}

محمد الغربي عمران: في رواياتي تتصارع الشخصيات حول الدين

حميد عقبي 18 مايو 2018
يرى الغربي عمران أننا نخلط بين كلام الفقيه وكلام الله وأن تاريخنا كتبه المنتصر، لذلك فهو مزور ومحشو بتمجيد المنتصر والرواية ترجع إلى الماضي وتخلطه بالحاضر مع شخصيات معيشة وحية، كما يحزن لضياع إرث حضاري يمني شفهي، تلك القصص والحكايات السردية تموت بموت حفاظها والرواية اليمنية اليوم تحاول أن توثق وتحفظ بعضها، بطبيعة الحال يقصد قراءة وعرضاً للتراث السردي بأسلوب روائي وليس العرض المباشر.

محمد الغربي عمران قاص وروائي يمني أثارت أغلب أعماله الكثير من الجدل داخل اليمن، حيث توجد فئة تعطي نفسها حق محاكمة أو تكفير أي عمل أدبي أو فني شجاع فهي ترفض التأمل الفكري والفلسفي، لذلك تجد بعض خطباء الجمعة يعلنون تكفير هذا ولعن ذاك من الكتاب والمبدعين وقد تخصص حملات قاسية ومحاكمات باطلة بدعوى حماية والدفاع عن الله ونبيه ودينه لكنها تمجد الفساد والظلم أو تصمت عنه.

نلتقي ضيفنا صاحب "مصحف أحمر" و"الثائر" و"مملكة الجواري" وغيرها، كما سنسلط الضوء على المشهد الثقافي اليمني في زمن حرب يمكن أن تطول وفيها يرقص الموت على مزامير الجوع والفقر والمرض وتتسع دائرة الألم والحرمان.

كائنات السلطة تفكر بأسلوب قطاع الطرق

*تثير أعمالك الكثير من ردود أفعال وصودر بعضها... ألم تفكر بأخذ استراحة محارب وهل حاولت السلطة التصالح معك؟ ولماذا لم تؤسس هيئة أو مؤسسة ثقافية كما فعل غيرك؟

يا صديقي.. لا أجد سعادتي إلا متنقلاً بين القراءة والكتابة.. الكتابة أضحت موعداً مع النفس.
كائنات السلطة يفكرون بأسلوب قطاع الطرق.. ولا يمكن أن يكون للكاتب في حساباتهم إلا التهميش والإقصاء.. والسلطة لم تحاول التصالح.. ولست رقما في دعاتهم حتى يحاولوا التصالح.. وإن كنت في سعادة لأنني منسي من قبلهم.. فهم لا يمكن أن يأتي منهم إلا كل قبيح.
لدينا عمل جماعي يتمثل في نادي القصة.. وهي مؤسسة لا تتبع أحداً وفي نفس الوقت تعنى بالأدب بخاصة فن السرد ونقده.. النادي لا يتلقى أي دعم من السلطة.. وهو من أعضاء النادي موقف ممن لا تعنيهم الثقافة.. ويهتمون بالتدجين.. ولذلك ينشط النادي بعيدا منهم بشكل جيد.. ونتمنى أن لا يتذكرونا.

العمل السياسي في بلدي عهر

* كنت عضو مجلس نواب وكان يمكنك أن تؤسس حزباً سياسياً مثلاً... هل شغلتك الكتابة عن هكذا طريق؟ 

لست مهووسا بالعمل السياسي.. فالعمل السياسي في بلدي عهر.. فكيف أفكر بتأسيس حزب.. خاصة وما هو موجود من أحزاب قد سمم الحياة.. وأنت تتابع نشاطهم القبيح والمشين. 
بالطبع القراءة والكتابة أضحتا جزءا من سعادتي اليومية.. وسعيد أني منغمس بها.. فهي أسلوب حياة.. وأجد نفسي قبل أن أتوه.
* رغم ويلات الحرب وصعوبة الوضع الاقتصادي، نسمع عن نشاطات نادي المقة... نود لو تعطينا لمحة عن وضع النادي ونشاطاته والداعمين له؟

لا يوجد داعمون.. الأدباء العاشقون للأدب هم من يتبرعون بوقتهم.. وبما يساعد النادي على الاستمرار.. ونشاطه منتظم.. إذ يقدم ندوة أسبوعية عصر كل أربعاء: نقد.. قراءات.. شهادات إبداعية.. كما يكرم النادي شخصيات كان لها أثر في الثقافة والأدب.
النادي بعيد من السلطة ودعمها ولذلك ينشط دون دعمها.. لأن السلطة تسعى دوما لفرض الوصاية.. والأدباء لا يهمهم إلا أن يكون ناديهم مهموما بالأدب.. اللهم اجعل نادينا خارج دائرة اهتمام السلطة.

وزارة الثقافة لا تمثل الثقافة في بلدي

*شلل تام وفساد وفشل. كل هذه الأمراض كانت تعاني منها ما يسمى بوزارة الثقافة... كيف هو حالها اليوم؟
ـ  ما تسمى بوزارة الثقافة لا تمثل الثقافة في بلدي.. ولا تعني للأدباء أي شيء.. وزارة الثقافة اسم في غير محله.. يديرها قلة من المنتفعين.. على قلة من الشطار .. على قلة ممن لا يمتون بصلة إلى الثقافة.. ولا يفهمون ما تعنيه مفردة ثقافة.. إلا أنهم يجيدون شفط الموازنات والاعتمادات المرصودة في موازناتهم.. وأعني هنا وزارتي عدن وصنعاء.. ولذلك، طالبنا ونطالب بإلغاء هذه الوزارة بعد أن أزكمت بروائح فساد وزيريها وقيادتي الوزارتين الأنوف. 
والحل بإلغاء وزارتي صنعاء وعدن.
* كثيرون يتذمرون من اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وهو هيئة ذات تاريخ نضالي لكن الغالبية أعلنت موت هذا الكيان... أنت كيف ترى الوضع؟ وهل من أمل لعودة الروح له؟

هو بالفعل ميت سريريا.. فلا أنشطة ولا مواقف إزاء ما يحدث للوطن من تدمير.. فرئيس الاتحاد لأكثر من سنة غائب في مصر.. والأمين العام نائب وزير الثقافة.. وهذه مخالفة لمواد النظام الأساسي للاتحاد.. الذي ينص في أحد نصوصه على أنه لا يحق لمن يتولى وكيل وزارة كأمين عام.. وبغياب الرئيس وانشغال الأمينة جمدت أنشطة الاتحاد وإقفال مقراته. الأمل بعودة دور الاتحاد أن يتم انتخاب بديلا للغائبين والمخالفين للوائحه.. وهذا سيتم بعد عودة السلام لليمن.. لأن الحرب أسهمت في ترسيخ بقاء الرئيس الغائب والأمين العام المخالف للوائح .. ودوما ننتظر فالفجر قادم.

الأديب ليس بداعية حرب

*الحرب أفرزت خلافات وأحقاداً بين أدباء اليمن ومثقفيه وتتعالى أصوات التشطير والتخوين بين أدباء الشمال والجنوب، وكذا بين من يقف في خندق الأطراف المتصارعة وهناك من يؤيد التحالف ويسبح بحمده ومن يقدس الحوثي... ألا ترى أن كل هذا يجعل الناس تفقد الثقة في المثقف والأديب؟ أتعتقد أن هذه السلبيات والعداوات ستُمحى لو توقفت الحرب؟

الأديب ليس بداعية حرب.. ولا مناطقية أو تشطير.. أو مذهبية.. ومن تراهم يقفون مع طرف ضد آخر ليسوا بأدباء أو مثقفين بل هم محسوبون على الأدب.. اليمن تدمر من قوى الداخل والخارج.. ومن تراهم أدوات لقوى إقليمية.. الجميع يمزق البلد ويحرقه ويقتله.. فكيف تحسب أديبا يتبع خندقا وتحسبه كائنا سويا.. البلد بحاجة إلى رفض الحرب ورفض تسلط الساسة.. على الأقل ألا نتبع أيا منهم.. فقد أفسلوا ولا يملكون لأنفسهم أي إرادة، مجرد أدوات .. أو رضي لأنفسهم أن يكونوا عسكرا ينفذون ما يملى عليهم.. تأكد من أنهم زائلون .. والفجر قادم.. وعلينا أن نبشر بقدوم الحرية والديمقراطية والمساواة.
* الغربي عمران من أين تستقي أفكار رواياتك؟ وهل تؤمن بصحة التاريخ؟
تاريخنا تاريخ المنتصر.. ولذلك أراه تاريخا مزورا.. والرواية وإن استخدمت الماضي لكنا نستدعي ماضيا متخيلا. التاريخ علم.. والرواية خيال .. وأفكاري أستقيها من الماضي.. والحاضر.. من شخصيات أعيشها وأمكنة أعرفها.. نحن شعب له ماض رائع، ما قبل الإسلام ولنا بعد ذلك تاريخ مزور.. وعلينا أن نكتب من أجل غد خال من الكهنوات وخال من معضلات الدين.. وأن نبشر بالديمقراطية والمساواة والحرية.
*ربما ينقدك البعض في اختياراتك عناوين مثيرة وملفتة للنظر لرواياتك... هل هذه العناوين سببت لك خسائر؟

العنوان مهم جداً بالنسبة لي ولغيري.. وهو آخر جزء أستقر عليه.. قد اختاره وقد يقترحه الناشر.. ولذلك تجد بعض أعمالي صادرة بأكثر من اسم وأورد هنا بعض الأمثلة.. رواية ""ظلمة الله".. وهو العنوان المقترح من قبلي لرواية نشرت بأكثر من عنوان مختلف منها.. "ظلمة" جائزة الطيب صالح.. بعد أن ألغت الجائزة "الله" ظلمة.. وذلك بعد فوزها بالجائزة 2012.. ثم نشرت نفس الرواية بعنوان "يائيل" عن دار طوى.. ثم نشرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان "ظلمة يائيل".. وأخيرة "الطريق إلى مكة" عن دار العين في القاهرة والمؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت.
ورواية أخرى اخترت لها عنوان "خنثى" ثم نشرت بعنوان مقترح "الثائر" عن دار الساقي.. ثم رواية "ملكة الجبال العالية" الفائزة بجائزة كتارى.. وأعلن حجب الجائزة بعد أيام من الإعلان بفوزها نتيجة لصدورها عن دار الهلال قبل إعلان فوزها بشهر بعنوان "مسامرة الموتى" ثم نشرت بعنوان "مملكة الجواري" عن دار هاشيت أنطوان البيروتية. 
ومن خلال ذلك، نجد أن العنوان يمثل لي مشكلة أعاني منها لتصدر رواياتي بأكثر من عنوان..
ولهذا تجد رواية "مصحف أحمر" نشرت مرة واحدة عن دار رياض الريس بيروت.. ومنعت في أكثر من معرض في حينه.. منها معرض الرياض والكويت وكذلك في اليمن.. وحين حاولت نشرها مرة أخرى.. رفضت دور النشر نشرها ومنها رياض الريس مشترطة تغيير العنوان. وبذلك وئدت مصحف أحمر.. ومن أجل بعثها من جديد أدعو من لديه ناشر يبلغني رجاء.
* دار الكثير من الجدل حول بعض أعمالك... ألا تشعر بالخوف وأنت تقيم باليمن؟ ألم يؤخر الخوف أعمالاً أو أفكاراً عن النشر؟

في رواياتي تتصارع الشخصيات في مجملها حول الدين بوصفه أصبح مشكلة.. صراع بين قوى التأسلم وقوى التنوير.. مستخدما تقنية استدعاء الماضي المتخيل لتسليط الضوء من خلاله على الحاضر.. فالدوائر تتطابق كما يقول فيكون.. أو كما يقول غيره التاريخ يعيد نفسه.. وترى المجتمعات الإسلامية تستجر الماضي كنموذج أمثل.. ورواياتي تسعى لهدم الخوف وفضح من يروجون للمطلق.. في سبيل تجاوزها والانعتاق نحو المستقبل دون قيود.. فلا خوف قائما لدي.. وحين أكتب أتخلص من كل رقيب.. ليأتي الخوف لاحقاً بعد إكمال العمل.. لكن الخوف لا يأخر أي عمل أو يلغي أي فكرة .. فدوما أطبق مقولة "قل كلمتك ومض".

الرواية في اليمن.. تسير في خط تصاعدي

* برأيك، ما مسارات الرواية اليمنية؟ وما أهم الأسئلة التي تطرحها؟

ـ  الرواية في اليمن.. تسير في خط تصاعدي.. مفجرة أسئلة تتعلق بالوجود.. وذلك الجدل الوجودي الذي يؤثثها هو ما يمثل الأفق الجديد للرواية الحديثة.. ومعالجة الصراع بين قوى التحديث وقوى الجمود.. بين التنوير والقوى الظلامية.. وبذلك ترى الرواية أن الدين مشكلة وجب تجاوزها ليعيش المجتمع على إيقاع الحرية والمساواة والتحديث.
الرواية في اليمن تتطور فنياً.. ولم يعد التنافس بين النتاج المحلي .. بل تجاوزت ذلك إلى التنافس العربي.. وإن كان بشكل خجول.. إلا أن مؤشرات عدة تدل على ذلك ومنها.. الإقبال على الرواية اليمنية من دور نشر عربية معروفة.. إضافة إلى ترجمة بعضها.. ومنافستها في عدة جوائز.. وفوز قلة منها.. إلا أنني أرى الغد أفضل رغم ظروف الحرب والتشرد.
* تحدثت مرة عن رواية جديدة بطلها موسيقار شعبي وفيها تصوير لفئة الأخدام ... هل تمكننا معرفة تفاصيل أكثر؟

ـ  كيف عرفت؟ هي رواية بعنوان "حصن الزيدي" الشخصية المحورية فيها "قارون" عازف ناي.. يفر من القرية في الشمال إلى عدن الإنكليز.. نتيجة لتسلط الشيخ.. لكنه يعود كائنا مختلفا.. وقد أصبح عازف ناي.. يتزوج من فئة الخدم.. ليعاني قارون من مجتمعه.. فبعد عدن لم يعد ذلك الكائن الريفي.. وقد تغير ليعيش حياته بسقف حرية مختلف.. ذلك القارون كان ظاهرة في مجتمع تقليدي.. مثل كائن متمرد ومؤثر.

حاولت في "حصن الزيدي" أن أقدم الاختلاف.. ورفض القوى التقليدية لكل تحديث.. كما ارتبطت أحداث الرواية بالتغيرات التي أحدثتها ثورة 1962.. وذلك الصراع بين قوى ليبرالية وقوى تقليدية. كما رصدت تأثير الوجود البريطاني وما تركه من تحديث.. ثم ما تلى ذلك من صراع على السلطة.. هي رواية ستصدر قريبا من بيروت. 
* اليمن بلد غني بحكايات وأساطير وأغان وقصص شعبية تظل شفهية وحفاظها بعضهم مات وبعضهم مهمش.. أنت كقاص وروائي، ما مدى تأثرك بهذا التراث؟ ولماذا لا يوجد جهد للبحث عن هذه الكنوز أو التفكير بتوثيقها؟ 

حزين ونحن نعيش زمن يندثر فيه مخزون إنساني ثري.. فمثلاً كان في قريتنا عازف ناي.. وكان يحفظ الكثير من المهاجل وما يردده الإنسان في تلك المنطقة في أفراحه وأتراحه.. مخزون هائل لموروث فني.. يعزفها دوما وقت السلى منها ما يخص الزراعة والموت والأعراس.. لكنها ماتت بموته.. وهكذا هي الحكايات التراثية.. يضيع من موروث إنساني لإنسان الجزيرة العربية. وأجزم بأن الرواية تساهم في الحفاظ على الشيء اليسير.. ولكن ليس من وظيفته ذلك حتى لو أسهمت.

الطغاة ذاهبون وتبقى الشعوب

* يروج بعض المطبلين لأن جزيرة سقطرى إماراتية وليست يمنية... كيف ترد على مثل هذه الطروحات وهل سنسمع غداً أن الحديدة سعودية؟

ـ أحلم دوما بوحدة الجزيرة العربية.. وأجزم بأن ما يدور من قبح الساسة ما هو إلا مخاض لقادم أجمل.. أنا لا أرى تلك الحدود بين أقطار الجزيرة إلى حدود للحكام.. وتلك الأعلام أعلام تخص الحكام.. فلا سبيل لنا كمجتمعات إلا بالتكامل بين مجتمعات الجزيرة العربية.. فنحن إخوة.. وما يطرأ علينا ألَّا نتوقف عنده.. فأبواق الفرقة وتلك الدعوات السلالية والمذهبية كلها لا تلغي عمق الماضي المشترك والغد الذي لا يمكن إلا أن يكون مشتركا. وعلينا أن ننمي في أنفسنا قيما إنسانية تقودنا عقولنا لنسج علاقات صحية.. لا أن نكون مجرد أتباع وأدوات وصدى لم يعمله ويردده الغير. الطغاة ذاهبون وتبقى الشعوب وإرادتها في العيش بمحبة وتكامل وسلام.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.