}

صراع الرواية والواقع

ناصر السيد النور 27 سبتمبر 2018
آراء صراع الرواية والواقع
لوحة للفنان العراقي هاشم حنون

ما من نصٍّ روائي (سردي) وإلا أحاطت به مقتضيات الواقع في منزعه التاريخي، وكذلك الجدل الذي يثيره النص في قدرته على التعبير عن هذا الواقع، بما يقتضي فهم النص كشارح ومرآة تعكس تفاعلات الواقع إلى حد ما وتفسير يندمج في سياق اجتماعي تاريخي، قد يلتزم به الروائي بشكل تتحدد معه وظيفة السرد الروائي، وكيفية مواجهته تساؤلاته المثيرة للمعرفة الانسانية. وبهذا المنطق، ولكي يستطرد النص الروائي الواقع مؤولًا، يستدعي الأمر البحث عن تاريخ يُحقب السرد الروائي ومن أين وكيف تطورت أدوات الكتابة الروائية. وربَّما تقف بعض الأعمال الروائية العالمية (الكلاسيكية) كشواهد يُقوّم بها تاريخ السرد التتابعي، ومن ثمّ ينتزع بحث اللحظة المكوِّنة لما يعرف بالبنية السردية Narrative Structure الطبقة المكونة للنص السردي. ومن هذه الأعمال الكلاسيكية ما عبَّر نقلًا عن الواقع كما أدرج تاريخ النقد روايات المرحلة، ومنها ما استبق مآلات الواقع؛ فنصوص دون كيخوت لسرفانتس، وأعمال ديستويفسكي و هـ . ج ويلز وسرديات المقامات العربية، والميراث الشفاهي لشعوب عديدة، تدخل ضمن سياق التراكم السردي. ويكون سؤال الرواية وتشكيل النص السردي الأداة التي يعالج بها ويفهم المحتوى السردي على أسس نقدية تعددت فيها المناهج البحثية ودلالات اللغة، خاصة أن اللغة في سياقها المتغّير (المفردات والاشتقاقات) ذات أثر طاغٍ على تشكيل النص الروائي.

كما أن الواقع في فكرة الوجود الإنساني هو سياق يحيط بالمفهوم الجوهري لغاية الإنسان والتاريخ الذي يصنعه ويفسره ليتحددّ مفهوم الوجود بالمعني الهيجلي، والمفارقات الفلسفية ليست المحور الأوحد لتحليل النص الروائي فلسفياً، وملامسة الواقع كما يتبدى في الرؤية الإنسانية مقارنة ببعد آخر لا تقع ضمن حدود المشاهدات الواقعية ولكنها تؤثر على الواقع. ويتدخل النص الروائي بغية الفصم بين ما واقعي يقترب من عقلانية المنطق الذي بموجبه تتخذ الأشياء معناها العام وبين محاولات السرد لتفعيل هذا الواقع بمنحى آخر؛ ومن هنا ينشأ الصراع الذي يكون السرد أحد مكوناته، فإذا اتخذ الصراع بعده الذي تنتجه تفاعلات العلاقات المتباينة بين الواقع في نطاقه المحسوس، وعالم الرواية في آفاقه المتجاوزة، يكون الصراع لحظة تتصاعد كقوة هائلة تؤثر في الواقع بما تضيفه من طاقة خلّاقة، وتمدّد من حيز السرد (فضاء السرد). ودائمًا ما كان الواقع في الفعل الحياتي وجوانبه الفيزيقية نقطة تمثل تصاعد الصراع في الحدث الروائي في شكل البنية الهيكلية للرواية بمفهومها التقليدي، لا يقتصد العملية السردية في الرواية وفق رغبة الروائي، وأحيانا كما يلاحظ في الرواية تفرض المتغيرات في الزمان والمكان والأحداث التي لا يتجاوزها الروائي، بل يكون عليه تفعيلها لتأخذ دلالاتها الموضعية في السرد وسيرورته Process في حدث الترتيب السردي، أي تكون درجة المفارقة بين الواقع والخيال الروائي.

وإذا كان الصراع في حدود مقاومته للواقع بأبعاده التاريخية والسياسية، تكون الرواية في معالجتها السردية ورصدها للأحداث وسبر لأغوار النفس البشرية الأكثر عتمة قد تصبح هي الأداة في معالجة الصراع بما يترجم على نصها السردي من وقائع العالم الفعلي حيث يدور الصراع عبر رؤيتها السردية. ­وتنقل الرواية من خلال الشخصيات الروائية والأحداث التي تنفعل بها وتيرة الصراع وحدته بغير تطابقٍ يجعل منه نقلًا حرفيا عن واقع غليظ، ولكن كصراع تتجلى فيه الرؤية الإبداعية السردية. ويبرز الصراع في الرواية عادة على أكثر من مستوى وبالتالي تختلف مداخل التعبير والإيحاء به حيث تشترك اللغة والحوار والمكان وغيرها من مكونات النص الروائي. فالعالم الواقعي يتحرك في النص (الخطاب السردي) المندرج ضمن صراع الوجود محققًا هويته في مقابل هويات أخرى مفترضة روائيا. وهي تجسيد تبزغ أزمته من الوقائع المستحضرة من مجموع تفاعلات بين الواقعي والمتخيل لتلقي بنتائجها على الهوية السردية وتشير إلى نقطة اختلاف (صراع) قائم، لأن الهوية السردية ليست وسيطًا يحدُّ أو يجرد الهوية الذاتية للشخصيات الروائية، لكن محاولة لتثبيت تلك الصفات مطابقة لتلك الهوية مع نظم تسود بنية الخطاب الروائي وتلك التي في الواقع.

*  كاتب ومترجم سوداني

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.