}

مؤتمر الترجمة بميلانو: أسئلة الحاضر... قلق المستقبل

أحمد عبد اللطيف 28 مارس 2023
تغطيات مؤتمر الترجمة بميلانو: أسئلة الحاضر... قلق المستقبل
(من المؤتمر)

هل تعاني الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية وبالعكس أزمة حقيقية وتواجه تحديات كبرى؟ ما هي المشاكل التي يواجهها نشر هذه الترجمات، وكيف تتحكم السوق في هذا الحقل المعرفي؟ هذه بعض أسئلة حاول مؤتمر"جسور بابل" الذي انعقد في الجامعة الكاثوليكية بميلانو في الفترة من 16 إلى 18 مارس/ آذار، الإجابة عنها، عبر ورقات عميقة وهامة كتبها مستعربون إيطاليون ومترجمون عرب من مصر وفلسطين والمغرب وسورية، وأكاديميون متخصصون في حقل الترجمة.

المؤتمر الذي نظمه أستاذ الأدب والثقافة العربية بالجامعة نفسها، د. وائل فاروق، واستمرت جلساته على مدار ثلاثة أيام كاملة، أقيمت على هامشها حفلات موسيقية لطلبة اللغة العربية الإيطاليين، ومعرض لأغلفة كتب مترجمة لدار المتوسط من تصميم خالد الناصري، انطلق من فكرة جسور بابل، أي الترجمة كهمزة وصل بين ثقافتين، لكن الجسر بقدر ما يربط بين ضفتين، يفصل بينهما، إذ الجسر في العادة يشيد فوق نهر يفصل كل ضفة عن الأخرى.

شارك في المؤتمر أسماء بارزة في مجال الترجمة والصحافة والأكاديميا، من بينها المستعرب الإيطالي ألدو نيقوسيا، صبحي حديدي، مارتينو دييز، سمير جريس، سامر أبو هواش، الإعلامي عمرو خفاجي، نجلاء والي، والناشرة فاطمة البودي.

مقص الرقيب/ التأويل/ ترجمة الشعر

في كلمته، تناول المترجم من الألمانية سمير جريس واحدة من مشاكل الترجمة التي لا تخص النص، وإنما العقلية التي تتلقاه، هنا ركز طرحه في مقص الرقيب الذي يعمل وصيًا على المؤلف والنص المترجم مراعاة لفروق اجتماعية وثقافية أحيانًا، وأحيانًا أخرى لمجرد فرض السلطة على النص وتنقيته وتجفيفه من أفكاره. ما يراه المترجم المصري المقيم بألمانيا "عملية ضد الترجمة"، إذ الترجمة تسعى لنقل الآخر بغرض فهمه واستيعاب سياقه الثقافي، وبتدخل الرقيب يصل النص إلى القارئ العربي كأن المؤلف ابن الثقافة العربية الإسلامية، وليس ابنًا لبلد آخر ذي ثقافة مختلفة.

ومن حياة النص بعد إنتاجه إلى صعوبات الإنتاج نفسها، راح كاتب هذه السطور إلى سؤال: هل الترجمة حقل للمعرفة أم سلعة؟ متناولًا الترجمة كفن يعتمد على التأويل ويحتاج إلى دراسته بجوار دراسة نظريات الأدب، إذ الترجمة لم تعد فهم لغة ولا ثقافة أخرى، وإنما تأويل ما وراء النص من علامات وتاريخ. وإذا كانت مهمة الترجمة هذه كحقل للمعرفة، فإنها في أحيان كثيرة يتم اختصارها في سلعة تقدم إلى قارئ لا يعرف لكنه يفرض شروطه بحسب ما يعرفه. هكذا تصير الترجمة أغنية يطلبها المستمعون، بدلًا من أن تكون هدفًا للارتقاء بالذوق العام والمعرفة الكلية، وهذا ما يفسر شلالات ترجمة الروايات في مقابل اختفاء كتب الفكر والفلسفة والشعر والتاريخ.

ربما المسكوت عنه هو نظرة التعالي الغربية، وانتظار تقرير اجتماعي وسياسي من الرواية العربية، أو في أحسن الأحوال امتداد لـ"ألف ليلة وليلة"

أحد المحاور الأساسية في المؤتمر كان ترجمة الشعر، وهو ما تناوله صبحي حديدي وأحمد يماني. الأول بفكرة أن لهذه الترجمة فضائل في نهاية المطاف، والثاني بمنطق أنها ترجمة مستحيلة في معظم أحوالها، غير أنها ضرورية، مستعرضًا ترجمته لثيسر باييخو.

في ورقته، راح سامر أبو هواش والمترجم والأكاديمي حسين محمود، لطرح سؤال حول المستقبل المرتبط بالتكنولوجيا الجديدة. محمود تحدث عن "ما بعد الإنسان" بمعنى تحول كل شيء إلى آلة، وكيف سيطول ذلك عملية الترجمة بحسب توقعه، وإن كانت ترجمة الأدب لا تزال مصونة. أما أبو هواش فتركزت ورقته على ترجمة الشعر بالذكاء الاصطناعي، بالتحديد برنامج تشات جي بي تي، ومقارنته بترجمة غوغل ثم بالمترجم العادي. وهي العملية التي أثارت الضحك بقدرة ما أثارت القلق، إذ البرنامج الجديد برنامج لغوي بالأساس، لديه ذاكرة لغوية ستتطور مع الوقت.

وائل فاروق ملقيًا كلمته. وفي الصورة ملصق المؤتمر 


الأدب
العربي بالإيطالية وبالعكس

تناولت ورقة الأكاديمية نجلاء والي، الأستاذة بجامعة تورينو، والأكاديمي إسلام فوزي بجامعة عين شمس، الترجمات العربية إلى الإيطالية. والي حللت ترجمة "يوميات نائب في الأرياف" لتوفيق الحكيم، واقفة على الاستراتيجيات التي استخدمتها المترجمة، والصعوبات التي واجهتها عند ترجمة نص لا ينتمي فقط للعربية، بل للمصرية الريفية. فيما تناول فوزي ترجمة "ميرامار" لنجيب محفوظ، كاشفًا أخطاء الترجمة أو التباسات التأويل.

في ورقته، تناول المستعرب ألدو نيقوسيا الترجمة العربية لرواية "حب قاطعي الطريق" وتوقف في تحليله لاستخدام العامية المصرية في الحوار، طارحًا سؤالًا حول: هل يجب أن يتحدث الأجنبي بالعربية الفصحى في الترجمة؟ فيما تناولت المستعربة مانويلا جولفو ترجمة "مملكة آدم" للشاعر أمجد ناصر، وتحدثت عن صعوبة الإمساك بالإيقاع والموسيقى واللغة الملحمية.

عن الإيقاع أيضًا تحدث المترجم والأكاديمي كاظم جهاد، وخاصة في ترجمة الشعر الكلاسيكي.

نشر الترجمة

وفي مداخلتها، تحدثت الناشرة فاطمة البودي عن صعوبات الترجمة من حيث السوق، وتطرقت لصعوبة التواصل مع الوكيل الأدبي والتفاوض معه على أسعار عادلة، من ناحية، وسوق القراءة في العالم العربي من ناحية أخرى، وما يتوقعه القارئ من دور النشر المعنية بالترجمة.

في النهاية، ثمة اتفاق على المخاطر التي تحيط بمهنة الترجمة، وتهديد هذا الجسر لأسباب كثيرة ومتنوعة، بداية من التكنولوجيا الجديدة، مرورًا بالسوق، وليس انتهاء بمستوى المترجمين وإجادتهم للغة الأجنبية وفهم سياق العمل الأدبي.

لكن المسكوت عنه هنا هو الاهتمام العربي بترجمة الأدب الغربي، في مقابل صمت شبه مطبق من جانب أوروبا في ترجمتها للأدب العربي، وانتظار القارئ الغربي لأعمال ذات موضوعات محددة، وليس بهدف الاستمتاع لجمالية مختلفة يتناولها جيل جديد ومختلف يعيش في سياق لم يعرفه الغرب، أو عرفه في زمن آخر.

وربما المسكوت عنه هو نظرة التعالي الغربية، وانتظار تقرير اجتماعي وسياسي من الرواية العربية، أو في أحسن الأحوال امتداد لألف ليلة وليلة. بهذه النظرة الاستشراقية يتعطل وصول الصوت العربي إلى أوروبا، ليس لقلة جودة الأعمال، وإنما لغياب دار النشر والقارئ الغربي المهتم بهذا الأدب. 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.