}

حقائق من الواقع في سورية لا يجوز تجاهلها

هيفاء بيطار هيفاء بيطار 4 أغسطس 2023
آراء حقائق من الواقع في سورية لا يجوز تجاهلها
نظام الأسد يمعن في إهانة وتحقير الشعب السوري (Getty)
لا يُمكن تجاهل كلام إحدى الشخصيات المُهمة التي يُسمح لها أن تحكي كما تريد بتأييد من النظام السوري.
لا يُمكن تجاهل خطاب السيد (و)، الذي أمعن في إهانة وتحقير الشعب السوري، والأهم في تزوير الحقائق.
أطل على السوريين السيد (و)، بتعال وغضب واستياء، عبر فيديو، ليقول للسوريين الذين يعيشون أصعب الظروف التي لا تُحتمل بأن عليهم أن يخجلوا من أنفسهم، ووصفهم (بمحدودي العقل)، أي أن أكثر من 87 في المئة من الشعب السوري محدود العقل!! وأنهم يهينون حزب البعث الذي علمهم وعلم أجدادهم الكلام!!! (للوهلة الأولى تعتقد أن حزب البعث السوري اكتشف اللغة العربية الساحرة الجمال والمعاني). لا أعرف يا سيد (و) أي كلام تعلمه الشعب السوري من حزب البعث إذ ـ كل سوري ـ يعرف ويدرس في المدارس مادة القومية، ويحفظ عن ظهر قلب هذا الكلام الأبدي: أهدافنا: وحدة حرية إشتراكية، مادة القومية هي اللغة التي علمها حزب البعث للشعب السوري، هل علمه الفلسفة مثلًا!! ومن يصدق أن هنالك حرية في سورية، أي انتقاد بسيط لفساد مسؤول، أو لسوء الخدمات (انقطاع الكهرباء والماء) تهبط على صاحبه تهمة الجريمة الإلكترونية، أو الإساءة لهيبة الدولة. فأين الحرية!!! السيد (و) يخاطب محدودي العقل (90 في المئة من الشعب السوري)، ويقول غاضبًا مخاطبًا المواطن السوري: "إستحي على حالك، تعلم من أجدادك الاكتفاء الذاتي، أي ببساطة: زرعت أكلت". هي دعوة إلى كل مواطن سوري أن يزرع ويأكل مما يزرعه، لكن يا سيد (و) معظم الأراضي السورية مُدمرة ومحروقة، قرى ومدن بأكملها دُمرت، وأصبحت أرضًا محروقة، قرية (سلمى) ساحرة الجمال، والمشهورة بتفاحها اللذيذ، مُسحت عن وجه الأرض، وكثير من القرى مثلها هجرها سكانها، أو ماتوا، فكيف يمكن الزراعة في هذه الحالة!! وأظنك تعرف أن كثيرًا من الناس تسكن المدن في بيوت بائسة ضيقة متلاصقة مع بعضها (كالرمل الفلسطيني، وقنينص، والسكنتوري) في اللاذقية، سكان تلك المناطق يعيشون في فقر مدقع، فهل يزرعون على الشرفات مثلًا (معظم البيوت من دون شرفات، أو شرفات ضيقة)، والزراعة تحتاج إلى بذور وسماد، وأظنك تعرف غلاء الأسمدة. وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: ألا يجب تربية الدجاج والخراف وبقرة واحدة على الأقل أيضًا للحصول على البروتين الحيواني والبيض، فأطفال وشباب سورية يحتاجون لبناء وطن المستقبل أن يأكلوا بروتينا حيوانيًا، ثمة ثمانية بروتينات يا سيد (و) مهمة جدًا لنمو الأطفال، وهي متواجدة في اللحوم فقط. يصب السيد (و) غضبه على النساء السوريات (شملهن بمحدودية العقل)، وأعطاهن مثلًا عن النساء الألمانيات اللاتي ساهمن في بناء ألمانيا بعد حصارها لأكثر من ست سنوات، لكن يا سيد (و) معظم نساء سورية أمهات ثكالى مهدودات الحيل من الحزن على فلذات أكبادهن الذين ماتوا وتحولوا إلى الشهيد البطل، أو غرقوا في البحر في قوارب الموت وهم يبحثون عن الحد الأدنى من العيش الكريم، نساء سورية العظيمات يا سيد (و) يقفن ساعات طويلة عند نافذة توزيع الخبز الذي لا يؤكل، وينتظرن ساعات وأيام للحصول على سلة غذائية فيها كيس سكر، أو رز، أو زجاجة زيت نباتي، نساء سورية يقضين الأعياد في المقابر قرب جثامين شباب بعمر الورود ماتوا في الحرب، بعض الأمهات فقدن شابين، أو ثلاثة، من أولادهن، وهن اضطررن إلى العمل في مهن كثيرة لا تليق بهن، كبيع أرغفة الخبز في الشوارع، أو شطف درج البنايات، أو خادمات عند أسر ثرية، أو يضطررن أن يتحنن عليهن بعض التجار بما تبقى من خُضار ذابلة وفاكهة ممعوسة ومتعفنة.




يُؤكد السيد (و) أن الحل في سورية هو أن يُصلح السوريون أنفسهم من الداخل. ليته استفاض في الشرح عن عيوب نفوس السوريين كي يُصلحوا تلك العيوب، أما في رأي السيد (و) فواجب السوريين كي يردوا الجميل للنظام الذي أوصلهم إلى بر الأمان، ولم يُقصر في دفع الرواتب للموظفين، ولم يُقصر في تأمين الأدوية، خاصة أدوية السرطان الباهظة الثمن، أن يشدوا الهمم لتحرير آبار النفط في سورية التي تحتلها أميركا!! وأن يرفع الشعب السوري (المحدود العقل) عريضة للأمم المتحدة لرفع العقوبات عن سورية!!! لكن يا سيد (و) بالتأكيد تعرف أن أعلى راتب لموظف جامعي هو مئة ألف ليرة سورية، حتى مئة وخمسون ألف ليرة سورية، أي أن الراتب لا يساوي شيئًا، أو يساوي تمامًا ثمن كيلو لحم، وأظنك تعرف أن آلاف الموظفين في سورية استقالوا من الوظيفة لأن الراتب الوهمي والخُلبي الذي يقبضونه لا يساوي شيئًا، وأن العمل في أي مهنة (بيع محارم ورقية مثلًا) يُدر مالًا أضعاف راتب الاحتقار. وترتفع النبرة الوعظية المؤنبة للشعب السوري (محدود العقل) عند السيد (و) فيطلب من المواطنين أن يُقاطعوا التجار المسؤولين عن رفع والتلاعب بالأسعار، يقول: "قاطعوا التجار بالصرماية، عندها يضطرون إلى تخفيض الأسعار"، ويُعطي مثالًا عن مادة (المته) فإذا قاطع المواطن التاجر، ولم يشتر المتة سيضطر التاجر لأن يًخفض سعرها، لكن ماذا بشأن حليب الأطفال يا سيد (و): هل يُمكن أن تمتنع الأم أو الأب عن شراء الحليب للأطفال!!! ولا أعرف كيف تجاهلت أن موظفين مهمتهم فرض أتاوات بالملايين على تجار مساكين، وبالكاد يُحصلون لقمة عيش أطفالهم، أظنك سمعت كثيرًا من الشكاوى، وحضرت فيديوهات، وقرأت مقالات عن الضرائب الفاحشة الخيالية التي تُفرض على التجار، حتى أن مئات التجار اضطروا لترك وطنهم، وكثير من الأطباء أيضًا أغلقوا عياداتهم وهاجروا بسبب الضرائب الفاحشة التي تفرضها عليهم الدولة. إذًا، يا سيد (و) الحل ليس مقاطعة التجار ـ بالصرماية ـ كي تنخفض الأسعار. بالمناسبة، يبدو أن كلمة (الصرماية) صارت من أهم كلمات السياسيين، فمعظمهم يستعملها في خطاباته، وفي شتم الطرف الخصم.
للأسف، يا سيد (و) لم تُشر أبدًا إلى أن حوالي نصف الشعب السوري نزح إلى بلاد كثيرة، وأن مئات الألوف من السوريين الذين تدمرت بيوتهم ومات عدد من أولادهم يعيشون في خيم النزوح البائسة، وأن ملف عودة النازحين السوريين إلى سورية أصبح ورقة ضغط سياسية تتلاعب فيها دول كثيرة، ولا أعرف يا سيد (و) كيف تلقي بالمسؤولية على الشعب السوري ليطالب الدول العربية أن تساعده، الشعب السوري لا يقبل التسول ولا الذل، هو يؤمن أن على دولته أن تؤمن له العيش الكريم، الراتب الذي يؤمن له حياة كريمة، والكهرباء والماء وحرية الكلام، أصبح الشعب السوري صامتًا وأخرس يخشى أن يُعبر عن ألمه، ما عدا ثلة من الشجعان وبعضهم يتمتع بحصانه أي ينتقد ويتجاوز الخطوط الحمر الكثيرة (كل شيء في سورية خط أحمر ما عدا الورود الحمراء)، ليبدو أن هناك حرية تعبير في سورية، وهم في الواقع يقومون بوظيفة التنفيس عن ضغط المعاناة للشعب السوري، مثل مسرحيات دريد لحام، خاصة مسرحياته التي كانت بالتعاون مع الماغوط العظيم، مسرحيات نجحت إلى حد كبير في التنفيس عن غضب الناس العاجزين عن تنفيسه. أخيرًا، يا سيد (و)، أنت تدافع عن الوزراء، وتتهم الشعب السوري أنه لا يعرف أي معاناة يعانون، ولا يجوز للشعب السوري أن يتخيل أن الوزير يتنعم بالكهرباء في بيته، وليست له امتيازات في الحصول على البنزين، لكن كل الشعب السوري شاهد أعراسًا أسطورية الفخامة لأولاد وزراء، ومنذ فترة وجيزة ضجت فضيحة أن أحد الوزراء يملك مئات الملايين من الدولارات، إضافة للسيارات الفخمة والمنتجعات السياحية والمطاعم الفاخرة... إلخ.
للأسف يا سيد (و)، لم تتحدث سوى عن فئة الشعب السوري (محدود العقل) الذي يشكل 87 بالمئة من تعداد السكان في سورية، ولعلك ستتحفنا بفيديو آخر تتحدث به عن تلك الفئة من أثرياء الحرب مصاصي دماء الشعب السوري، وليتك تحدثنا عن تجار الكبتاغون والتهريب، الذين يليق فعلًا رميهم بالصرماية.

مقالات اخرى للكاتب

اجتماع
15 أكتوبر 2023
هنا/الآن
16 سبتمبر 2023
هنا/الآن
21 يوليه 2023

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.