Skip to main content
ما الجديد في فوز رئيسي؟
سامح راشد

لم تخرج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي جرت يوم الجمعة الماضي، عن ذلك السياق العام السائد أربعين عاماً متصلة. جاءت الانتخابات برئيس جديد على النمط القديم، رئيس على قياس السلطة الحاكمة، ووفق مواصفاتها المثالية، رئيس يحمل الشهادة الابتدائية، ولديه تاريخ من القسوة والتشدد والانخراط في إدارة مؤسساتٍ مهمة في الدولة الإيرانية. إنّه رئيس صنع على أعين المرشد.
كان واضحاً، من اللحظة الأولى لإعلان المرشّحين المقبولين من مجلس صيانة الدستور، أنّ باب الرئاسة لن يُفتح سوى لشخص دون غيره. وعلى الرغم من ذلك، لم يتراجع الاهتمام الإقليمي والعالمي بالانتخابات، كما لو كانت ستأتي بمفاجأة أو ستجلب رئيساً يقلب الأوضاع، ويغير سياسات طهران جذرياً. ولا بدّ من الإقرار بأنّ هذا النمط من المتابعة القريبة والاهتمام الزائد بشأن داخلي متوقع ومكرّر، ليس مقصوراً على إيران وحدها، فهو مرتبط بالطبيعة الإشكالية للدولة، وتموضعها المثير للجدل إقليمياً وعالمياً. ولا تختلف إيران، في هذا التوصيف، عن إسرائيل وكوريا الشمالية وفنزويلا وعدد محدود من الدول.
المغزى الأهم في انتخابات الرئاسة الإيرانية إعادة تأكيد الطبيعة الانتقائية للنظام السياسي الإيراني، فهو يتبنّى آليات تمثيل سياسي لا تختلف عن ديمقراطية أثينا التي كانت تضع تصنيفاً طبقياً للمواطنين، وتمنح شرائح محدّدة حق المشاركة السياسية. لذا من الخطأ التعامل مع السياسات الإيرانية باعتبارها إفرازاً تلقائياً لتوجهات الناخبين واختياراتهم. ومن ثم فإنّ التشدّد أو التصعيد الذي قد تمارسه طهران خارجياً في بعض الملفات لا يعني تحولاً مجتمعياً باتجاه التشدّد، كما في بلدان أخرى. بل على العكس، في الحالة الإيرانية تحديداً، تتم إعادة تدوير التشدّد وتغذيته بمزيد من التشدّد من جيل إلى جيل داخل دائرة الحكم، في عمليةٍ تشبه كثيراً مراحل تخصيب اليورانيوم لرفع قدراته إلإشعاعية وتعظيم قابليته لتوليد الطاقة.
في المقابل، لا يمكن الرهان على الفجوة الحاصلة بين التوجهات النخبوية الرسمية في السياسة الإيرانية والخريطة المجتمعية في الداخل الإيراني، خصوصاً وجود تيارات أو قوى إصلاحية تعمل. وكذلك التطلعات الشعبية، خصوصاً في ما يتعلق بالرغبة في الانفتاح على الغرب.
لقد نجحت النخبة المسيطرة في إيران، خلال العقود الماضية، في تثبيت هذا الوضع غير المُرضي للغرب وللعالم وترسيخه، حيث تأكد مراراً وتكراراً أنّ الرهانات الخارجية على وجود إصلاحيين وتنامي قوى شبابية وتوجهات ليبرالية بين الإيرانيين، هي رهانات فاشلة أو على الأقل لا تضمن أي نتائج حقيقيةٍ حال اختبارها على الأرض.
ولعلّ هذا التقدير هو السبب الأساس وراء تلهف الولايات المتحدة الأميركية على التوصل إلى صيغة اتفاق مع طهران. إدراكاً من واشنطن أن ما يمكن الحصول عليه من إيران اليوم قد لا يكون متاحاً في الغد. ولعل هذا أهم ما يجب الانتباه إليه بصدد جديد السياسة الإيرانية في ضوء انتخاب إبراهيم رئيسي، وهو أن التشدّد المعروف عنه والقسوة في التعامل مع الحياة السياسية الداخلية، سيترك ظلالاً ثقيلةً على سياسات إيران الخارجية. ليس فقط من زاوية توقعات الأطراف الأخرى، لكن أيضاً من زاوية المسؤولية التي سيتحمّلها رئيسي أمام المرشد وأمام بقية النخبة الحاكمة من المحافظين.
المعنى، أنّ وجود إبراهيم رئيسي، في موقع الرئاسة الإيرانية يغلق باب التفاؤل بأي تحوّل إيجابي في سياسات إيران الخارجية، الإقليمية خصوصاً. أما في الملفات الأهم مثل مفاوضات الاتفاق النووي، فإن القرار فيها ليس للرئيس، وبالتالي لن تتغيّر توجهات طهران بشأنها.
وفي ظلّ نخبةٍ حاكمةٍ متشدّدةٍ تزداد قبضتها على السلطة إحكاماً، فإن أي مكسبٍ ستحققه في المفاوضات النووية، أو غيرها من أوجه التعاطي مع العالم الخارجي، لن يدفعها إلى المرونة أو التخلي عن شغف النفوذ والتمدّد الإقليمي. بل على العكس، لن يزيدها إلا طمعاً خارجياً وتوحُشاً إقليمياً.