Skip to main content
"مركز الجرمق للدراسات": من اليرموك إلى السويد
ناصر السهلي
تأسس المركز بجهود من هُجروا من اليرموك (رامي السيد/الأناضول)

منذ سنوات، وجد عشرات الكتاب والباحثين والمثقفين الفلسطينيين أنفسهم مهجّرين من مخيم اليرموك، جنوب العاصمة السورية دمشق، الذي كان يزدحم بأنشطة وأعمال فردية وجماعية، ومن بينها مراكز بحثية وأخرى ثقافية.

رحلة التهجير، وتحويل شباب وصبايا المخيم الذي كان نقطة جذب فلسطينية وسورية وعربية إلى "شتات"، أوصل كثيرين منهم إلى السويد وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، وغيرها من الدول. ولم تمضِ سنوات قليلة على تلك الهجرة الإجبارية والانشطار الذي شتّت شمل شباب وشابات مخيم اليرموك، وغيبهم عن مشهد إعلامي وثقافي ومنصات حيوية كانت تجمعهم في مخيمهم وفي دمشق، حتى أسس بعض هؤلاء، مع مطلع العام الحالي 2021، "مركز الجرمق للدراسات والأبحاث"، مطلقين موقعه الإلكتروني من السويد. والجرمق جبل ومدينة في شمال غرب الجليل الفلسطيني، ويمتد إلى جبل آخر بنفس الاسم في الريحان جنوبي لبنان.

ويركز مجموعة من الباحثين والكتاب والمثقفين في "الجرمق" على النشاط المرتبط بالدراسات والأبحاث والترجمات والمشهدين الثقافي والاجتماعي، وكل قضايا النزاعات الإقليمية وتوثيق الذاكرة الشفوية، وذاكرة الحرب، كما يذكر القائمون على "الجرمق" لـ"العربي الجديد" أسباب إطلاق مشروعهم.

ويقول مدير المركز، الباحث والمترجم الفلسطيني، محمود الصباغ، إنّ أهمية وتوقيت إطلاق المركز جاءا "بعد أن بلغ الضعف مداه، والتشتت أقصاه، والهوان منتهاه، وبانت حقائق التجزئة والتمزق وشراسة الناهب الدولي". ويضيف لـ"العربي الجديد" أن "الفكرة الأساسية من وراء مركز الجرمق التركيز على نشاطنا كجهة غير محكومة وغير ربحية، حيث نستند إلى الدراسات والأبحاث والترجمات المتعلقة بقضايا المنطقة العربية والمسألة الفلسطينية. ونسعى لتطوير العمل نحو توثيق منهجي سليم للأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية".

محمود الصباغ:  ثمّة حاجة لمأسسة عملنا وخططنا وطريقة تفكيرنا، وخصوصاً في الواقع المتشظي للاجئين الفلسطينيين على امتداد الساحة الأوروبية

وفي الشتات الأوروبي، كما يرى الصباغ، ثمّة "حاجة لمأسسة عملنا وخططنا وطريقة تفكيرنا، وخصوصاً في الواقع المتشظي للاجئين الفلسطينيين على امتداد الساحة الأوروبية. ومن هنا تنبع أهمية تركيزنا على قضية البحث العلمي والدراسة المحكمة لمختلف القضايا التي تهمنا وتشغلنا، وهو محاولة لأداء رسالة الفكر الواعي بقضاياه والحر المبني على قاعدة (الاختلاف شرط الحوار)".

ويؤكد الصباغ أن المركز مستعد للتعاون مع جميع المهتمين، وتوقيت انطلاقته لا يعني إقامة منبر إعلامي بديل لمنابر كثيرة وعديدة، "بقدر الآمال المعقودة على أن يكون جسر تواصل لتخصيب معرفة مجتمعاتنا الوليدة في غربة جديدة بنفسها وبقضيتها مع قضايا عربية أخرى، وتلبية هذه الحاجة تكون بالعمل الجماعي المؤسساتي".

يفرد موقع "الجرمق" عدة أبواب للأرشفة والتوثيق والتاريخ والدراسات والشعر والسياسة والنقد والتغطيات المتابعة والأنشطة المتعددة. ويذكر القائمون على "الجرمق" أنهم مجموعة عمل تدرك "حجم المصاعب والمعيقات التي ستعترضنا، لكنّا على يقين تام بأن الحركة، أي حركة ومهما تنوع تعريفها ومهما كانت بطيئة، هي لا شك أفضل من وضعية الثبات".

ويؤمن هؤلاء الشباب الذين ينحدرون من مخيم اليرموك، ومن مناطق مختلفة في وطنهم الأصلي فلسطين، أن الديمقراطية هي سلوك "يدرب المرء نفسه عليه كمحفز أساسي لممارسة الحرية، فقد عاشت مجتمعاتنا العربية، وما زالت للأسف، زمناً ليس قصيراً تعاني من تغول الأنظمة الدكتاتورية، ومنظومة الفساد والطائفية وحكم العشيرة والعائلة وغيرها من البنى ما قبل مجتمع الدولة. لذا يتوجب علينا، نحن من نزعم أننا طليعة، أفراداً ومنظمات، أن نحدد بلغة غير ملتوية ما المقصود بالمجتمع المدني، والشروط الموضوعية والذاتية للارتقاء بالإنسان العربي إلى سويّات تجعله يفخر بوجوده الإنساني العام ويشارك بشكل فعّال في كتابة تاريخ البشرية".

شباب المركز: الديمقراطية سلوك يدرب المرء نفسه عليه كمحفز أساسي لممارسة الحرية

ويشير الباحث المختص بالنصوص الأثرية في مركز الجرمق، خالد أيوب، إلى طبيعة العراقيل التي يمكن أن يواجهها انطلاق المركز، ويقول إن "التجربة الوليدة للمركز تحمل رسالة تجند لحملها مهتمون كثر، والغرض الأساسي يكمن في تشجيع التعاون العلمي والمعرفي وهذا الأمر بحاجة لدعم وتشجيع كي نضمن الاستمرارية، ومحاولة تلبية هذه الحاجة تكمن بالإيمان في جماعية العمل ومأسسته، سبقنا كثير من المراكز والمنابر من قبل، لكننا نعول على التعاون البناء بين الأوساط الثقافية وإيجاد تلاقح للأفكار يستهدف إعلان الحقائق للقارئ والباحث".

خالد أيوب:  نعول على التعاون البناء بين الأوساط الثقافية وإيجاد تلاقح للأفكار

من ناحيته، يذكر الكاتب الفلسطيني في المركز، نزار السهلي (فرنسا)، أن انطلاق المركز "أمنية جاشت في صدور لاجئين من اليرموك بإنشاء منبر رفيع يشبه الأماني مجتمعة، وهناك واجب ضخم ومسؤولية كبيرة إذا ما دققنا في تعريف المركز لنفسه وأهدافه، ما يعني ضرورة التصاعد لتحقيق بعضها لأداء كامل رسالة المركز، هو خطة العمل الأساسية له، وأتمنى أن يكون هناك تشجيع ودعم لإنجاز بقية الأهداف وعدم التراجع أمام الصعاب التي من الممكن مواجهتها مستقبلاً".

ويؤكد السهلي أن "الحاجة ماسة لوجود مراكز بحث ودراسات مع واقع جديد للاجئين الفلسطينيين في القارة الأوروبية، وتعني القضية الفلسطينية والواقع العربي في متغيرات العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين، وحاجتنا لتغييرات عميقة لوسائل الخطاب الفكري والإعلامي والبحثي، خصوصاً أنه تم التركيز على آليات العمل سابقاً لنخب عربية وفلسطينية في المهاجر والاقتراب من نجاحها الفردي لعدم وجود "لوبي" ينتظم به العمل المؤسساتي".

نزار السهلي: أتمنى أن يكون هناك تشجيع ودعم لإنجاز بقية الأهداف وعدم التراجع أمام الصعاب

ويأمل القائمون على مركز "الجرمق" ومنصته الإلكترونية باستجابة المهتمين للمشاركة "من خلال الوسائل الممكنة والمتاحة عبر أطر مفتوحة ومنفتحة لمن يرى في نفسه القدرة على العطاء، من دون اعتبارات ذاتية ضيقة".

جدير بالذكر أن إطلاق "الجرمق" الذي تم من السويد في 1 يناير/كانون الثاني الحالي، هو تجربة جديدة أُعد لها لفترة طويلة، وبمشاركة عدد من أبناء مخيم اليرموك، دونما وجود أي دعم. ويقوم بالأساس على التطوع والتمويل الذاتي، وسط ظروف صعبة يعيشها بالأصل هؤلاء الكتاب والباحثون والمهتمون الذين وجدوا أنفسهم مضطرون إلى الخروج نحو مناف غربية. ويأمل القائمون على "الجرمق" أن يشاركهم التجربة من لديه قدرة من أي مكان لاستمرار مشروعهم الذي يراهنون على تحويله إلى منصة في الشتات الأوروبي والأميركي.