Skip to main content
الإصلاح الاقتصادي يطغى على تحديات حكومة ميقاتي اللبنانية... تعرّف إليها

تكابد الحكومة اللبنانية، برئاسة نجيب ميقاتي، والتي منحها مجلس النواب ثقته أمس الإثنين، الأمرّين في مهمة انتشال البلد من انهيار اقتصادي غير مسبوق يشله منذ أكثر من عامين. فما هي التحديات التي تنتظرها؟ وهل ستكون قادرة على التصدي لها؟

تشكلت الحكومة اللبنانية في 10 سبتمبر/ أيلول بعد 13 عاماً من الفراغ، بتوافق صعب بين الأفرقاء السياسيين، وتتألف من 24 عضوا، بينهم اختصاصيون وامرأة واحدة فقط.

منذ صيف 2019، يشهد لبنان انهيارا اقتصاديا متسارعا صنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، إذ فقدت الليرة نحو 90% من قيمتها أمام الدولار، وبات وفق الأمم المتحدة 78% من السكان يعيشون تحت خط الفقر.

كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية، بحسب مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت، بنسبة 700%، أو 7 أضعاف في المتوسط.

مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط مهى يحيى، تقول إن "أولوية الحكومة هي احتواء الانهيار". ولهذه الغاية، يقول المحللون إن الأولوية تكمن في استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

وبعد إعلان لبنان التخلف عن سداد ديونه في مايو/أيار 2020، بدأت الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وعقدت جلسات عدة ما لبثت أن عُلقت بسبب خلافات بين المفاوضين اللبنانيين.

وتشمل لائحة التحديات الطويلة تحقيق استقرار العملة الوطنية، ومكافحة التضخم المفرط، والشحّ الذي يطاول مواد رئيسة. ومع تراجع احتياطي المصرف المركزي من العملات الأجنبية، شرعت السلطات برفع الدعم تدريجا عن مواد أساسية، أبرزها الوقود والأدوية.

ولم تخفف سياسة رفع الدعم من أزمة شحّ حادة في المحروقات والأدوية، فما زال المواطنون ينتظرون ساعات طويلة أمام محطات البنزين، كما يطلب كثر من معارفهم في الخارج شراء الأدوية لهم.

وقال ميقاتي، في مقابلة مع شبكة "سي.أن.أن"، الجمعة، إن الدعم يجب أن يتوقف تماما، مشيرا إلى أن حكومته ستكتفي فقط بدعم أدوية، وخصوصاً تلك الضرورية للأمراض المزمنة.

سيكون على الحكومة أيضا استعادة ثقة المجتمع الدولي الذي يشترط القيام بإصلاحات ضرورية من أجل حصول لبنان على دعم مالي يساعده على الخروج من الأزمة.

وكانت الحكومة السابقة قد وضعت خطة اقتصادية كاملة، تضمنت إصلاح قطاعات عدة، بينها قطاع الكهرباء المهترئ والقطاع المصرفي، وإجراء تدقيق جنائي في حسابات "مصرف لبنان" المركزي، إلا أن الخطة لم تخرج إلى النور جراء اعتراض أطراف عدة عليها، ومع توقف المفاوضات مع صندوق النقد.

وبعد أشهر من المماطلة والجدل بين الأطراف المعنية، وقّع وزير المالية الجديد يوسف الخليل، الجمعة، بعد أيام قليلة من تسلمه منصبه، عقد التدقيق الجنائي مع شركة "ألفاريز ومارسال"، الذي عُلق في خريف 2020 بعد تعذر حصول الشركة على كافة المستندات المطلوبة من المصرف المركزي.

ويعد تنفيذ التدقيق الجنائي خطوة أساسية كونه ورد ضمن بنود خريطة الطريق التي وضعتها فرنسا لمساعدة لبنان على الخروج من دوامة الانهيار الاقتصادي، كما يطالب به صندوق النقد الدولي.

ويرى الخبير الاقتصادي مايك عازار أن الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي يعني "إصلاحين رئيسيين: إعادة هيكلة القطاع المصرفي والمصرف المركزي، وأيضاً القطاع العام، ولا سيما ديونه".

غير أن "إعادة هيكلة القطاع العام لها تأثير على الأحزاب السياسية، فهو المصدر الرئيس لتمويل نظامها الزبائني". ويتساءل عازار: "كيف سيقبلون ذلك؟".

أما في ما يتعلق بتحقيق استقرار العملة والأسعار "فلا شيء يمكن القيام به" من دون عمليتي إعادة الهيكلة، إذ إنّ هبوط التضخم وسعر الصرف يعتمدان عليهما إلى حد كبير، وفق عازار، الذي يضيف أن الإجراءات اليتيمة لن تسفر إلا عن "تحويل التأثير والكلفة إلى مكان آخر" داخل الاقتصاد.

وترى مهى يحيى بدورها أن إحدى العقبات الرئيسة أمام الإصلاح تكمن في "عقلية" تقاسم الحصص بين الأحزاب الحاكمة التي أخرت تشكيل الحكومة وهيمنت مرة جديدة عليها، وتقول: "يمكنهم استخدام الوزراء في الحكومة لعرقلة أي إصلاح يرون أنه يقوّض مصالحهم".

سيكون على عاتق الحكومة الجديدة تنظيم الانتخابات التشريعية المرتقبة، والتي التزم ميقاتي بإجرائها في موعدها في مايو/أيار المقبل.

وفي بلد شهد في خريف 2019 احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد الطبقة الحاكمة المتهمة بالفساد والهدر، يأمل كثر أن تُشكل الانتخابات خطوة، وإن صغيرة، على طريق تجديد النخبة السياسية، التي تحكم البلاد منذ عقود ولم تتغيّر تقريباً منذ الحرب الأهلية (1975-1990).

إلا أن الباحث في العلوم السياسية ميشال دويهي يرى أن الطبقة الحاكمة مستعدة للقيام بأي شيء على ألا تخسر شيئاً من سلطتها. ويقول: "تسعى هذه المنظومة من خلال الحكومة لالتقاط النفس مجدداً"، مضيفاً بشأن الانتخابات: "قد يؤجلونها في اللحظة الأخيرة حفاظاً على أنفسهم".

(فرانس برس)