Skip to main content
هل قال محمد بن سلمان شيئاً؟
معن البياري
ماذا لو قال ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، إن على بشار الأسد أن يغادر الرئاسة في سورية. هل كان قوله هذا سيختلف عن إجابته على سؤالٍ لمجلة التايم الأميركية له إن الأسد باقٍ في السلطة؟ بالغنا، نحن الصحافيون والمعلقون العرب، في الاهتمام بكلام الرجل، متوهمين له قيمةً، فيما الحقيقة إنه سيان لو قال عكسه. ببساطة لأن العربية السعودية ليست ذات وزن في القصة كلها، ولا أثر لها في أمر الأسد، باقيا في حكم دمشق أو مخلوعا. هذا واضح منذ أعوام، ولا يزيد في الطنبور وترا من يذكّرنا بهذه البديهية، لأن الحقيقة الماثلة قدّامنا أن قيادة الحرس الثوري الإيراني في طهران ووزارة الدفاع الروسية في موسكو وحدهما المؤهلتان لإخبارنا بأي شيءٍ بصدد الأسد. ولمَ لا نكون أكثر صراحةً، ونقر، نحن الذين نشتهي تحرير سورية من نظام البراميل المتفجرة وغاز السارين، بأن روسيا وإيران وحدهما صنّاع القرار الأول في هذا البلد العربي المحتل والمنهك، وأنه لم يعد للسعودية، وقطر قبلها، دالّة على أحد هناك.
نتذكّر أن افتراقا سعوديا قطريا كان يحدث في الداخل السوري، ثم استجدّت مقادير من التنسيق السياسي والميداني بين الدوحة والرياض، ثم صار ما عويِنَ تفرّدا سعوديا، ثم صار الذي نعرف من قطيعةٍ بين العاصمتين اصطنعتها السعودية. ولا تبعث مراجعةٌ جدّية لأرشيف هذا المسار كله على الارتياح، لكن الخلاصة أن مآل الحضور العربي كله في سورية هو الانحسار والانكشاف، إلا إذا اعتبرنا عطف المملكة على "جيش الإسلام"، واستضافة محمد علوش في الرياض شهورا، فعلا عبقريا سعوديا، كانت فرائص بشار الأسد ترتعش جرّاءه. ولأن الخطوط العامة لهذا المجرى معلومة، وإنْ ما خفي أعظم ولا ندريه بعد، فإن الراهن قدّامنا سيعني، على أي وجه، أن لمحمد بن سلمان أن يقول ما يشاء عن بشار الأسد (وغيره)، فليس على الكلام جمرك. وهو الذي يدلّ حديثه للمجلة الأميركية على وزنٍ خفيفٍ لبلاده لدى حليفيها المقيميْن في البيت الأبيض، دونالد ترامب وجاريد كوشنر. ذلك أنه يتكلم، أياما بعد جلسته معهما، عن ضرورة بقاء قوات أميركية في سورية (ألفي جندي)، ساعاتٍ بعد إعلان ترامب انعدام هذه الضرورة بوجود "الآخرين"، بل وأمره أيضا بتجميد مائتي مليون دولار، كانت واشنطن قد تعهدت بها في مؤتمر الكويت لإعمار سورية، أعلن عنها وزير الخارجية المقال، ريكس تيلرسون. يُضاعف من منسوب الخفّة الفادحة تلك أن الأمير السعودي الشاب والرئيس الأميركي في البيت الأبيض بحثا الأوضاع في سورية (!).
ويسوّغ الزعم هنا أنها لم تكن في محلها مبالغتُنا، نحن الصحافيين والمعلقين، في الاهتمام بما جاء على لسان محمد بن سلمان، عفو الخاطر على الأغلب، لمجلة التايم (وغيرها)، أن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قال مرة إن على الأسد أن يرحل، وإنه لا مكان له في مستقبل سورية. وفي مرة تالية، قال لوفدٍ من الهيئة السورية العليا للتفاوض إن بقاء الأسد حقيقةٌ يحسن التأقلم معها. وفي الحالتين، لم تكن العربية السعودية في منزلة من يهشّ وينشّ في الشأن السوري الذي تنجز حقائقَه صواريخ السوخوي الروسية وقذائف جيش النظام، في الغوطة الشرقية وفي غيرها. والظاهر أنهم في طهران لا يأخذون أي كلامٍ يصدر عن عادل الجبير ومحمد بن سلمان على محمل الجد، فلا يكترثون به، كما نفعل نحن، وكأننا ما زلنا على أوهامنا العتيقة إياها عن دور إقليميٍّ وازن للمملكة في المنطقة، فنلعب غمّيضة الأطفال، فلا نشاهد الفشل المهول في اليمن، ولا ما يطبخه ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، من قراراتٍ سعوديةٍ في هذا البلد المنكوب بعملية "إعادة الأمل" وفظائع الحوثيين، ولا نرى الاستثمار الخائب في عبد الفتاح السيسي في مصر، ولا نعاين الزعامة الإسلامية التي تتأتّى لتركيا، بعد استضافة مؤتمر اسطنبول بشأن القدس وقبله.
الوقائع الدالة على تآكل ذلك الدور السعودي المتخيل والموهوم غزيرة، بينما نحن نعيد ونزيد في شأن جملةٍ عارضةٍ لمحمد بن سلمان، وكأنها شطرٌ في ألفية ابن مالك التي انكتبت مجلداتٌ في شرحها.