Skip to main content
مفاوضات فيينا والتصعيد في المنطقة
بشير البكر

بالتزامن مع أداء الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، اليمين الدستورية، يوم الخامس من أغسطس/ آب الحالي، شهدت منطقة الخليج والشرق الأوسط تصعيدا عسكريا، جرى عطفه على مفاوضات إعادة إحياء الملف النووي، والتي لم تفلح ستّ جلسات عقدت خلال الأشهر الماضية في تحقيق الهدف منها، بعد أن انطلقت بقوة في أبريل/ نيسان الماضي في فيينا بين إيران والدول الكبرى. وكان الحدث الأبرز هو الهجوم في الثالث من الشهر الحالي على سفينة قبالة شواطئ الإمارات، والذي اعتبر "عملية خطف محتملة" انتهت من دون أضرار. وأتى هذا الحادث بعد خمسة أيام على هجوم بطائرة مسيّرة استهدف ناقلة نفط "ميرسر ستريت" المملوكة لشركة نفط إسرائيلية قبالة سواحل سلطنة عُمان أسفر عن سقوط قتيلين. وفي الحادثين، أكّدت التحقيقات الأميركية مسؤولية إيران.
كان ذلك على جبهة الخليج في الأيام القليلة التي سبقت تسلّم رئيسي مهامه، وفي اليوم الموالي، (السادس من أغسطس)، انتقل التصعيد إلى جبهة جنوب لبنان. ويبدو أن جبهة الخليج التي دخلت المواجهة منذ أكثر من عام آخذةٌ في التحوّل إلى ساحة حرب فعلية ذات مفعول استراتيجي، لأنها تتحكّم بقدر كبير من تجارة النفط والملاحة البحرية، ومن الواضح أن إيران تشكّل القوة الإقليمية البحرية الرئيسية في المنطقة، وليس هناك قوى بحرية عسكرية دولية يمكن أن تنافسها أو تواجهها غير الأميركية. والرسائل التي توجهها طهران من خلال تكثيف العمليات على هذه الجبهة واضحة، وتصبّ في اتجاه واحد على أنها هي القوة الاقليمية الأولى في الخليج، ومفتاح الملاحة في ممرات هذه المنطقة.
بلا أدنى شك، هدف إيران من خلال التصعيد العسكري هو تقديم الرئيس الجديد، وإرسال إشارات صريحة عما يفكّر به، وما يمكن أن يلعبه من أوراق، وأرادت أن ترسم صورة عن رئيسي تختلف ملامحها عن سلفه حسن روحاني الذي كان يوصف بالاعتدال، في حين أن الرئيس الجديد متشدّد، ويحكم إيران في وقت بات التيار المحافظ الذي يمثّله يسيطر على كل المؤسسات. وأمام رئيسي هدف أساسي في الفترة الأولى من حكمه، وهو إحياء الاتفاق النووي، وتطالب طهران واشنطن، قبل الالتزام بنصوص الاتفاق، برفع العقوبات التي تم تعليقها بموجب الاتفاق في سبتمبر/ أيلول 2015، وأعاد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، فرضها عام 2018، بينما تصر الولايات المتحدة على التزام إيران الشروط التي وضعها الاتفاق قبل أي خطوة. ووسط هذا الشدّ والجذب، ترى أوساط أوروبية إمكانية لاستئناف مفاوضات فيينا التي جرى تجميدها عند هذه النقطة في 30 يونيو/ حزيران الماضي، وذلك بعد تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة، غير أن الفرصة لا تبدو سانحةً لتنازل كبير من أحد الطرفين، الأميركي والإيراني، بل سبق لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكين، أن هدّد بالانسحاب من المفاوضات، وذلك قبل نهاية أعمال الجولة السادسة. وفسّر الوزير الأميركي موقف بلاده بأنه نابع من استمرار السلطات الإيرانية في تطوير برنامجها النووي، وقال إنه "قد يصبح قريبا عقبة لا يمكن التغلب عليها إطلاقا". وأضاف "إذا استمرّوا في تشغيل أجهزة طرد مركزية أكثر تطوّراً، بشكل مستمر على مستويات أعلى وأعلى، فسنصل إلى نقطة صعبة للغاية من الناحية العملية"، للوصول إلى الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 بصيغته وبنوده الأصلية.
يبدو التصعيد العسكري محسوبا حتى الآن، ولكن سياسة التفاوض بالنيران قد تقود إلى انزلاق خطير، يهدّد بحرب شاملة، وخصوصا على جبهة جنوب لبنان التي كادت أن تشتعل في السادس من أغسطس، لو لم تتدخل واشنطن وباريس لدى الحكومة الإسرائيلية، من أجل عدم توسيع رقعة الرد على صواريخ حزب الله، ولكن هذا مؤقّتٌ واليد على الزناد.