Skip to main content
ماذا وراء تراجع مظاهر العصيان المدني في السودان؟
عبد الحميد عوض ــ الخرطوم
طلاب مدرسة يجلسون أمام طريق قطعه مناهضو الانقلاب في الخرطوم (Getty)

لم تكن الاستجابة لدعوات العصيان المدني والإضراب الشامل، اليوم الإثنين، كما كانت عليه في الأيام التالية للانقلاب العسكري، ما يطرح تساؤلاً عن مدى قدرة الشارع على الصمود في مواجهة الانقلاب.

وعادت الحياة إلى طبيعتها في الخرطوم، اليوم، بصورة شبة كاملة، وشهدت الشوارع الرئيسة اكتظاظاً في حركة المرور، وفتحت كثير من المدارس أبوابها للتلاميذ، كما أن البنوك والمصارف أخذت تعمل بصورة طبيعية، وكذلك الحال في المؤسسات الحكومية والخاصة، حتى الصحف التي توقفت كلياً لأكثر من 10 أيام استأنفت الصدور، عدا صحيفة الحراك وصحيفة الديمقراطي اللتين صادرتهما سلطات الانقلاب.

مواكب وإغلاق طرق

بالتوازي مع ذلك، وبعيداً عن مبدأ العصيان المقصود به شل الدولة ومؤسساتها، يصر الثوار في الميدان ولجان المقاومة في الأحياء على المواصلة في خط التصعيد المناهض للانقلاب والإصرار على إسقاطه مهما كانت الكلفة والثمن. وقد شهد عدد كبير من مدن السودان، مثل الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، وكوستي ومدني ودنقلا ونيالا وعطبرة وغيرها، مواكب طوال يوم أمس، واستمر إغلاق الطرق في الخرطوم بصورة كبيرة في الفترة المسائية، ويتوقع خروج تظاهرات ليلية خلال اليوم، ومن اللافت جداً أن الشارع بدأ يتحرك دون صدور دعوات له من الأجسام السياسية والنقابية، ويعتمد فقط على التنسيق داخل الأحياء، خصوصاً مع استمرار قطع خدمة الإنترنت منذ اليوم الأول من الانقلاب وحتى الآن، ورغم ذلك بدأت التساؤلات لماذا ضعفت الاستجابة للعصيان المدني اليوم.

أسباب التراجع

ويقول سامي الباقر، القيادي بلجنة المعلمين الموالية لتحالف الحرية والتغيير، إن ما حدث من انخفاض درجة العصيان المدني والإضراب الشامل، يعود إلى محاولات الانقلابيين كسر شوكة العصيان، تحديداً في قطاع التعليم، بفصل مديري التعليم بالمحليات ومديري المدارس عن العمل وتعيين كوادر في النظام السابق في مكانهم، كما استخدم الانقلابيون القوة تجاه بعض المعلمين لإجبارهم على العودة إلى العمل، مثلما حدث باعتقال 119 معلماً أمس الأحد، وإطلاق سراحهم اليوم الاثنين من دون توجيه أي اتهام لهم، ما يعني حقيقية أن الاعتقال لم يكن قانونياً، مشيراً إلى أنه ورغم كل ذلك التعسف لا تزال هناك استجابة جزئية للاعتصام الذي سينتهي اليوم، وستلجأ لجنة المعلمين وبقية النقابات إلى وضع جداول جديدة لمناهضة الانقلاب حتى إسقاطه.

الهشاشة المعيشية التي تحاصر السودانيين لا تمكّنهم من البقاء في منازلهم لأكثر من 4 أيام، خصوصاً أن معظمهم يعتمدون في معيشتهم على رزق اليوم باليوم

ويشير الباقر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك أسبابا أخرى لحالة البرود الحالية، منها الوساطات المطروحة للحلول والأحاديث عن عودة حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، مؤكداً أن الشارع والمجموعات النقابية تنتظر ما تسفر عنه تلك الوساطات، وأن أي خطوة غير مدروسة من جانب الانقلابيين بتشكيل حكومة بطريقة أحادية، ستزيد الزخم المتقدم في رؤيته حتى على الأحزاب والتنظيمات المهنية والنقابية. وأضاف أن الشارع وحده "هو ورقة قوة دعاة الحكم المدني، وسيظل كذلك مستخدماً كل أدواته المجربة من عصيان إلى إضراب إلى وقفات احتجاجية وتظاهرات داخلية ومواكب مليونية، حدد لواحدة منها السبت المقبل، في عموم مدن وأرياف السودان".

يؤكد من جهته المحلل السياسي علي ميرغني، أن كافة المؤشرات تدل حتى الآن على عدم نجاح العصيان المدني، وأن الاستجابة اليوم أظهرت ضعفاً بائناً سواء في الخرطوم أو بقية المدن، بما فيها المدن الكبيرة، مثل مدني والدمازين والأبيض والجنينة، لافتاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن حملة الاعتقالات التي طاولت عددا من الرؤوس المحركة للشارع أثّر على مجمل الحراك الثوري، كما أن إحساس الشارع بالملل من التجاذبات السياسية ساهم في عدم تعاطيه مع دعوات العصيان، عدا عن الهشاشة المعيشية التي تحاصر السودانيين بحيث لا تمكنهم من البقاء في منازلهم لأكثر من 4 أيام، خصوصاً أن معظمهم يعتمدون في معيشتهم على رزق اليوم باليوم.

ونبه ميرغني إلى أن عدم الاستجابة للعصيان لا يعني مطلقاً تأييد ما قام به قائد الجيش السوداني، أو رغبة الشارع في استمراره بالحكم، خصوصاً أن البرهان وجد نفسه في ورطة حقيقية جعلته غير قادر على فعل أي شيء بعد تنفيذ الانقلاب، فهو لم يجد حتى الآن شخصية تقبل بمنصب رئيس الوزراء، على كثرة الأسماء التي رُشحت للمنصب، فالكل يعتقد أن الموافقة على المنصب بمثابة انتحار سياسي، وذلك مع صعوبة الآثار التي خلفها قرار الانقلاب، داخليا وخارجياً.

أما كمال الأمين، مسؤول الدائرة القانونية في حزب المؤتمر السوداني، الشريك الرئيس في حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، فيرى أن العصيان المدني لا يمكن قياسه الآن بصورة صحيحة في ظل انقطاع التواصل بين المركز والولايات، خاصة أن الشعب السوداني يتمتع بقدر عال من الذكاء، وهو الآن في حالة ترقب وانتظار بعين فاحصة لما تسفر عنه المبادرات والوساطات من نتائج: إنْ لبتّ مطالبه وشروطه، فسيبقى في مكانه، وإن جاءت النتائج عكس ذلك فيعود أقوى وأكثر تماسكاً.

ويضيف الأمين، لـ"العربي الجديد"، أن الشارع السوداني مستعد تماماً للمواكب المليونية المعلنة يومي 13 و17 من الشهر الجاري، وهو ما يركز عليه الآن، ضمن جداول التصعيد التي تشمل حتى الاعتصامات في الميادين العامة، مؤكدا أن الشعب سيكرر ما فعله في 21 و30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي رفضاً للانقلاب ودعماً للحكم المدني، ولن يقبل بزخمه الحالي، وبكافة أطيافه وتوجهاته، بأقل من حكومة مدنية كاملة غير منقوصة.    

جامعة ثالثة تعلق الدراسة

في المقابل، انضمت جامعة الجزيرة، اليوم الاثنين، لجامعتي الخرطوم والبحر الأحمر بتعليق الدراسة بالجامعة لأجل غير مسمى حفاظا على سلامة طلاب ومنسوبي الجامعة.

وذكرت الجامعة في بيان لها، أن "قوات تابعة للانقلاب العسكري اعتدت على مكتب مدير الجامعة وأتلفت بعض محتوياته وأرهبت العاملين في الإدارة، وألحقت الأذى المادي والمعنوي بما يجعل سلامة الجامعة يتهددها خطر كبير"، وحملت السلطات الأمنية "مسؤولية سلامة مباني ومنسوبي وممتلكات ومستندات الجامعة"، وأشادت الجامعة "بصمود كل معتقلي الجامعة في ظل طوارئ انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر بمن فيهم عميدا كليتي التربية والقانون ومن استمر اعتقالهم بسجن مدني"، وطالبت "بالإطلاق الفوري لسراحهم وسراح كل معتقلي الانقلاب الغاشم".

وأشارت إلى أن "ممارسات الانقلاب القمعية شملت الاعتداء على الحرم الجامعي والسكن الطلابي وإذلال الطلاب وضربهم... والتعدي على مكتب مدير الجامعة وتفتيشه والعبث بمحتوياته ظهيرة اليوم الاثنين، بجانب الاعتقالات المستمرة منذ وقوع الانقلاب التي شملت عددا من العمداء وأعضاء في تجمعات الأساتذة والتقنيين والمنسوبين".