}

خالد حسين: السؤال أحد أفعال الشعر

ميسون شقير ميسون شقير 10 أكتوبر 2023
حوارات خالد حسين: السؤال أحد أفعال الشعر
خالد حسين

 

خالد حسين شاعر وأكاديمي كردي سوري قادته شاعريته، وشخصيته الباحثة الجادة، المتعاملة مع مشروعها الفكري والأدبي بمنتهى المسؤولية، إلى الدخول إلى النفس البشرية، وتقديم نص شعري ينزع نحو استخدام تقنيات السرد، نص آت من الجهات قاطبة. ولفهم علاقته مع الشعر ومدى تأثير المعرفة الأكاديمية النقدية على شاعرية ما يكتب، وأيضًا لفهم تلك الحالة لشاعر يعيش الآن في أوروبا حالة الاغتراب اللغوي العميق حين عاش طيلة حياته اغترابًا عن (اللغة الكردية) التي شكلت له ملامح هويته ووجوده وكذلك الآن اغترابًا عن (اللغة العربية) التي يكتب بها، أجرينا هذا الحوار معه.

ولد خالد حسين في منطقة قامشلي (سورية) عام 1965؛ حاصلٌ على درجة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من قسم اللغة العربية بكلية الآداب ـــ جامعة دمشق، 2005. عضو الهيئة التدريسية في كلية الآداب الثانية (السّويداء) حتى 2013. أصدر مجموعة شعرية بعنوان: "نداء يتعثّر كحجر"، عن منشورات رامينا، لندن 2023، ومن جهةٍ أخرى أصدر عددًا من الأعمال النقدية (شعرية المكان في الرواية الجديدة، 2023، ط2،)، (في نظرية العنوان، 2023، ط2)، (شؤون العلامات: من التشفير إلى التأويل، 2008، ط1)، (اقترافات التأويل: مقاربات في الشعر والنقد والنقد الثقافي، 2023، ط2)، (سيميائيات الكون السّردي، 2023، ط1)، وثمة كتب قيد الطباعة راهنًا.

هنا حوار معه:

(*) أين تجد الشعر بشكل عام، وقصيدتك بشكل خاص؟

لا ريب في أنّ "السِّرَّ" الذي يعتمل في الكلمة الشّعرية سيبقى في حالة خفاء أبديّ، لا أحد يملك الجرأة والجسارة لتحديد "الكلمة الشعرية"، غالبًا ما يلجأ الشُّعراء والمفكرون إلى المناورة والمجاز والتلميح في ذلك، لكن في كلّ تحديد يمارس الشِّعرُ الفيضَ أو الفيضان عن الحدود المرسومة حتى وإن رُسمت عن طريق المجاز... هذا هو ديدن الشعر: الالتفاف على أيّ تحديداتٍ أو ترسيماتٍ تستهدفُ اعتقالَ الشّعر. بهذا "الهروب" أيضًا من تضاريس "التحديد" يمكنني أن أتطرّقَ إلى الموقع الذي يقيم فيه الشّعرُ وهو موقع متعدّد، سَيّال إذ يمكن أن تستيقظ "الكلمة الشّعرية" في ممارساتٍ خطابيةٍ متنوعة ومختلفة ومن ثمَّ فهي ليست مقتصرةً على الفضاء الكتابي الذي نسمّيه "القصيدة"، فربما ترتسم القصيدة ويغيب فيها الشِّعرُ ذاته. تدهشني تلك العبارات المجازية التي تعتري أساليب الفلاسفة والفيزيائيين وعلماء الاجتماع والمؤرخين الكبار... إلخ، فشأن الشّعر مع اللغة أنه يتحيّن الفرصة لكي ينبجس من صدوعها وشقوقها ويشرق، هذا ما يمكن تلمسُّه في الأسلوب الاستعاري الذي يعصف بكتابات موريس بلانشو، ميشيل فوكو، جاك دريدا، حتى في حواراته الاعتيادية يبزغ الشِّعرُ مثلًا لدى سليم بركات. من جهة أخرى أَسْميتُ نصوصي ضمن مجموعة "نداء يتعثر كحجر" ــ التي نُشرت مؤخرًا ــ باسم أجناسيّ وهو "اشتباكات سردية في إهاب الشعر"، هكذا أتخيّل أنَّ هذه النُّصوص تقيم في المسافة الفاصلة أو الفضاء الواصل بين السّرد والشعر وسأترك القارىء المطّلع أن يحدّد ماهية النّصوص من عدمها. وبالالتفات مرة أخرى إلى سؤالك: أين تجدُ الشّعر؟  أتخيّل شاعرًا يرتقي تلًا صغيرًا ليخطف غبطة السماء من زرقتها من أجل أن يكتب قصيدة...!   

(*) هناك من يقول إن الدراسة النقدية الأكاديمية تغني الشاعر، وهناك من يؤكد على أنها تأسر حرية الابداع فيه، ما الذي غيرته دراستك، ودراساتك النقدية، في طريقة كتابتك الشعرية؟

في الواقع؛ لم أغادر حقل الشّعر بتاتًا، دفعتُ بالدّراسة الأكاديمية ذاتها إلى مياه الشّعر، الشّعرُ في الحقيقة يمثّل إهاب الكتابة لديَّ، لذلك ربما ما أكتبه من نقدٍ لا يناسب معايير الفكر المنطقي أو من يبحث عن الدلالة الحاسمة للنصوص الأدبية التي تندُّ عن الحسم الدلالي ذاته. إنّ الممارسة النقدية مَثَلها مَثَل أي ممارسة خطابية لا بدّ لها من عامل "الإبداع"، علاوة على الأعراف العلمية التي تضبط عمليات الدائرة الهرمانيوطيقية من فهم وتفسير وتأويل في الكتابة. لا أنظر إلى الممارسة النقدية على أنها حدثٌ تابعٌ، وظيفتها خدمة النصوص الأدبية وإنما تسعى ــ وفق رؤيتي المتواضعة ــ إلى ابتكار هذه النصوص ذاتها، العمل في التضاريس المعتمة لهذه النصوص وكتابة ما لم تقله، واستكشاف آفاق جديدة للخيال الإبداعي، وبذلك فالممارسة النقدية هي ضرب من إبداع الخيال في الكتابة مع الحفاظ على أعراف الفهم المشار إليها آنفًا وبعض الضوابط التي تستدعيها الكتابة الأكاديمية. لكنني لم أبقَ حبيسًا في إطار الدراسة الأكاديمية التقليدية، فالأمر استدعى مني باكرًا جهدًا كبيرًا في الاطلاع على علوم اللسان الحديثة والفلسفات المعاصرة واستراتيجيات القراءة في الحقل النقدي، وهذا ما كان له تأثيرٌ عاصفٌ على رؤيتي النقدية وأسلوبي في الكتابة بصورةٍ عامة...

(*) تعتمد في مجموعتك على تبني حالة السؤال التي يجب أن يتركها النص في روح متلقيه مباغتًا حادًا، هل يكفي السؤال الذي يستحضر الدهشة، ليكون المنجز شعرًا؟

في واقع الحال؛ لم أنتبه لهذا الأمر! لذلك أشكرك على قراءتك اليقظة لنصوصي. سؤالك يعيدني إلى الشِّعر مرة أخرى: هنا؛ يمكنني القول إنَّ "السُّؤال" يعصفُ بشدةٍ في أوصال الكلمة الشّعرية، فالشّعر لا يتورّط في الإجابة، ثمة هوّةٌ، صدعٌ بين الشّعر والحسم دلالةً للقول، فكينونة الشعر قائمة على حافّة السُّؤال، على سفوح الاحتمال والممكن ومنحدراتهما، على الحدّ الغامض لليل والنهار، الشعر ماهيةً لا يركن إلى الاستقرار حيث موطن "الإجابة" والأيديولوجيا واليقين المتعجرف، هذا اللاتجانس هو الذي يهب الشّعر كينونته.  وإذا كان السُّؤال يضربُ بقوةٍ في البنية الشِّعرية ويصنع المباغتة والدّهشة واللامتوقع للدفع بالمتخيَّل إلى منزلة الفاتن، فالسُّؤال أحدُ أفعال الشّعر في الانوجاد إلى جانب استراتيجياتٍ أُخَرى ولا سيما تقويض العلاقة السّائدة بين العلامة والمرجع لتحرير اللغة من إرثها التداولي وهذا لا يعني إحداث القطيعة وإنما لإحداث الغرابة والطّيات الدلالية لحظة انبناء القصيدة، إذ في الشعر المختلف تبزغُ اللغة وتغدو غريبةً مع ذاتها. وبناءً على ذلك فالمخيِّلة الشّعرية توظّف بشكل متزامن حزمةَ استراتيجياتٍ لخلق القصيدة من خلال تشابك الوعي واللاوعي، الذات والعالم، الذات والتجربة الأنطولوجية، الذات الشاعرة واللغة بكل إرثها... ولادة القصيدة ضربٌ من الاستحالة الممكنة.     


(*) تراهن في كتاباتك الشعرية على رأسمال من الرموز اليومية الفردية والجماعية لعالم معقد متصارع مع ذاته، هل تعتقد أن اتباع العديد من الشعراء المعاصرين لأنسنة تفاصيل الحياة اليومية ومفرداتها، قد يقودنا لشكل شعري جديد ينحصر في شعرية التفاصيل؟

قوة الكلمة الشّعرية وشكيمتها تكمن في خلق العلامات وتشفيرها في السّياق الثقافي استنادًا إلى مما توفّره اللغة من قوانين وأعراف في علاقتها بالعوالم الميتافيزيقية واليومية والفيزيائية، فالشعر نقلةٌ، تحويلٌ، انزياح من حالٍ إلى حالٍّ، ولذلك يحتاج الشّعر الحقيقي إلى قراءات متعدّدة للإحاطة بأسرار تلك التشفيرات التي تحدثُ الغموض والالتباس والإبهام في تضاريس لغة القصيدة. من ناحية أخرى فالأمر لا يتوقف على أنسنة التفاصيل اليومية لخلق "شكل" شعري خاص بذلك، فالمخيِّلة الشعرية المقتدرة من وجهة نظري، وفي علاقتها بالعالم، تبتكر البنى الشّعرية التي تدلّ على فرادتها وطاقتها على اختراع الجمال... من جهةٍ أخرى أشعر بالعجز في الإحاطة بمفهوم "الشّكل"؛ لذلك أميل إلى استخدام مفهوم جسد (أو بنية) القصيدة، فتضافر مستويات اللغة وفق أعراف النوع المفتوح وسُنن النسج وقوة انتهاك النظام الدلالي للغة التداولية، هذا التضافر هو الذي يتيح للشِّعر أن يحضر كجسد أو بنية مائزة. أما من جهتي فالرأسمال الرمزي الذي يحضر في نصوص "نداء يتعثر كحجر" و"وردة الغمام أو النّشيد الأخير لسيامند السّليڤي" يتكثّف في موضوعة المكان، في فضاء الجزيرة، في تشابك الثقافات الكردية، العربية، السّريانية في هذا المكان. وقد أشار الأصدقاء النقاد الذين قدّموا مقارباتهم لنصوص "نداء يتعثر كحجر" إلى القيمة المهيمنة للمكان فيها. وللتوضيح ففي زياراتي "للجزيرة"، كنتُ أزيحَ الزّمن جانبًا لأعيش المكان بكل كثافاته. 

(*) تنحاز التراكيب الشعرية في مجموعتك إلى عمق دلالاتها، من دون أن تفقد متعة الدهشة، إلى أي مستوى يتفق فيك الشاعر والناقد؟

لو حاولتُ أن أفهمَ سؤالكِ هنا ولا سيما الجزء الأول منه يمكنني أن أمضي إلى القول: إن الدلالة بمفهوم لساني هي التي تحدّد حركة التركيب الشّعري... لكنني أختلف مع هذا القول جملةً وتفصيلًا؛ ذلك أنّ العلامات في حركتها وتفاعلها مع العالم هي التي تبتكر المعنى في اللغة، فلا وجود لمعنى سابق على اللغة، حتى الحقائق الميتافيزيقية هي من صناعة الثقافة من خلال اللغة وفيها وبها. أما في الشّعر فهذه الفكرة الأخيرة تشتغل لحسابها الخاصّ بشكل أشدّ من المعتاد أي المجد للدّوال! فمع كلّ قراءة مبدعة تنبثق دلالات جديدة عن حركة العلامات. لذلك أعتقد أنَّ الدَّهشة في الكلمة الشّعرية تتأتى من خلال تقويس العلاقة بين العلامة والمعنى والانزياح بها إلى جهة أخرى، هذا التقويس أو الانزياح بلغة جان كوهين هو الذي يحدث المنعطفات الحادة والطّيات والصُّدوع في نسيج اللغة الشّعرية. أما فيما يخصُّ الجزء الثاني من السُّؤال فيمكنني الإشارة إلى أن الكتابة النقدية لديَّ لا تغادر أرض المجاز، فهي تعتاش على الاستعارة مع الأخذ بالحسبان أعراف الكتابة النقدية ووسومها وطرائقها في السير.

(*) الشيح والقيصوم والنعناع البري القادمين من حواف الجزيرة السورية، ومن ضفاف فراتها، يملؤون قلب قارئك بشعر واخز كرائحة العجين، وبنهايات مباغتة، كنهاية أغنية كردية قادمة من جبال طاعنة في العلو، إلى أي مدى تقودنا ذاكرة المكان ونحن نكتب، أو ونحن نبكي؟

هناك في الجزيرة التي يحتضنها نهرا دجلة والفرات وتعاني راهنًا من حملة تعطيش إجرامية، في هذا الفضاء الثري بثقافاته المتنوعة، بلغاته المتعددة، في منطقة "قامشلي"، وتحديدًا في الجنوب الشرقي منها، حيث تتراءى لي شجيرات الخرنوب القصيرة والكلندور والحرمل ونباتات العصيلان والأقحوان وحقول القمح الشَّاسعة والبيوتات الطينية التي كانت تقاوم برد الشتاء وقيظ الصيف بمهارةٍ، في هذا الفضاء البسيط بآفاقه المفتوحة تشكّلت ذاكرتي المكانية البصرية، إذ تشتعل بهذا المكان وكائناته، هذا الاشتعال الذي لمّا... معظم الصُّور تنبجس لديّ من هذا الفضاء حيث أُزيحُ الزمنَ جانبًا وأعيش تفاصيله...، لكنَّ القصيدة أيضًا، علاوة على الذاكرة المكانية بوصفها فاعلًا بنائيًا، تتشكّل بفعل وطأة الإرث الثقافي: الحكايات الكردية، أغاني العشق العذبة وأثرُ هذا يتجلّى بوضوح في تضاريس نصوص "نداء يتعثر كحجر"... سأعود إلى هذا المكان بتفصيل أكبر في سيرتي الذّاتية المرتقبة "شجيرات الكلندور: سحر البعيد"، فالسّرد استراتيجية أكثر نجاعةً في التعامل مع المكان وإعادة استعادته وتشكيله واختراعه من الشعر. الذاكرة المكانية فاعلة ومؤلمة، حافزة وطاعنة في الوقت ذاته.     

(*) في رأيك أين تتقاطع الثورة كثقافة، مع الشعر، وهل تخاف على الشعر السوري بعد الثورة السورية من أن تخنقه الأنقاض؟

بجملةٍ واحدةٍ: سورية كلها أنقاض، مخنوقة بالدّمار والكارثة... حتّى الآلهة تخلّت عنها...!

(*) في الشعر، وفي الحياة، نستجير بالحب كي نعود لأنفسنا سالمين، هل لا يزال الحب قادرًا على إغاثتنا نحن السُّوريين؟  

في الشعر والحياة، في الفرح والمأساة، نلجأ إلى الحبّ، إذ يمثّل "الحبُّ" الأفق المتعالي للكينونة، بدون الحبّ ستغدو الحياة مجرد مساحةٍ من القحط والجفاف والتماثل المقيت. أما علاقة الشعر بالحبّ فتتمظهر من حيث أن الشعر يتشاركُ مع "الحب"، يتشاركان في سمة الفيضان على أيّ تحديدٍ، بل إن الحبّ يشكّلُ النبع الذي لا بدّ للشّعر من الارتباط به ليكون شعرًا، لذلك فقصيدة الحب مغرية ومغوية بالانتباه والقراءة.. التراث الكردي يقدّم مساحات من شعر العشق من خلال ملاحم صغيرة "ممي آلن، زمبيل فروش، مير مح، ..." تتمظهر تأثيراتها بصورة واضحة في نصوص "النداء"، وكذا لدى الشعوب الأخرى... قوة الحبّ تكمن في النقص الذي فيه، إنه لا يكتمل، إنه يتضمن الصّدع الذي يجدّده، ما أن يتصدّع حتى يتجدّد.. لا أدري في ظلّ عربدة الكارثة والأزمة المستعصية في سورية كيف سيُعيد الحبُّ رتق تمزقاته ويصنع الوئام في هذا الفضاء المنكوب؟ لا أدري...! الحب فعل تشاركيٌّ، فعل تخارُجيٌّ بلغة الفلسفة، يحتاج إلى فضاء من الحرية والتسامح والديمقراطية حتى ينمو ويمتد بظلاله.... 

(*) وأنت الذي شكلت اللغة الكردية ملامح روحك وهويتها وشكلت اللغة العربية جزءًا من ملامحك، وشغفك، ودراستك، وعملك، أين تجد نفسك الآن وأنت تعيش في بلاد لا تعرف اللغتين؟

لم تُحاصَرْ لغةٌ كما حُوصِرَتِ اللغةُ الكرديةُ في مواطنها، بل تعرّضت للإبادة، ومع ذلك ظلّت الكردية تواجه الموت بجسارةٍ، رغم منعها منعًا باتًا بقرارات جائرة في المدارس والمعاهد والجامعات، ظلّت الكردية تصوغ هوية الكرد، لم تتعطّل مطلقًا عن التداول بين الكرد، هذا المنع كان يضاعف من إرادة الكرد في الحفاظ على لغتهم... أتذكّر جيدًا أنني وجدتُ نفسي غريبًا عن "العربية" وفيها.

حينما انتسبت إلى المدرسة لم أتعلّم العربية برغبةٍ ذاتية ــ وإنما تعلّمتها وفق المثل العربي: "مُكْرَهٌ أخوك لا بطل"، وأفتح هنا قوسين لأوضّح [فلا اللغة العربية تتحمّل ولا أهلها مطلقًا جريرة فعل السّلطة في هذا الشأن]. وإزاء هذا التعطيل للغة الأم لم يبق أمامنا سوى "العربية" لمتابعة الدراسة الابتدائية والإعدادية والثانوية والأكاديمية، فقد باتت النافذة الوحيدة على الثقافة في ظلّ الحصار على الكردية ومنعها من النموّ. أعتقد أن أيديولوجيا البعث نجحت إلى حدّ بعيد في صناعة جهلٍ فائقٍ وصياغته لدى مساحات كبيرة من السكان في سورية باللغات الوطنية الأخرى (أدهشني في هذا السياق الجهل الغريب بشؤون الكرد قوميةً بين الكثير من المثقفين السُّوريين باستثناءات قليلة جدًا!)، ويبدو أن صناعة العداء للغة ــ الثقافة الكردية راهنًا انتقلت إلى جماعات المعارضة التي كشفت عن وجهٍ عنصري في غاية الإقصاء استمرارًا لذلك النسق الأيديولوجي وإرضاء للسُّلطة التركية. 

هكذا في ظلّ لغتي ــ الأم بطابعها الشّفاهي العنيد آنئذٍ والعربية (لغة التعلّم) تشكّلت هويتي/ هوياتي. أقتنص الفرصة هنا لأقول إنّ "العربية" التي أكتب بها أحاول أن أترك فيها ثغرة لتتكلّم من خلالها الكردية، حيث أسافر بين اللغتين. وهذا الأمر يشمل كتابات الكثير من الكتّاب الكرد وليس الأمر وقفًا عليّ فقط. أما راهنًا وفي هذه البلاد الغريبة والجميلة فأمضي عميقًا في الصّمت. 

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.