}

رمضان على "العربي 2": في بهجة الصُوَر والألوان

أشرف الحساني 25 مارس 2024
هنا/الآن رمضان على "العربي 2": في بهجة الصُوَر والألوان
العربي 2

تُبين قناة "التلفزيون العربي 2"، في موسم رمضان الحالي، عن مدى قوّتها وتميّزها ونجاعتها في خلق جديد يُعوّل عليه من الناحية الجمالية، إذ أنّ برامجها ومسلسلاتها تُعطي انطباعًا جيّدًا عن عمق التحوّل الذي باتت تعرفه الشاشة الصغيرة في الحقبة الراهنة، وذلك بحكم التحول الاجتماعي نفسه الذي رافق الصناعة التلفزيونية في العالم ككلّ، ونظرًا إلى أن المُشاهد لم يعُد يحتاج إلى وسيلة ترفيهية لقضاء الوقت، أمام ظهور وسائط أخرى لهذا الغرض، بل إنّه بات يُطالب القنوات بأعمالٍ درامية حقيقية وبرامج واقعية، تُعيد طرح قضايا مجتمعه وذاكرته وناسه. إنّ التلفزيون اليوم ليس وسيلة بصرية للمتعة والتسلية، رغم تاريخه المُرتبط بأبعادٍ ترفيهية محضة، بقدر ما يُمثّل اليوم وسيلة من وسائل التفكير وأداة لاختراق الواقع وفهم الرجّات التي تطاول الفرد داخل هذا الواقع. لم يعد التلفزيون وسيلة للترفيه تدفع الناس إلى الاستهلاك والاستجمام، لأنّه بظهور وسائط بصرية أخرى، أصبح التلفزيون يجد نفسه أمام تحوّل أنطولوجي يفرض عليه تغيير صُوَره وألوانه ولباسه ومحتواه، حتّى يستطيع أنْ يتماشى مع السياق التاريخي الراهن. بل إنّ المتابع أصبح يفرض على هذا الجهاز أنْ يكون في عمق الحدث السياسي، وله القدرة على التشريح الاجتماعي، وتقديم كلّ ذلك في حلّة فنية جمالية معاصرة. كل هذا في وقتٍ غدت فيه المواقع ورواد وسائل التواصل الاجتماعي ينافسون الوسيط التلفزيوني على مُستوى المحتوى، بل إنّ برامج "تلفزيون الواقع" التي تُعرض على القنوات التلفزيونية تجد نفسها في وضعية هشّة، أمام جرأة المحتوى الذي تنفجر به بعض الصفحات على مستوى نسب المُشاهدة. وبالتالي، فإنّ المُشاهد أصبح يعتبر التلفزيونات أشبه بالفولكلور الذي يتعامل مع الواقع بطريقة ميكانيكية وهشّة ومُرتبكة. إذْ يبدو له غير قادرٍ على صناعة الحدث من النواحي السياسية والاجتماعية والفنية، لأنّ التلفزيونات معطّلة وتخدم برؤية تقليدية لا تُساير تحوّلات الصورة وصناعتها في العالم ككلّ. لكنْ في السنوات الأخيرة، بدأت تُطالعنا قنوات تلفزيونية في العالم العربي تُحاول أنْ تخلق الحدث وتعمل على تقديم رؤية تجديدية لصناعة محتوى خفيف وهادئ ومُدهش في عمقه وبساطته وسلاسته على مُستوى التلقّي.
لهذا تُعد قناة "التلفزيون العربي 2" إحدى أبرز المنصّات التلفزيونية التي استطاعت في غضون أشهر قليلة أنْ تحتلّ ركيزة أساسية ومكانة هائلة في وجدان المُشاهد العربي. فهذا الأخير يجد نفسه أمام محتوى بصريّ مختلف، سواء من حيث البرامج السياسية والاجتماعية التي تُتابع الشأن العام، وتُحاول بطريقة خفيّة وساحرة أنْ تُقدّم قراءة نقديّة خفيّة وساحرة لمُختلف الأحداث التي تطاول الواقع العربي اليومي، أو من طريقة تقديم هذا المحتوى، بحيث يجد المتلقّي نفسه أمام كرنفال بصري مُدهش عن طريق الألوان والأصوات والصُوَر بطريقة تجعل المحتوى يتوغّل بعمق في أجساد الناس وقلوبهم. إنّها تستخدم مختلف التعبيرات البصرية والصوتية لتستقطب المتلقّي عن طريق الصوت والصورة، حيث يتم توظيف ألوان ساحرة وموسيقى جذابة. وهذا الأمر، يُعد عامل جذب بالنسبة للقناة. هذه الطريقة الجمالية في تقديم المحتوى تُميّز قناة التلفزيون العربي 2، وتجعل كثيرًا من المشاهدين يُعوّلون عليها، بحكم ما تُتيح لهم من برامج أصيلة من حيث الموضوع والصناعة.

في رمضان الحالي




في شهر رمضان الحالي، أعدّ فريق القناة سلسلة من البرامج والمسلسلات التي تخلق المعنى في العالم العربي، كلّ هذا في وقتٍ تطفح على سطح المشهد التلفزيوني كثير من العاهات الفنية التي تفتقر إلى الكتابة والتخييل والصناعة، بل إنّ كثيرًا من المُشاهدين في المنطقة المغاربية يجدون في قناة التلفزيون العربي 2 وجهتهم المُفضّلة على مُستوى الأخبار الحقيقية، والبرامج الفنية والصحية والاجتماعية، هذا فضلًا عن المسلسلات الدرامية المختلفة اللهجات والمتعدّدة الألوان والصُوَر. لقد استوعبت القناة التحوّلات الفكرية والجمالية كافة، التي طاولت الشاشة الصغيرة، فحاولت بلورتها على شكل برامج ومسلسلات مؤثّرة بموضوعاتها ومُدهشة في صناعتها. يجد المُشاهد في شهر رمضان نفسه أمام كوكتيل متنوّع من الأعمال الدرامية والبرامج الحوارية التي تُلهب الأنفاس، وتدفع الناس إلى الانخراط الفعلي على مُستوى التفكير والمناقشة. ولأن أغلب طاقم القناة من الجيل الجديد، فذلك لأن هيئة التحرير تُؤمن بقوّة الشباب ونجاعتهم في خلق أفكار ثائرة في مضامينها، وجريئة في تجريب الأشكال، وسلسة على مستوى تقديم المحتوى، كما هي الحال في برنامج "سينما سينما"، الذي يعد رحلة فريدة في عالم الصناعة السينمائية، حيث يُقدّم فيها محمد أمين بن حمزة، وماري تيريز معلوف، جملة أخبار تتّصل بالفن السابع، وكواليس الأفلام والمهرجانات، بحلّة معاصرة تضع الفن السابع ضمن اشتغالات القناة والجمهور معًا.
تتميّز قناة العربي 2 عن باقي القنوات الأخرى خلال شهر رمضان في مدى حرصها على الاعتناء بالشكل البصري. ذلك أنّ المحتوى وحده لم يعُد ينفع من أجل تحقيق فرجة بصرية ممتعة أمام ضرورة وجود شكل فني معاصر. فالأشكال تُساهم بطريقة ساحرة في جذب المشاهدين، لأنّهم يجدون أنفسهم أمام تقنيات تصوير مأخوذة من عالم السينما، وحركات من المجال المسرحي، فيُعيدون توظيفها على طوبوغرافية المشهد التلفزيوني. إنّنا أمام ثورة حقيقية تجعل من الشكل البصريّ أفقًا للتفكير التلفزيوني. كلّ هذا باستخدام مؤثّرات صوتية مختلفة، وحوامل بصرية متعدّدة، تعطي الانطباع بقوّة هذا الجهاز ودوره في تحديث الصناعة التلفزيونية في العالم العربي. بيد أنّ الشكل وحده لا يكفي لتحقيق مفهوم المتعة، ذلك أنّ عددًا من البرامج تحفر مجراها عميقًا في الواقع العربي، فتعمل بطريقتها الخاصّة على استشكال الأخبار والمعلومات والحقائق وإعادة الاشتغال عليها بصريًا وتطعيمها بآراء متخصّصين في مجالات تتعلّق بالسياسة والمجتمع. ولأنّ القناة تنتمي في شكلها البصري إلى الزمن المعاصر، فإنّ برامجها باتت معروفة في العالم العربي، لكونها تتوفّر على "هوية بصرية" بألوان موحّدة. وهذا الأمر يعطي للقناة إشعاعًا كبيرًا داخل الأوساط الشعبيّة، ويجعلها تتوغّل بسرعة في أجساد الناس وعقولهم.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.