}

عبد العزيز آل محمود: أجمع تاريخاً غامضاً

عيسى الشيخ حسن 27 يناير 2015
هذه الحال في روايته الأخيرة "الشراع المقدّس" حيث عمل عبد العزيز آل محمود على تأريخ فترة غامضة، ما حتّم زمنًا للبحث قبل البدء في الكتابة. يقول آل محمود إن العمل "استغرق سنتين ونصف السنة، تفرغتُ فيهما للبحث والكتابة، وركّزت بشكل خاص على تاريخ قبائل الجبور من المصادر العربية والأكاديمية خاصّة. فقد حكمت هذه القبائل الجزيرة العربية فترة طويلة وكانت عاصمتهم الأحساء، وبعد هزيمتهم أمام البرتغاليين بمائة سنة انتهى حكمهم". وإذ بدا في تحليله لشخصية "البوكيرك" قائد الحملة، مخفّفا من حجم انتصاره، منحازًا إلى الطرف الخاسر باعتباره سليله وابنه، أجاب عبد العزيز: "هو كان كذلك، أنا أخذته من المصادر الغربية. العرب كتبوا شيئاً يسيراً عن هذه الفترة، كلّ ما جاء في الرواية عن شخصه وعائلته وعلاقاته ودناءته، أخذتها من عدّة مصادر غربية، لعلّ أهمها كتاب "إمبراطوريّة المانسون" والتسمية منحوتة عن المواسم ويقصد بها الرياح الموسمية التي تهبّ من الشرق ومن الغرب في مواسم محددة، يستثمرها البحارة في سير مراكبهم. الكتاب مهمّ، فيه ذكرٌ للـ البوكيرك وتلك الفترة، ولكنه للأسف يغفل المقاومة العربية للبرتغاليين".
لا بّد أن يكون قارئ روايات آل محمود، مهجوسًا مثله بالجغرافيا، شاعِرًا وكأن عليه أن يمسك الرواية بيد، وخارطة بحر العرب بيد أخرى. وهذا صحيح على ما يبدو، إذ يفصح آل محمود لملحق الثقافة، عن أنه قبل البدء بالكتابة رسم خريطةً للأحداث "خريطة شملت العالم القديم كلّه تقريباً، ومتمثلة لكلّ نقاط الأحداث في الرواية. الخريطة ليست وافية بالغرض تماماً، ولكن لا بدّ من استحضار الجغرافيا ونحن أمام تاريخ متشابك الأحداث". 
ليست الخارطة وحدها ما يشكّل عناصر السرد لدى عبد العزيز، إذ إن التاريخ الشفاهي حاضرٌ أيضًا من خلال قصة الحبّ البدوية التي أثرت معالم الرواية التاريخية: "هذه القصة قرأتُها في مخطوط مطبوع يوثّق لتاريخنا الشفاهي، وقد أهداه إليّ أحد الأصدقاء. من ضمن حكايات التاريخ، كانت حكاية ابن رحّال وزوجته مع الأمير الجبري. حفّزتني هذه القصة، وأعطتني طرف الخيط لأكتب الرواية. وقد أبقيت الحوارية البدوية الشعرية كما هي لتوحي بصدقيّة القصة، وربطتها بالرواية، حيث تتجه حليمة نحو إسطنبول التي أصبحت عاصمةَ المركز الإسلامي في الشرق، لتسلّم الأمانة "الخنجر" القادم من ولايات الهند الإسلامية البعيدة، في تحوّل له دلالته". عاشق التاريخ هذا، لا ينفك يعود إليه، لينهل منه ويغرف، فكما أبحر فيه في روايته "القرصان" ها هو آل محمود يعود إليه: "أنا أعشقُ التاريخ، وأظنه مليئًا بالعبر. عندما نقول إن التاريخ يكرر نفسه، فإننا لا نقصد الأشخاص، بل الأخطاء ذاتها التي يكرّرها المحتلّ والشعوب والقيادات. التاريخ عِبَر، والقرآن الكريم مليء بالقصص لاستخلاص العبر. مشكلتنا عدم استخلاص العبر من التاريخ، خصوصاً تاريخنا".
يحتفظ التاريخ، الغامض خاصّة، للمولع به بحصّة من المكر، فما أن يفرغ الروائي من سرده المشتبك بالتاريخ، حتّى يفصح لملحق الثقافة: "كنت مرعوباً من فكرة ضياع مسوّدة الرواية قبل أن تكتمل، لأني أشعر أنني أجمع تاريخاً غامضاً غير معروف على الأقلّ بالنسبة إلى المنطقة. ولهذا فإنني كلما سافرت تركت المخطوط عند زوجتي، وقلت لها: "لو حصل لي شيء أرسليها إلى دار النشر، حتى ولو لم تكتمل". كنت خائفاً لأنها ثمار جهود وتعب سنتين ونصف السنة، وكنت أطمع أن ينشر ولو جزء منها. وبعدما خرجتْ، أحسست أنّ حملاً ثقيلاً انزاح عن كاهلي، أنا سعيد بالرواية، وأشعر أنني عملت شيئاً".



مقالات اخرى للكاتب

شعر
15 يوليه 2019
اجتماع
25 أغسطس 2015
عروض
27 يناير 2015

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.