أخبار القاتل معلومة. لكن أكثر ما يهمنا هو ما ينكأ الجراح العربية المفتوحة، وآخرها جرح غزة، لأن أساس هذا الجرح هو سقوط بغداد. لاحظوا حيادية العبارة: "سقوط بغداد"، في مقابل تراجيدية مصطلحي "النكبة"، و"النكسة".
القاتل معلوم، والقانون معلوم، والشرعة الحقوقية والإنسانية معلومة، حتى أن القاتل نفسه يحتج بها حين يمارس لعبته في نثر الموت من الجو على أهداف غزة الثابتة، التي لا تملك من أسباب الهروب شيئًا حتى لو أرادت.
صورة العنف التي لا تهدأ في ملاحقتنا، في ألعاب الفيديو التي يمارسها أطفالنا، وسهولة نشر القبح في وسائل التواصل الاجتماعي، جعلت مشاهد الموت الحقيقي كما لو أنها لعبة من تلك الألعاب. لكن لحسنٍ ما قد لا يشبه الحظ فإن شيئًا من الضمير ما زال يعيش في تضاريس الجسد الآدمي، ضمير يخز العقل، ويحرضه على النفاذ من حاجز الواقع الافتراضي إلى لدونة اللحم الحي، ليميز بين الخيال المصطنع، والواقع الحي. فنحن العرب ندرك ونعي أن لقاتلنا هوية معلومة ونحن نستذكر تاريخًا ليس بعيدًا حين كانت فلسطين تستعد للاستقلال بالتزامن مع شقيقاتها في بلاد الشام. التاريخ نفسه يقول إن المستعمر الأول سلَّم فلسطين إلى استعمار أشد بدائية وتوحشًا من سلفه البريطاني. الآخر الغربي المثقل الضمير بحكايات الهولوكوست يدرك ذلك ولا يدركه، يدركه من حيث هو حقيقة تاريخية، ومنصوص عليه في القوانين الدولية، ولا يدركه من حيث أن مصلحته المادية تحتم عليه التغاضي عن استمرار جريمة القاتل، بل ودعمه بكل ما يحتاج، من الكلام إلى السلاح، ففي الأصل كانت زراعة "إسرائيل" هدف ذلك الآخر في التخلص من المسألة اليهودية بتصديرها إلى فلسطين، حبل المشيمة الذي يربط أفريقيا بآسيا، غير بعيد من أوروبا.
القاتل يبارك القاتل، والقتيل اعتاد إخوته مشاهدة قتله، لينتظروا خروج الجنازة في الجلجلة الفلسطينية المستمرة.
سيهدأ القتل بعد حين، لتأتي الأموال والمساعدات دعمًا لبيت العزاء. أهل القتيل في العراء. ستبني لهم الأموال بيوتًا.
ــ من أين ستأتي مواد البناء؟
من "إسرائيل".
ــ من أين ستأتي آلات البناء؟
من "إسرائيل".
ــ من أين ستأتي الكهرباء، ومن أين يأتي الوقود، والشاش الطبي، وضمادات الجروح؟
من "إسرائيل".
ــ من أين سيأتي الطعام، والماء، وأموال المقاصة؟
من "إسرائيل".
ــ من أين ستأتي الأموال إلى بيت العزاء؟
من أهل القتيل.
انتظروا الحرب المقبلة، إذًا، وجهزوا الأموال والقهوة لأهل القتيل كي يكافئوا القاتل على قتلهم.
مع كل وعينا، وحكمتنا، ما زلنا نحفظ عبارة المثل المستقى من الحكاية المعروفة "أًكلنا يوم أُكل الثور الأبيض"، نحفظها من دون أن نعيها.
نحن أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض، يومَ سقطت بغداد.