Skip to main content
الحيوانات الأليفة... مؤنسة الجيل الجديد من الصينيين
علي أبو مريحيل ــ بكين
سيلفي مميزة مع كلبة (هكتور ريتامال/ فرانس برس)

حتى وقت قريب، كان الصينيون يأكلون كل ما يسير على الأرض من أنعام ودواب، وعرفوا أيضاً بأكل الحيوانات البرية والقطط وطهي الكلاب، لذا حمّلتهم بعض المجتمعات أخيراً مسؤولية انتشار وباء كورونا في العالم، وانتقاله إلى الإنسان من خلال تناول مأكولات غريبة، وهو ما رفضه الصينيون، مبدين انزعاجهم من هذه المآخذ عليهم، والتي يصرّون على أنها لا تستند إلى وقائع حاسمة ومثبتة. 
والحقيقة أن هذه العادات تراجعت مع مرور الوقت أمام الغزو الغربي وتأثر الجيل الجديد بالثقافات الأجنبية. وأبرز ما تسلل إلى المجتمع الصيني ظاهرة تربية الحيوانات الأليفة، ما حوّل الكلاب من وليمة على موائد الطعام إلى إحدى أكثر الكائنات دلالاً، إذ لا يكاد يخلو بيت من كلب أو قطة، حتى إن أصحابها ينفقون مبالغ ضخمة تصل إلى نحو 70 مليار دولار سنوياً على تربية الكلاب فقط.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن الصين تضم 172 مليون كلب أليف. وتظهر بيانات أصدرتها الجمعية الصينية للرفق بالحيوان أن حوالى 73.55 مليون شخص في المناطق الحضرية يملكون حيوانات أليفة، ما يعني أن نحو 9 في المائة من إجمالي 814 مليوناً من سكان المدن لديهم حيوانات أليفة. وتكشف البيانات أيضاً أن أكثر من 85 في المائة من أصحاب الكلاب والقطط هم من النساء، ونصفهم حاصل على درجة بكالوريوس، وأن غالبية أصحاب الحيوانات الأليفة تنتمي إلى الأجيال الجديدة التي ولدت بعد عام 1990.

صحة
التحديثات الحية

احتياج عاطفي
تقول تانغ مي البالغة 25 من العمر والتي تربي كلباً عمره ثلاث سنوات اقتنته بعدما تخرّجت من الجامعة لـ "العربي الجديد": "اضطررت بعد تخرجي للعمل في مدينة أخرى بعيداً عن أهلي فشعرت بالوحدة وقررت اقتناء كلب على غرار زميلاتي في الجامعة، كي أقضي معه أوقاتاً طويلة. ثم تعلقت به حتى بت لا أستطيع الاستغناء عنه". تضيف: "في السابق كان الناس يربون الكلاب من أجل الغذاء أو لأغراض تتعلق بالحراسة والصيد. أما اليوم فهي صديقة وفيّة للإنسان، وتعوّض أحياناً الفترات الطويلة التي نقضيها بعيداً عن الأهل والأصدقاء".
وعن تكاليف رعاية كلبها توضح تانغ أن "الغذاء والكشوف الطبية الدورية يشكلان أساس النفقات المادية التي لا تقل عن 800 يوان صيني (125 دولاراً). أما تكاليف الكماليات فتعتبر أعلى وأكثر تطرفاً، مثل استئجار مؤنس للكلب إذا انشغل صاحبه، إذ إن ثمن الساعة الواحدة 150 يوان (23.5 دولاراً). وفي حال الموت هناك تكاليف تتعلق بمراسم الدفن، علماً أن بعض أصحاب الكلاب الأثرياء قد يدفعون 10 آلاف دولار لشراء قبر للكلب".

من البرجوازية إلى القيم
تاريخياً، وتحديداً في عهد الزعيم الراحل ماو تسي تونغ، كان الرفق بالحيوان في الصين أحد مظاهر البرجوازية، ونظر الحزب الشيوعي إلى الأشخاص الذين يربّون الكلاب والقطط على أنهم متأثرون بمجتمعات الدول الإمبريالية. من هنا نشأت أجيال غير مبالية بالحيوانات، علماً أن دراسة استقصائية أجريت عام 2011 كشفت أن 85 في المائة من الأجيال الصينية القديمة لم تسمع بمفهوم "الرفق بالحيوان"، بينما رأى 32 في المائة من المستفتين أن الحيوانات ليست حساسة مثل البشر، ولا تشعر بألم وعاطفة، وتشارك الإنسان في احتياجات الطعام والماء فقط. ودأب الصينيون سابقاً على رفض انتقادات دولية وجهت لتنظيمهم مهرجانات تشهد قتل كلاب وتناول لحومها، وبينها مهرجان في مدينة يولين.

الصورة
جلسة تصوير لكلب وصاحبه (وانغ غانغ/ Getty)

أما اليوم، فتغيّرت الصورة، وأصبحت الصين إحدى أكبر دول العالم في تربية الحيوانات الأليفة. وفي عام 2006، أصدرت بكين مبادئ توجيهية في شأن معاملة الحيوانات، والتي ذكرت للمرة الأولى في تاريخ البلاد ولوائحها الرسمية عبارة "رعاية الحيوان". وبعد عامين، تجمّع أكثر من 40 ناشطاً في بكين للاحتجاج على طهي القطط الحيّة في مقاطعة غوانغدونغ الجنوبية. وفي عام 2020، بعد كشف انتشار فيروس كورونا في مدينة ووهان، حظرت السلطات للمرة الأولى نقل وبيع الحيوانات البرية، وأغلقت كل الأسواق التي تتاجر بها. وذكرت في بيان أن "القانون الجديد لا يستند فقط إلى مخاوف تتعلق بالصحة العامة، بل يراعي أيضاً القيم الأخلاقية".
تعلّق الناشطة الحقوقية شياو لين على هذا التحوّل في الآراء والتصرفات بالقول لـ"العربي الجديد": "لم يتأثر جيل الشباب بالأيديولوجيا التي كانت سائدة في حقبة ماو تسي تونغ، كما جلب انفتاح الصين وتعاونها الدولي مع جمعيات حقوقية مفاهيم رعاية الحيوانات من الخارج، وتنامت حركة حماية الحيوانات في الداخل، خصوصاً بين الأجيال الشابة". وتتابع أن "إنشاء الجمعية الصينية لحماية الحيوانات عام 1992 شكّل خطوة أولى أسست لكل ما جاء بعدها. وقد انتشرت ظاهرة تربية الحيوانات الأليفة في الصين بسرعة خلال فترة زمنية قياسية إلى درجة يصعب فيها تحديد حجمها الفعلي في أنحاء البلاد".

وتلفت شياو إلى أن "الرفق بالحيوانات ثقافة متأصلة في المجتمع الصيني منذ بداية ظهور البوذية التي نبذت القتل والعنف، ودعت إلى فكرة المساواة بين كل الكائنات، علماً أنه يجب الحفاظ على ميراث الأخلاق الصينية التقليدية، وإبرازها في المجتمع". وتشدد على أنه "رغم أن الصين قطعت شوطاً مهماً في مسألة رعاية الحيوانات، فهي لا تزال تحتاج إلى جهود حثيثة لجعل فكرة الرفق بالحيوان عميقة في قلوب مواطنيها وعقولهم".