}
عروض

رِوَايَة مُـرشِــد سِيَاحِيّ... زَوَايَا السَّرْد

تعد رواية الروائية المصرية ريم بسيوني الأخيرة "مرشد سياحي ... رحلات في زوايا الحقيقة" الصادرة عن دار نهضة مصر (ديسمبر، 2017)، من بين الأعمال السردية التي يكشف عنها عنوانها الفرعي ويزيد من تفسير دلالات النص الروائي بشكل استباقيِّ؛ وإن يكن المدخل الفرعي لا يفارق العنوان الأصل داخل المسار السردي للأحداث الروائية التي تكون في إحالتها الرمزية متصلة بالفكرة التي يفجرها العنوان كاشفاً عن ملامحها الأولية. وإذا كان للعنوان حيزه في واقع الدراسات السردية من حيث ما يعرف به كعتبة للنصّ السردي وكمصطلح مستتَّب يحُلِّل الدلالات والمواقف التي أراد الروائي اختزالها في العنوان كاستهلال يؤشر إلى فحوى النص السردي؛ وينقلنا بالتالي عنوان الرواية إلى مقدمة أولية مستدعاة من فصول حياة الشخصية الروائية تكون لها قابليِّة الاستعارة المشبعة بدلالاتها اللغوية والسردية. ويلاحظ أن قوة دلالة العنوان الفرعي (رحلات في زوايا الحقيقة) إلى الحدَّ الذي يتصور معه تفوقه على العنوان الرئيسي للعمل، فأيا يكن القصد من الاختيار، فإنه عبر إشارات العنوان الذكية والموحية يقودنا إلى تكوين صورة ذهنية بالغة الدلالة، محتوية على تكثيف مضمون الخطاب السردي. ويستمر تعدد هذه الزوايا مقسمة النص الروائي إلى أربع زوايا (فصول) تُشكِّل الفضاء السردي للرواية. فالعنوان دليل مادي خارجي يحيط بالنصِّ Paratext وفي الوقت نفسه جزء أصيل منه بتعريف جنيت جيرار كمقدمة إيضاحية. ويتعدى العنوان في المقاربة النقدية التصور الرمزي في تداخله التاريخي مع القصة الواقعية وأحداثها ليعيد القصة في دورة سردية تقترب من الواقعية المباشرة، وتصبح الصورة السردية مستعادة ومتجليّة في زمن ومكان مختلفين. والبداية المتحقَّقة في النصِّ أو مدخل النصَّ تشمل العنوان من بين التصورات والإشارات التي يرغب كاتب النصّ في إيصالها. ويبدو أن اختيار الكاتبة تسنده رؤية مفاهيمية قارّة في التجربة السردية، وفي حالة الروائية ريم بسيوني تكون الرؤية اللغوية والتواصل اللغوي مبتغى اللغة في ديناميكيتها الراسخة بالأدوات التعبيرية والمنطق اللغوي، وانتقالها بتغير دلالاتها إلى مجال يستنبط أدواته توافقاً مع ما تستدعيه تقنيات الكتابة السردية من إشارات مهمة. الأمر الذي جعل اللغة السردية تكتسب ما تصيغه اللغة من حيث الاستخدام والتطبيق. وبما أن العلامة بالمفهوم اللساني linguistic تدّل على مفردة لفظية يكمن فيها المعنى والرسالة المتبادلة بين المرسل والمتلقي.



الشخصية الروائية والمعالجة السردية

قدمت الرواية شخصياتها الروائية ضمن أحداث مكتملة البناء السردي دون تقصي يتتبع حيوات الشخصيات الروائية في طورها التصاعدي تطابقاً مع الحدث الروائي التقليدي في البناء الروائي العربي؛ فنعثر على شخصية روائية متخمة بأبعادها السيكولوجية وتفاصيلها الحياتية ومأزقها الوجودي وصراعها الحياتي اليومي. فشخصية عبد المؤمن الوكيل تبدو للوهلة الأولى متجليِّة بثراء في النصِّ الروائي، فتبين ملامحها السردية ضمن حزمة أحداث متسارعة الإيقاع يتصل السّرد فيها بوتيرة زمنيّة واحدة عبر صوتي الراوي والشخصيات التي تحيط به، ولا يتوقف من خلال فصول تُقسم تقليدياً الزمن السردي وفق الإطار البنائي للرواية. أضاف اقتحام شخصية المرشد مؤمن للنص الروائي بعداً يقاس عليه المدى الذي يمكن أن تتحقق معه مرامي السرد في أقاصيها البعيدة إجلاءً لصلابة الوصف السردي. فباختلاف أحداث الرواية وظهور أصوات شخوصها، لا تخلو من مفارقات في التنقل بين الأحداث والأماكن التي تشكلت عليها ملامح العمل وانصهرت فيها؛ فإن كانت المواجهة السردية في الرواية تبدأ بالمدينة وأزماتها الْمُتَداعِيَةُ على لسان الراوي، فإن أماكن العمل وطبيعة المهن والمدن والآثار السياحية تقع بوصفها الطبوغرافي في جغرافيا المكان كعلامات لها مدلولات سردية تنبع فاعليتها من قدرة الروائية على إضاءتها وفق التخلُّق السردي للحدث في بنيته السردية. وغالباً ما لازمت شخصية عبد المؤمن الوكيل في مواقفها الباعثة على التناقض مقابلة لغوية ساخرة في تشبيه يربط بين واقع حياته والعالم من حوله متقاسماً توتراته المتكررة في مهنة شاقة مستنفدة للمجهود العقلي والبدني؛ ولكأنما أرادت الكاتبة تقديم عالم موازٍ يبنى على المفارقة المنطقية في السياق السردي. ويبدو أن الهيمنة اللغوية التي تجيدها الروائية (تخصصا) إلا أنها لم تدعها تذوي بالشخصية الروائية انحرافاً بمسار الأحداث الروائية المتلاحقة. فقد برز النص السردي في بداية النص الروائي في "مُـرشِــد سـياحي" متداعياً عن تجريب قصد منه الروائي الانفتاح على تدفق سردي هائل يحكمه الراوي مستنداً الى قوة اللغة السردية ورمزيتها الدلالية (ما وراء اللغة وليس النص Metalanguage استنباط المعنى الكامن في دلالة الألفاظ) في سرد متتابع يتوغل في بطء إلى ما تقود إليه التفاصيل التي تشكل بنية النص في الخطاب الروائي. يتبدى هذا الأسلوب اللغوي الذي يجسد الشخصية الروائية ويبرزها في نطاق لغوي منسجم. فالخطاب السردي بما يمثله من مجال واسع كخطاب لديه منظومات وعلامات لغوية تفسر علاقاته بين النص والمتلقي؛ يكون الخطاب الروائي داخل وخارج الخطاب المتشكل في السياق السردي العام، وذلك لأن عناصره الحوارية ولغته، وأداته التوصيلية في النص الروائي التي تسود في تفاعلاته المعقدة تجعل منه خطاباً مستقلاً وفق نسقه الخاص به. إذ يُكوّن الخطاب الروائي رؤيته ويوجه مكوناته السردية نحو اتجاه تفعيل الصور اللغوية وتأويل الأحداث وبناء شخصيات روائية ناطقة بجوهر رسالة الخطاب. هذا المنحى اللغوي في تشكيل الشخصية الروائية نجده في أعمال الروائية الأخرى كرواية (الحب على الطريقة العربية) فدائماً ما تكون اللغة في انسياب متدفق ومتحكم به سرديا.

تتعدى شخصية مؤمن الوكيل دورها الوظيفي (مرشد سياحي) إلى راوٍ للتاريخ ثم مستعيداً تلك الأحداث والشخصيات الفاعلة تاريخ مصر إلى بنية السرد الروائي وفق البنية الروائية التأويلية للأحداث ذاتها. فهي من جانب كتابة تاريخية توثقها شخصية المرشد السياحي في محور تاريخي (الآثار التاريخية) وتاريخ سيسيولوجي يبحث عن مصائر وحيوات الشخصيات التي انجذبت إلى المكان بعيداً عن أوطانها وتفسيرها بمنحى سردي يموضعها في سياقها الجديد. إذ رواية (مرشد سياحي) محاولة روائية جريئة أدمجت السرد الروائي في طبقات التاريخ بتوظيف كل من المادة التاريخية بالبحث استقصاء للواقعة التاريخية، وإعادة تفسيرها في سياق سردي إبداعي لا يعيد تشكيل الأحداث، بل ينزع إلى مقاربتها بأسئلة الرواية، وتصوراتها الفنية. وتكمن حساسيِّة المنطقة التي تؤدي فيها الروائي سردها مدعمة بمعطيات التاريخ في القدرة في تناول الحدث التاريخي كحقيقة واقعة، في وجود صورة أخرى تبنتها الرواية في الأخذ بما قرَّ من أطر سردية لكتابة جنس أدبي تتسع عوالمه لاستيعاب مضامين ومفاهيم وشخصيات ضمن نمط سردي متوازن.

المكان واستعادة التأريخ

يظهر كل من المكان والزمان والشخوص متحركة في فضاء سردي متمدد، وحتى العلاقات الإنسانية المتبادلة بين شخصيات الرواية، فكأنما أرادت الرواية أن تفصح عن زمن وتعبير إنسانيين متوحدين ظاهرياً وربما تباعدا بالمكان وتوازنا بالمشترك الزمني. لقد ركزت الاتجاهات النقدية في البحث عن التعدد الصوتي Polyphonic كأحد تشكيلات النص السردي وتقنيته، على الزمن الروائي كوحدة متصلة لا تختلف أو تتعدد إلا من خلاله تسلسل الأحداث أو الإشارات الزمنية المباشرة كتفاصيل الوقت والأيام والسنوات. وبما أن المكان لا ينفصل عن بنية الخطاب السردي على مستوى التحليل النقدي والبناء الروائي حيث يتجلى السرد متخذاً من عناصره (مكوناته) دوائر متصلة، ولا يكتمل المشهد الروائي –دون تجريد- إلا من خلالها، فأي فصل أو محاولة خلق مكان سردي يتجاوز المكان فيه إخفاء لأهم مرجعيات السرد الروائي (المكان) وبالتالي أثره على الشخصيات الروائية. وانتقل هذا الوجود الديمغرافي عبر صيغة سردية جمالية بتكويناته التراتبية الاجتماعية وهوياته المشكلة لصلاته الاجتماعية بين القبيلة والعائلة والأصول والانتماء الديني.

وقعت أحداث رواية "رواية مُـرشِــد سـياحي" في مكان يحمل كلا من الصورة المجازية والدلالية للمكان في تمثله السردي؛ فمدينة (الأقصر) في صعيد مِصْر أحالته أحداث الرواية المتفاعلة إلى عالم مُصَغَّر Microcosm يزخر بالمرجعيات التاريخية وعلاقتها بأحداث الرواية شكلاً ومضموناً. فوصف المكان خضع إلى القدرة التصويرية للروائية في رسم خارطة زمنية تاريخية من خلال رصد الأحداث في سياق التفاعل السردي بينها وبين الشخصيات الروائية. هذا التنوع في الشخصيات المتواجدة على المكان جعل منه منطقة تقارب عالمي، فالمكان ببعده الحضاري التاريخي الواقعي يتوافق مع الرؤية الكلية للتصور التاريخي المتجسد في عناصره يجذب إليه العالم بقوته الكامنة في ماضيه، ويعيد تشكيل هذا التنوع الإنساني في تعدد الجنسيات واللغات والهويات والسحنات. تحاول الرواية تفسير العالم مجتمعاً في النص الروائي بقدرة النص على تركيب هذه الرؤى سردياً. وبما أنها، أي الرؤى تمثل حوار الوجود القائم بين الإنسان ورؤاه والظواهر الطبيعية والوجودية التي تحيط به تجاوزاً لحدودٍ شكلية يسعى السرد إلى هدمها. وتضمنت الرواية نقداً سياسياً لاذعاً – غير مباشر – للخطاب السياسي السائد على أكثر من مستوى دون تقريرية واقعية تعوق الخط السردي، ولكن في المقارنة التي ترد في المفارقات بين حياة الشخصيات والبلدان والقيم والأوضاع السياسية.

 ولكن قد يُفسر المكان كعالم ماديّ تنبثق عنه محددات الخطاب السردي في صيغته النصية (الرواية)، وينبغي أن يؤدي دور المتخيل في البناء السردي. فالعلاقة التي تنشأ بين الأحداث والشخصيات في الخطاب الروائي والمكان غالباً ما تتميز بخصائص مقيمة ومتجسدة في المكان كمعطيات مسبقة الوجود تبنى عليها حركة الخطاب السردي. ويصبح المكان فضاء سردياً Spatial تنعكس عليه المشاهدات السردية في عملية تبادلية بين مرموزات المكان الاركيولوجية ورؤى الشخصيات السردية، فتبرز صور للحياة بأبعادها الأنثروبولوجية تراكمت على المكان ومنحته صفته المميزة كما تشير علاماته ( الآثار، النيل، المعابد، المطاعم ...الخ). مكان حيث تلاقت شخصيات الرواية الهائمة (جوانا الروسية، سوزان، ايريكا الأميركية، يان الأسترالية ذات الجذور الصينية) فأصبحت هذه الشخصيات جزءا لا ينفصل عن المكان باختلاف أحلامهم التي قادتهم إليه. وتمكنت الرواية من دمج المكان واستيعابه داخل المحتوى السردي دون إيغال في وصفه على نحو ما يقدم في الروايات العربية من شرح للمكان مما يجعله عنصراً يقيم خارج النص السردي! والشاهد أن رؤية الكاتبة هي ما يرجح المعادلة في اقتسام المكان من حيث موقعه الجوهري في السرد. ويمتد المكان في الموقع والزمن التاريخيين كما في الحاضر، انتقال سردي بصيغة تاريخية موظَّفة عبر مزيج بين تقنية الكتابة التأريخ Histography بإحالته إلى سرد Narrativization إبداعي. وترد هذه المشاهدات وصورها ضمن مقاطع سردية داخل الحكاية بما يوحي بتناصٍ ضمني. فالنطاق السردي في هذه الحكاية (الرواية) يتحكم به بطلها الراوي (مؤمن) Protagonist-narrator  وعليه وقع عبء السيطرة على الأحداث والشخصيات الروائية. وتكوّن بما يعرف بآلية الخطاب السردي واستراتيجيته في إجلاء الصور السردية في حدود ما يتداخل بين زمن الروائي والتشكل السردي المتطور الذي ينشأ من سياق الأحداث؛ أي المسار والتطور الدرامي لأحداث في البناء الروائي، وحيث تمكّنت الروائية من القيام بمهمتين تمثلان البنية المُشكلة للنص الروائي وإدارة الحوار في حركة السرد بين الأحداث والشخصيات، وهما السيطرة على السرد، وإيضاح الشخصيات من حيث دورها في النص الروائي. هذا الجدل المستمر في النص الروائي يرتب الأحداث وفق سياق تحكمه رؤية الروائي على ما يكون عليها العمل المتخيل والمصاغ بأدوات سردية تلزم الروائي عادة التقيد بنهجها، الأمر الذي تشكله الخبرة الذاتية والمعرفة بالمفاهيم التي تقف من وراء هذه الأدوات.


تفسير رؤية العالم

سعت الرواية إلى تقديم شخصيات معبرة بالقوة التي يمنحها النص الموضوعي لما تكون عليه الشخصية في سياقيها الطبيعي أو التخييلي، فمنذ الرحلة الأولى (زاوية السرد) تكاد تمثل كل شخصية وحدة صراع مستقلة تعبر عن ذاتيتها وتتداخل إلى حدِّ التناقض في شبكة علاقاتها مع الشخصيات الأخرى بما فيها الشخصية الرئيسة في العمل (مؤمن) حيث تنتقل علاقاته المتداخلة مع شقيقه وعشيقته جوانا وصديقه محمود وسمير وكمال المنسي ثم علياء. شخصيات لا يتحقق كيانها وفي مواجهة مستمرة مع عوالمها التي تحياها أو المكبوتة في لا وعيها وراء طبقات تجربتها الإنسانية. فقد أدى هذا الاختيار إلى معالجة الشخصية الروائية بمفهوم الخطاب الروائي استجابة لدواعي بنية الرواية السردية؛ شخصيات تعاني من عدم تحقق قلِق ولكن بالإحالات السردية النابهة حاولت الروائية تبريرها بإحالتها إلى تساؤلات فلسفية مستنطقة دواخل الشخصيات الروائية، فمثلاً كيف تنظر جوانا إلى علاقتها مع مؤمن وتعبيرها القيمي للعلاقة الجسدية معه في وجود خطيبها البعيد عنها. “ ...أما الجسد فخارج كل القوانين يملي قواعده واحتياجاته، والرُّوح تحتاج صداقة ملموسة متجسدة وليس فراغاً ووحدة وغربة كاملة". فأتت الشخصية الروائية سمة بارزة لا تكتفي بالاستقلال كهوية نابضة بالحياة، بل تحيل مشاهدتها بالممارسة الكاملة للدور الإنساني دون إضفاء أو إسقاط لرؤى مسبقة التشكّل أو دافع أخلاقي مرغوب في تبنيه أو مبدأ يتطلب تضحية بالنصّ استجابة لنزعة أيديولوجية. وقد لا يكون السرد معنياً بإجلاء بكل ما يحيط بهوية Identity الشخصية كما في واقعها الأخلاقي إلا بالحد الذي يخدم الخطاب الروائي، فهي تماثل هويات بعدد الشخصيات في النص الروائي وهوية ذات مستوى ثانٍ على وقع الأحداث وما تسهم به في خلق الهوية السردية للنص الروائي. فتجسيد الشخصيات الروائية في النصّ الروائي بأبعادها السيكولوجية محاولة جزئية للتعبير عن العالم؛ أو هي محاولة الروائي لتفسير رؤيا العالم من خلال بناء شخصيات تتطابق مع رؤيته الأوسع للعالم. فقد قاد السرد الروائي المتماسك إلى نتائج متحقِّقة أفضت إلى تقرير مصير الشخوص الروائية. فانتهت حياة يان نهاية تراجيدية لا تقل عن مأساتها في حياتها الواقعية حاملة معها تفاصيل حياتها بين الهجرة والحب والكراهية إلى جثة مجهولة. هذا الضعف الإنساني الذي أحاط بالشخصيات الروائية التي لا تكاد إلا أن تنتهي إلى صراع مع عالم تسعف معها. إنها القراءة الباطنة التي تبحث عميقاً فيما وراء ظواهر القيم التي تحيط بالعالم. ثمة إسهاب في تفسير ومساءلة العالم وقيمه بشكل مكثف يكاد يطغى على النصّ؛ وهذا الإغراق في تصدير رؤية الروائية أو على الأقل الدفع بصورة مثالية تستبعد كل شرور عالم يتصل بتجربة حياتية مباشرة. حياة علياء المضطربة وما واجهته من حقائق في محيطها الوظيفي في مواجهتها لمظاهر الفساد والتزوير، تلك المواجهة التي انتقلت بها إلى حيز النص الروائي من دقة محسوسة في توصيفها تبين تجربة ملامسة للواقع، وإذ يشي هذا التدخل المباشر من الكاتب في النص إلى التأكيد على أن عالم الرواية لديه حقائقه ورموزه (شيفرات) تعبر عن بعد تناظري بين عالمين، استطاعت الرواية التجسير بينهما باستخدام روح المؤلف بالمفهوم الأسلوب الذي ينطلق من ذات مدركة لتطبق على الصورة السردية التي تشكل المحيط السردي المستهدف دون أن ينازع تجربته، ولكن ليكتسب السرد أطواراً أخرى ضمن منظومة البناء السردي العام.

إنَّ رواية "مرشد سياحي" استقصت حيوات شخوصها بوعي مدرك لمفهوم كتابة الرواية ابتداءً، وكيف أن مواجهة العالم أو بالأحرى إعادة تفسير بعض من مظاهره سردياً، بل ونقدها بإجلاء صوره المتناقضة تستدعي رؤية معرفية شاملة. إنها رواية تبحث عن حقائق عبر أحداث سردية مثيرة يعتذر الوصول إليها وإن تكن الرواية قد قادتنا لفهمها عبر أصعب منطقة في السؤال الوجودي حين يبدأ البحث عن الحقيقة المفقودة.


* كاتب سوداني

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.