بيان "حماش" والرّماد الساخن

بيان "حماش" والرّماد الساخن

02 ابريل 2015
+ الخط -

"عاشتْ مصر سالمة آمنة"، بهذه العبارة الدّعَائية، ختمت حركة مقاومة الإخوان الشعبية (حماش)، بيانها التأسيسي الحافِل بالوعيد والتهديد ودعوات الانتقام من أتباع جماعة الإخوان التي ينعتونها بالإرهابية. وأعلنتْ صحف مصرية، في توقيت متزامن، خبر تدشين الحركة. وجاء وصف "المصري اليوم" مؤسسيها بأنهم (مجموعة من الشباب المصري)، محاولة لشرعنَة مسعاها، فهم شباب، وليسوا مخرّبين أو بلطجية، أو إرهابيين، وهم (مصريون) وطنيون، وليسوا عملاء أو خَونَة، أو تابعين لأجندات خارجية. وغاية ما تسعى تلك الحركة إليه مواجهة ما وصفوه بإرهاب تنظيم الإخوان وفروعه.
والسؤال القائم: إذا كانت تلك الحركة تسعى إلى مواجهة الإرهاب، فهل تخلَّتْ الأجهزة الأمنية، بفروعها المختلفة، عن إقرار الأمن ومحاربة الإرهاب؟ وهل تمنح الدولة تفويضاً من الباطِن، أو ضوءاً أخضر لمجموعات سريّة، بدعوى تحقيق الأمن ومحاربة الإرهاب؟
برّرتْ الحركة دافع تأسيسها بأن الأمن يقف عاجزاً أمام العمليات الإرهابيّة، وأنّها القادرة على التصدّي لإرهاب جماعة الإخوان؛ ولذلك، شكّلت لجاناً للبحث والتحري، وحصلت على بيانات أسر الإخوان وأرقام هواتفهم، وبيانات سياراتهم في عدّة محافظات، وأصحاب هذه البيانات سيكونون في مرمى نيران الحركة، إن لم يتوقف الإرهاب.
كما وضعتِ الحركة من بين مبررات تأسيسها (الأحداث التي مرت على مصر، بعد ثورة يناير 2011، بدايةً من استيلاء جماعة الإخوان على السلطة، ومروراً بوصولها إلى الحكم، وارتكابها جرائم عديدة في حق مصر والإسلام، الأمر الذي أدى إلى الثورة عليهم)، فهل كانت آلية وصولهم إلى السلطة عن طريق (الانتخابات) آلية غير ديمقراطية؟ أم أنّ صناديق الاقتراع لا تمنح حاكماً شرعيّة في بلادنا الديمقراطية! والمسار الوحيد الذي يمنح الشرعية هو (الأمتار المُربَّعة) وحشود الميادين التي بلغتْ (30 مليوناً أو 33 مليوناً أو 40 مليوناً)، على اختلاف تقديرات المُحْصين، والتي تفوق شرعية الصناديق التي يؤثّر فيها الصوت الواحد! ولهذا، لم يكن وصول محمد مرسي إلى الحكم بإرادة حُرّة نزيهة، خصوصاً بعد أن تواترتْ الأنباء بأنّ هناك تلاعباً من لجنة الانتخابات لصالح إعلان فوزه على منافسه أحمد شفيق.
أمّا الجرائم التي ارتكبها "الإخوان" في حقّ مصر والإسلام، فليس أمامَكَ إلا أن تراجع وسائل الإعلام في فترة حكم مرسي، وأطنان الأكاذيب والشائعات التي كانت تُلقَى على الشعب يومياً، حتى أصبحت من الأمور المستقرّة في الوجدان الجمعي، وإنْ ثبتَ كذبُ معظمها.
ولمّا كان الأمن عاجزاً عن الوقوف أمام (أكبر جريمة تنتهك المواطن المصري في تاريخه كله)، حسب نص البيان، فإنّ الحركة هي التي ستتصدّى لذلك، لكنّها لم توضِّح لنا إن كانت ستتصدّى، أيضاً، للانتهاكات التي تحدث للمصريين الذين تُهدَر كراماتهم في أقسام الشرطة، وجرائم قتل المتهمين داخل محابسهم، أو أماكن الحجز الاحتياطي جراء التعذيب، وانتهاك آدمية الإنسان؟
وتؤكّد الحركة، في ما نُقل عن أمينها العام المدعو المهندس أبو رياض، أنّها تنظيم سِرّي، حيث ذكر بيانها (أنّ هناك اتفاقاً سرياً بين مؤسسيها على أن تكون الحركة سرية، حتى تستطيع القيام بمهامها). ولم يُثرِ هذا الإعلان الصحيفة باستنكار قيام تنظيم سري يتبنى العنف، وهو أمر غير مقبول عرفاً ولا قانوناً.
وقد أعلنتْ الحركة أنها ستتخذ الإرهاب وسيلة للمقاومة، حيث قالت: "نظراً لأننا حركة مقاومة ضد الإرهاب، ولأن الإرهاب لا يمكن مقاومته إلا بإرهاب مماثل، كان الهدف الرئيسي لنا الذي اتفقنا عليه هو الضرب بقوة على يد عناصر الإخوان، لمنعهم من القيام بأي عمل إرهابي، ونحن نعطي لها الفرصة مدة خمسة أيام لتتراجع عن عملياتها الإرهابية"
أعاد بيان "حماش" إلى الأذهان مجموعات "البلاك بلوك" التي نشطت إبان حكم محمد مرسي، واستضافت وسائل الإعلام بعض عناصرها، ثم اختفتْ، عقب أحداث 3 يوليو/ تموز 2013. كما أعاد إلى الأذهان، أيضاً، حركات لا تزال قائمة وتنتهج العنف سبيلاً للتغيير والمواجهة، مثل "حركة العقاب الثوري" التي تأسست في يناير/ كانون الثاني الماضي، وتبنّت أعمال استهداف بعض المنشآت، وأفراد الشرطة والقضاة... إلخ، وقبلها حركة " كتائب حلوان" المسلحة التي أعلنتْ أنها سئمتْ سلمية الإخوان، ورأتْ أنّها اضطرّت لاستخدام السلاح لاستهداف الشرطة، والقصاص للشهداء. فهل تأخذنا هذه الحركات إلى تأسيس مرحلة جديدة تزداد سخونة، وتُؤذِنُ بإشعال فتيل حرب أهلية، في ظل غياب القانون، وغياب الدولة بالتبعية؟
وهل ستضطلع المؤسسات الأمنيّة بدورها في تتبّع هذه الحركة، ورصد تحركات عناصرها الانتقامية، حفاظاً على أمن المجتمع، في وقت اختلطتْ فيه المعايير والقيَم، واحتكم أفراده للشائعات، وزادت فيه حدّة الانقسام، وكثُرتْ حوادث (الفرز على الهُوية)، واستهداف المخالفين فكرياً وسياسياً؟ أم ستوفّر الدولة وإعلامها غطاءً للعمليات المرتَقَبَة لحركة "حماش"، ويعلنون أنّ منفذيها مواطنون شرفاء؟

 

avata
avata
أحمد محمد الدماطي (مصر)
أحمد محمد الدماطي (مصر)