Skip to main content
جمعية القضاة التونسيين تستنكر غياب أفق الحوار مع السلطة لحل الأزمة القضائية
العربي الجديد ــ تونس
من وقفة احتجاجية سابقة لجمعية القضاة التونسيين (Getty)

استنكرت جمعية القضاة التونسيين "انسداد كل أفق للحوار مع السلطة التنفيذية حول سبل فك الأزمة القضائية وإنصاف القضاة المعفيين ظلماً"، وحذرت من "العواقب الوخيمة من غياب الحلول العاجلة ضمن الأطر المؤسسية لمثل هذه الأزمة غير المسبوقة، والتي تولدت عن خرق بين للقوانين، وآلت إلى تكريس المظالم في غياب الملفات المؤسسة لأغلب القضاة المعفيين".

واعتبرت الجمعية أن "الأزمة حركتها نزعة التنكيل والتشفي وتصفية الحسابات الشخصية في إلغاء تام لمنطق الدولة والمساءلة والمحاسبة ضمن الأطر الشفافة والقانونية وفي استبطان لرغبة واضحة في الهيمنة على القضاء". 

وأعلنت الجمعية "الانطلاق في مشاورات موسعة بخصوص الأشكال النضالية الأخرى في المرحلة القادمة في إطار وحدة الصف".

وذكّر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين، في بيان له، بتفاصيل الأزمة، حيت تولى رئيس الجمهورية بتاريخ 1 يوليو إصدار الأمر عدد 516 القاضي بإعفاء 57 قاضياً خارج كل إطار إجرائي تأديبي ودون كفالة حق الدفاع والمواجهة في خرق لقرينة البراءة وبناء على مؤاخذات غير معلومة ولا محددة. 

وأصدر بنفس التاريخ، وبعد اتخاذ قرارات الإعفاء للمرسوم عدد 35 الذي أسند بمقتضاه لنفسه صلاحية تأديب القضاة وإعفائهم المباشر بناء على مفاهيم فضفاضة ومبهمة مثل "المساس بالأمن العام" وبـ"المصلحة العليا للبلاد"- كل ذلك بعد حل المجلس الأعلى للقضاء، الهيكل الدستوري الضامن لحسن سير القضاء واحترام استقلاله خارج كل سند قانوني ودستوري، بما مثل استهدافاً ممنهجاً للقضاء انبنى على جملة من الإجراءات والقرارات التي آلت مجتمعة إلى إلغاء كل الضمانات الهيكلية لاستقلال السلطة القضائية والضمانات الشخصية لاستقلال القضاة وللتفريق بين السلطات كأحد الأعمدة الأساسية لدولة القانون وللنظام الديمقراطي".

وأورد البيان أن "الدستور المستفتى عليه يحتوي على رؤية انتقاصية للقضاء، جوهرها إجهاض مشروع السلطة القضائية المستقلة واستبداله بالقضاء الوظيفة؛ في عود على البدء لتصور القضاء كجهاز ضعيف تابع للسلطة التنفيذية لم يصنع في تاريخ بلادنا توازناً بين السلطات، ولم يحم الحقوق والحريات ولم يؤسس لدولة القانون".

وقال البيان إن المكتب التنفيذي "في هذا السياق الشديد الصعوبة، يذكّر الرأي العام بأن مذبحة الإعفاءات قد آلت إلى تصفية عدد هام من قضاة النيابة العمومية وقضاة السلسلة الجزائية الذين بلغ عددهم أكثر من 30 قاضياً، ومنهم الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بتونس ووكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس وقضاة التحقيق والمجلس الذين تمسكوا بتطبيق القانون بحيادية وبمقتضى الإجراءات القانونية السليمة بعد 25 يوليو2021، والذين لم يخضعوا إلى الضغوطات السياسية العلنية وللتعليمات المباشرة بواسطة وزيرة العدل، ولم يستسلموا تحت وطأة حملات السحل الالكتروني عبر صفحات مشبوهة محسوبة على رئيس الجمهورية وفي ظل إفلات كامل من العقاب".

وأكد القضاة أنه "منذ 1 يونيو 2022/ وبعد مجزرة الإعفاءات التي أفرغت دائرة محكمة تونس الكبرى من محكمة الاستئناف بتونس والمحكمة الابتدائية بتونس والمحكمة الابتدائية بمنوبة والمحكمة الابتدائية بأريانة من رؤساء النيابة العمومية ورؤساء المحاكم، وكذلك في عدد من المحاكم الداخلية كالمحكمة الابتدائية ببنزرت، ومحكمة الاستئناف بها، والمحاكم الابتدائية بنابل وزغوان والكاف وقفصة، أصبحت السلطة التنفيذية منذ ذلك التاريخ هي التي ترأس مباشرة وبصفة فعلية النيابة العمومية وتتولى إدارة المحاكم، بما يشكل خطرا محدقا بالحقوق والحريات، يتمثل في تدخل السلطة التنفيذية في عمل السلطة القضائية واستحواذها على صلاحياتها وبسط هيمنتها ونفوذها عليها في ظل جو خطير من التهديد للقضاة والتلويح بمزيد من إصدار قائمات في عزلهم وتكوين الملفات المفتعلة ضدهم من الجهات المخولة من أجل الضغط عليهم وترهيب كامل الجسم القضائي".  

وتوجه البيان بالتحية لـ"صمود وتحركات القضاة في مواجهة هذه المحنة القضائية غير المسبوقة، لا في تونس ولا في غيرها من بلدان العالم، ضمن وحدة الصف القضائي والهياكل الممثلة وفي موقف مشهود من خلال تعليق العمل بالمحاكم، رغم ما ترتب عن ذلك من إجراءات تنكيلية من قبل وزارة العدل بقطع شبه كامل ودفعة واحدة في شهر يوليو 2022 لمرتبات القضاة الملتزمين بالتحركات، في استهداف للأرزاق دون مراعاة القواعد القانونية والإنسانية ذات الصلة بالصبغة المعاشية، ونسب الخصم منها في هذه الحالات وبقاء القضاة رغم كل ذلك متآزرين في مد تضامني تاريخي وعياً منهم بخطورة المرحلة وبأهمية دورهم ومواقفهم فيها".

وعبّر البيان عن "احترامه وتقديره لتواصل التحركات في شكل إضراب الجوع الذي قرر خوضه عدد من القضاة المستهدفين بقرارات الإعفاء بعد تعليق إيقاف العمل بالمحاكم"، كما أشاد "بشجاعة القضاة حمادي الرحماني ورمزي بحرية ومحمد الطاهر الكنزاري وقيس الصباحي وأحمد العبيدي، الذين خاضوا هذا الشكل النضالي الراقي ووضعوا مصائرهم في ميزان الحياة والموت  وضحوا بأجسادهم دفاعاً عن حق القضاة في المساءلة ضمن مسارات تأديبية شفافة تكفل حق الدفاع والمواجهة، ودفاعاً عن استقلال القضاء والقضاة من التبعات الخطيرة للمرسوم عدد 35 الذي ينزع كل أمان عن القضاة في تطبيق القانون بقوة وباستقلالية وحيادية ويدفعهم تحت ضغط الإعفاء إلى القضاء طبق التوجهات العامة للسلطة التنفيذية وإرادتها".  

وسجل القضاة "باعتزاز توفق القضاة في الكشف على حقيقة المذبحة القضائية التي أُريد تسويقها تحت عناوين الإصلاح القضائي ومحاربة الفساد في حال أنها استهدفت في عمقها العديد من شرفاء القضاء الذين لم يكن لهم من ذنب سوى الاضطلاع بمهامهم في تطبيق القانون باستقلالية وحيادية دون أي اصطفاف أو تبعية، أو التعبير عن آرائهم الرافضة لتدخل السلطة التنفيذية في القضاء". 

وعبّر عن "تثمينه للأثر الذي تركته تحركات القضاة في الإقناع بعدالة القضية في بعدها الوطني والإنساني، وكشف مخطط استهداف استقلال القضاء من خلال مذبحة الإعفاءات، بما جلب للقضاة المساندة العريضة على المستوى المحلي والدولي وبما كسر العزلة التي أريد وضع القضاة فيها لمزيد الانفراد بهم وإنزال مزيد من المظالم عليهم".

ونوه القضاة إلى "تشكل حزام مدني وديمقراطي وطني واسع من حول القضاة التونسيين وهياكلهم في هذه الأزمة لدعم مبادئ استقلال القضاء والحق في الدفاع وفي المحاكمة العادلة؛ تألف من اللجنة المدنية للدفاع على استقلال القضاء التي ضمت نخبة الحقوقيات والحقوقيين التونسيين وأساتذة جامعيين ومحامين وإعلاميين وقضاة".

ودعا القضاة، السلطة التنفيذية إلى "مراجعة مواقفها رفعاً للمظالم وإعلاء للحق والقانون وفتح باب الحوار البناء لبحث الحلول المناسبة والممكنة للوضع الدقيق والحرج المترتب على أزمة الإعفاءات ولوضع حد لهذه المأساة الإنسانية التي تأثر بها كل من اطلع عليها وواكبها وقام بتغطيتها إعلامياً في الداخل والخارج".