}

الناقد عبد الناصر خلاف:المسرح الجزائري تغلب عليه السوداوية

حميد عبد القادر 19 يناير 2018
حوارات الناقد عبد الناصر خلاف:المسرح الجزائري تغلب عليه السوداوية
عبد الناصر خلاف

يتابع الناقد المسرحي عبد الناصر خلاف الحركة المسرحية في الجزائر منذ أكثر من عشرين سنة، ويرى أنها أصبحت تميل كثيرا إلى السوداوية، وأضحت أجواؤها غارقة في العتمة، مثلها مثل المسرح العربي، معتبرا أن السينوغرافيا سيطرت على اللغات الأخرى في مجمل العروض المسرحية، التي أنتجت خلال السنوات الأخيرة، وبالتالي سارت العروض في اتجاه المشهدية.

هنا حوار معه:

(*) ما هي الملاحظات التي يمكن تسجيلها بخصوص العروض المسرحية المقدمة خلال المهرجان الوطني للمسرح المحترف الذي انتهت فعالياته مؤخرا؟

- من بين أهم الملاحظات التي تسجل في هذه الدورة أن كل العروض المنتجة في القطاع العمومي شاركت في المسابقة بمستويات عديدة وبدون انتقاء. وأثر هذا التفاوت على المنافسة، إلى درجة أنني قلت في بعض الندوات التطبيقية إن هذه العروض لا تمثل المؤسسات المسرحية المنتجة (المسارح الجهوية، والمسرح الوطني الجزائري) بل تسيء إليها إذا وضعناها في مسار العروض المحترفة. وكان يمكن لبعض المسارح عدم المشاركة، كما فعل مدير المسرح الجهوي عبد القادر علولة (وهران) الأستاذ مراد سنوسي. كما تعددت الموضوعات المطروحة. لكن أغلبها تنظر إلى الواقع الجزائري- تلميحا أو تصريحا- بغضب وسوداوية. وهناك تواصل إيجابي بين المخرجين والنقاد في الجلسات التطبيقية حول العروض، مما يجعل النقاش أداة تنمي العرض المسرحي ولا تدمره. ويلاحظ كذلك أن السردية كانت طاغية في مواجهة الفعل المسرحي، مما سبب مشاكل كبيرة على إيقاع الكثير من العروض. وهناك سيطرة للسينوغرافيا على اللغات الأخرى في مجمل العروض المسرحية، وبالتالي العروض سارت في اتجاه المشهدية.

(*) لجنة التحكيم اختارت منح الجائزة الكبرى لمسرحية "ما بقات هدرة" لمحمد شرشال، فما هي ميزة هذا العمل حسب رأيك؟

- أتابع تجربة محمد شرشال الإخراجية منذ التسعينيات، وبالضبط منذ مسرحية "بيت النار" وأعمال أخرى، قبل وبعد التحاقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية. إنه يحاول في كل مرة أن يقدم تجربة مختلفة. أعتقد أن هذا العرض جدير بالتتويج الذي انتظره شرشال طويلا، وهو بدون شك سيترك أثرا طيبا خلال مشاركته في مهرجان الهيئة العربية للمسرح بتونس خلال هذه الدورة العاشرة. كما أنه سيخفف من الحدة والحساسية المفرطة التي يتواصل ويتعامل بها شرشال مع صناع الحركة المسرحية في الجزائر.

سوداوية المسرح

في الوطن العربي

(*) مرة أخرى وجدنا أنفسنا أمام مسرحيات في غاية السوداوية والعتمة والتي أصبحت تسيطر على السينوغرافيا، لماذا يصر المسرحي الجزائري على تقديم هذه الأجواء؟

- بالمناسبة، هذا التوصيف لا يمس المسرح في الجزائر فقط، بل يمتد عبر جغرافية الوطن العربي. سبق لي أن شاركت منذ شهر كعضو لجنة التحكيم بمهرجان الأردن المسرحي في دورته الـ24، وكنت أيضا ضيف شرف مهرجان أيام قرطاج المسرحية في دورتها الـ 19 ولاحظت نفس التوجه. يمكن الحديث عن السوداوية من خلال الطرح الموضوعاتي، وهو انعكاس مباشر للراهن العربي الذي يشهد تراجيديات لا تقل سوداوية. وهكذا نجد أن مسرح العبث كان خيار الكثير من المخرجين، رغم أنه خيار صعب جدا. أما على مستوى العتمة، فإن الأحداث تدور داخل فضاءات معتمة، حيث يكون استعمال خافت للإضاءة، والبقع الضوئية، والابتعاد عن توظيف الإضاءة الكاملة، وهذا راجع إلى الاشتغال على المواقف التراجيدية، ورضوخ بعض المخرجين أحيانا لسلطة السينوغرافي الذي يذهب بالعرض إلى الاشتغال على الجماليات والتفاصيل الصغيرة والتصوير السينمائي، على حساب فكرة الإخراج والمسرحية بشكل عام.

(*) رغم هذه السوداوية جاء الجمهور بشكل مكثف لمتابعة العروض، هل معنى هذا أن الدعوات التي أصبحنا نسمعها خلال السنوات الأخيرة للعودة لمسرح اجتماعي كوميدي ليست مؤسسة؟

- بصراحة هذه نقطة تسجل للمهرجان، وهي أن للمسرح المحترف جمهوره، فرغم تغيير تاريخ فعالياته حيث كان يقام في أواخر شهر ماي/أيار إلا أن الجمهور حضر بقوة، وتابع وتفاعل مع كل العروض حتى تلك العروض الضعيفة، احتراما لمبدعي المسرحيات. وبالتالي فالجمهور الحاضر الذي يهب كل مساء على بيت بشطارزي، هو بالتأكيد جمهور متذوق، وعاشق للمسرح، ويفهم اللعبة المسرحية. أتساءل بصراحة من هم أصحاب الدعوة لعودة المسرح الكوميدي بدل المسرح الجاد؟ وهل هذه الدعوة تسير في إطار التوجه الشعبوي "الجزائري يحب الضحك". أعتقد أن هذه الدعوة في عمقها سياسية. والسياسي في الجزائر لا يذهب للمسرح، ولا يشاهد العروض. بل ما زال ينظر للمسرحيين نظرة متدنية فهم مهرجون وعجاجبية "يقتلون بالضحك". هناك جمهور محب لهذا الصنف، وخير دليل على ذلك المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي بالمدية، الذي أحيّي طاقمه وعلى رأسهم الباحث محمد بوكراس، فجمهور المدية يتابع العروض واقفا. كما يتابع الندوات التطبيقية واقفا. ويحتج على العروض الفجة والرديئة. لكن المسرح الكوميدي ليس تهريجا إذ هناك مدارس وأساليب وفكر. والعرض المسرحي، الذي يسيطر على المتلقي، هو الذي يكون قريبا من دواخله، وهو يتفاعل معه، سواء كان التطهير فيه تراجيديا أو كوميديا.

(*) بدأ اسم المخرج المسرحي أحمد رزاق يفرض نفسه على الركح الجزائري، بالأخص بعد نجاح مسرحيته "طرشاقة"، التي أعادت الجمهور الواسع للمسرح طيلة السنة الماضية، وها هو يفوز مرة أخرى بجائزتين خلال الدورة الأخيرة للمهرجان، هما جائزتا النص والإخراج، بفضل مسرحيته الأخيرة "كشرودة"، أين تكمن ميزته؟

- تابعت تجربة المتمرد أحمد رزاق، فهو شاعر، وفنان تشكيلي هاو، وسينوغرافي بحكم تخصصه، وهو ممثل، ومخرج وكاتب، وتربطني به صداقة عميقة، ويثير غضب الجميع إذ توجد في مسرحياته جرعة زائدة من الجرأة، ويدافع عن خياراته، وله مواقف لا يهادن فيها. فهو متمرد بطبعه لكنه مبدع ومثقف. ميزته أنه بدأ سينوغرافيا بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وكان قريبا من الممثلين لأنه دائم الحضور في تدريباتهم، ويقوم بتجربة الملابس بنفسه، ويؤدي نفس الدور قبل تسليمه للممثل، وهذا أكسبه خبرة في فهم سيكولوجيا الأداء. ثم انتقل إلى التمثيل، وبدأ التجربة مغامرا بمونودراما "الزعيم" الذي كرس رزاق كممثل له قدرات عالية في تقمص وأداء عدة شخصيات. إن اقتراب رزاق من المخرجين جعله يدرك كيفية تركيب العرض المسرحي، لذلك غزا المسرح الجزائري بنصوصه الجريئة وهو قارئ متميز (بالفرنسية والعربية). وأعتقد في فهمي أن أحمد رزاق وصل الى نتيجة مفادها أنه يمكنه أن يكون صانعا للعرض المسرحي. وفعلا فقد دخل هذه التجربة، وترك بصمته فيها نظرا لقدرته الرائعة في إدارة العروض الضخمة، والتوزيع الناجح والمتميز للممثلين. ولا أعرف ما هو السر الذي يمارسه على ممثليه كي يخلصوا له إبداعيا وركحيا. إنه جدير فعلا بكل الجوائز.

الأدباء والمسرح

(*) ضاع المسرح الجزائري خلال السنوات الأخيرة في مشكلة النص، بالأخص بعد رحيل المسرحيين الكبار، فهل تعتقد أن الظاهرة ما تزال مستمرة، أم أن الجيل الجديد استطاع أن يقدم نصوصا في المستوى؟

- ارتكزت الكتابة المسرحية في الجزائر، كما قلت في مرات عدة، على الممارسين الذين جاؤوا من داخل الممارسة المسرحية. وقد أثير مشكل ندرة النصوص المسرحية منذ السبعينيات، حيث تساءل الكثير لماذا لا يكتب الأدباء للمسرح. وهو نقاش أثاره بعض رؤساء الأقسام الثقافية في الجرائد، وكان أغلبهم كتابا. إلا أن الإشكال أن هؤلاء لا يدخلون المسرح، إنما مع بعض الاستثناءات. هذا الاستثناء جاء مع الفقيد محمد بن قطاف خلال إدارته لمحافظة المهرجان الوطني للمسرح المحترف منذ الطبعة الأولى، حيث وضع استراتيجية تقريب المسرح من الأدباء. كان يقترح كل مرة أديبا كي يكون رئيس لجنة التحكيم، أو رئيس الملتقى العلمي، وهو من حاول عن طريق صدى الأقلام أن يشجع الأدباء لدخول عالم الكتابة المسرحية. وقد اقترحت عليه - للتاريخ - فكرة الشعر في ضيافة المسرح وقبلها واستمر الصديق الأديب بوكبة في تطويرها، وفي إعطائها مساحة أكبر في الكثير من دورات  المهرجان. هذه النوافذ المشرعة جعلت الأدباء أكثر اقترابا من المسرحيين وحدث التواصل. هذا التواصل أثمر خاصة مع الجيل الجديد من الكتاب الذي وجد في فضاء المسرح مكانه الطبيعي، ولم يعد غريبا عنه لكن بصراحة إن من يكتب للمسرح من الداخل تكون نصوصه أقوى وأعمق، لأنه يعرف الخلطة السرية التي تجعل من العرض المسرحي ساحرا.

(*) أصبحت تغلب على الركح الجزائري خلال السنوات الأخيرة ظاهرة الاقتباس من نصوص مسرحية عالمية، بينما غابت ظاهرة الاقتباس من النصوص المحلية، بالأخص النصوص الروائية، لماذا؟

- هناك مغالطة كبيرة في هذا الطرح وللأسف تورط فيه الكثير. إن ما يسمى بالاقتباس في المسرح الجزائري كان في الأصل ترجمة – إعداد – جزأرة – تكييف لأنه كان يتم من نص مسرحي إلى نص مسرحي، وباستعمال مشروعية هذا المصطلح "الاقتباس" تمت ممارسات مشينة، وهي عبارة عن سرقات علمية موصوفة، أو تلاص ولا أحد تحدث في الموضوع، لأن النصوص المسرحية التي أنجزت للمسرح لم تنشر ويعرفها فقط من اشتغل عليها. أما الاقتباس فهو تحويل جنس أدبي (قصة – رواية – قصيدة) إلى المسرح. سؤالي المطروح كم من نص عالمي اقتبس للمسرح في الجزائر منذ الاستقلال؟ قد تفاجأ إذا قلت لك إن ما اقتبس لم يتعد عشرة نصوص. إن أهم النصوص الجزائرية التي اقتبست كانت لـ واسيني- وطار- كاتب ياسين- مولود معمري- رشيد ميمون. أما النصوص المسرحية المأخوذة من "الريبرتوار" العالمي التي قدمت للمسرح باسم  الاقتباس  فتلك حكاية أخرى. إن المسرح في العالم يرتكز على نصوص محلية وأخرى عالمية ولا داعي لإثارة هذه المسألة. 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.