبة تبقى متاحة للطلاب والباحثين كل الوقت.

جعلتني هذه الأخبار أوقن مدى احترام الأمم المتقدمة للمكتبة والكتاب والبحث العلمي، وفي الوقت نفسه، زادتني ألماً وإحساساً بالمرارة لواقع المكتبات في بلدنا مصر، والإجراءات التعسفية التي تفرضها إدارات المكتبات الجامعية، بفرض رسوم مالية في مقابل الاطلاع في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تطحن الباحثين، فهل نرجو بعد ذلك نهضة ورفعة؟
نحن نهدر أعظم ثروة بشرية في المجتمع بهذه الإجراءات الظالمة، وندفع المجتهدين للهرَب من هذا الجوّ الخانق للبحث والإبداع، فنسلّم أكثر العقول كفاءة لبلادٍ أخرى، تستفيد بها ويخسرها الوطَن.

avata
avata
أحمد محمد الدماطي (مصر)
أحمد محمد الدماطي (مصر)