}

رحيل المخرج التلفزيوني هشام شربتجي: الدراما فنٌّ فضائحي

أنور محمد 19 مايو 2023
هنا/الآن رحيل المخرج التلفزيوني هشام شربتجي: الدراما فنٌّ فضائحي
هشام شربتجي (1948 ـ 2023)
يحمل المُخرج التلفزيوني السوري هشام شربتجي (1948 ـ 2023) شهادة البكالوريوس من المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة عام 1972، وهو أحد مؤسِّسي نهضة الدراما السورية في العقود الثلاثة الأخيرة. لكنَّه كان يقوم بتصنيع الضحك في أعماله في وقتٍ كان وما يزالُ الناسُ في حاجةٍ إلى الضحك، ولكن ليزيدَ الغضب على جور الواقع الصعب، وليس لتنفيس الغضب كما في تعاونه مع الفنان ياسر العظمة في سلسلة "مرايا" 84، ومن ثم "مرايا" 86، و"مرايا" 88، إلى "مرايا" 2006، ومن ثمَّ مسلسلات: "عيلة خمس نجوم"، "عيلة ست نجوم"، "عيلة سبع نجوم"، "يوميات مدير عام"، "أسرار المدينة"، "يوميات جميل وهناء"، "بطل من هذا الزمان"، و"أنت عمري".
قد نرى في أعماله حماقات، فأغلب الدراما الكوميدية تقوم على الحماقات والمُصادفات، وحتى التفاهات، وهذا ما اشتغل عليه في بعض مسلسلاته. في حين أنَّنا نرى أنَّ الكوميديا التي لم يلعب عليها شربتجي، والتي تزيدنا قوَّة، هي إبراز الأفعال القبيحة والشنيعة التي تُقاوِمُها الأخلاق، والتي يستهجنها العقل.




غير أنَّه في مسلسلاته، مثل "أسرار المدينة"، "أيامنا الحلوة"، من تأليف حسن سامي يوسف، ونجيب نصير، و"رياح الخماسين"، من تأليف أسامة إبراهيم، و"رجال تحت الطربوش"، للكاتب فؤاد حميرة، لم يقف حياديًا، فقد وقف ضدَّ أن تُذِّلَّ الأفعال السامية، أو السموُّ الأخلاقي الذي شحَّت مصادره في النفس الإنسانية بسبب سطوة قوى الشر. وفي بعض أعماله الكوميدية كان كمن يقفُ أحيانًا موقف المتفرِّج، وليس الناقد (في رواية "دون كيشوت" لسرفانتس على سبيل المثال؛ شخصيتان متضادتان. وعندما نضحك منهما، فالضحك يتحوَّل إلى سلاح للنيل من المُستغل والمُستبد. كذلك الضحك عند برتولد بريخت الذي يقوم بالكشف عن مُعاناة الناس الذين تستغلهم هذه القوى. حتى لو ذهبنا إلى أبعد من هذين المؤلفين؛ سنرى أنَّ مؤلفين أو كُتَّابًا، مثل صموئيل بيكيت، ويوجين يونيسكو، في مسرحهما العبثي/ العابث/ العابس مواقف لشخصياتهم تبعثُ على الضحك من فساد الحياة. طبعًا أنا لا أقارن بين هؤلاء الكُتَّاب كونهم يتَّخذون مواقف أخلاقية وسياسية و(فلسفية) من المُستهينين بعقل ضحاياهم من بني البشر، كونهم في سدَّة الحكم بيدهم القوَّة، ولكن لأبيِّن أنَّ الكوميديا كما التراجيديا، في المسرح خاصةً، وفي بقية الفنون، هي موقفٌ إنساني لنقد الاستبداد السياسي والاقتصادي، وليس للتنفيس و"الترويح" عن النفس).
المخرج هشام شربتجي، وإن دَرَسَ الفن، واشتغل عشرات المسلسلات التلفزيونية، وهو كما يسميه المُعجبون بأعماله (شيخ الكار) نسبة إلى رؤساء المِهَن/ الحُرَف، أو شيخ شيوخ مهنة الإخراج التلفزيوني؛ إنَّما كان يعتمد على (النص ـ سيناريو وحوار) المؤلِّف بما يحمله من هزلٍ وجد؛ من حمق وبُخل. وكلَّما كانت هذه القيم مُكثَّفة ومضغوطة، وفي حبكات محسوبة من تشويق وإثارة، كلَّما كان بارعًا في مشيخته كما في مسلسلاته مثل المرايا وعيلة النجوم، ففيها يغمز من العيوب، أو شبه الجرائم التي يرتكبها الأقوياء على الضُعفاء، والتي تبعث على الضحك (ابنته المخرجة رشا شربتجي أكثر صراحة وجرأة وأكثر مهنية في هذا الكار)، سنرى الزيف والقبح وهو يستهزئ بهما، وهنا قد يحقِّق شيئًا من علاج تطهيري، ولكنَّه لا يستمر، لا يفضح وإن عرَّى عيوب شخصيات كانوا مُديرين، أو وزراء، أو حُجابًا. الدراما التلفزيونية تحوَّلت إلى (بطل) يومي، وهو ما حاول المخرج هشام شربتجي أن يشتغل عليه مسلسلاته على اعتبار أنَّ الدراما هي فنٌّ فضائحي، وخاصة الكوميديا منها، كون صراعاتها تقوم على التناقضات بين الأسود والأبيض، بين الساخن والبارد، وفي هجاء ساخرٍ ولاذعٍ للمُعتدي، الذي يستهبلُ ويستحمرُ المُعتدى عليه، فينزعُ قشرةَ الجليل والمقدَّس عن المُعتدي، ما يشيع الثقة بالنفس عند المُشاهِد، أو المُتفرِّج. هشام شربتجي في أعماله قد ينتزع الضحكة؛ يُضحِّكُنا وهو يهزأ من القبيح والمُبتذل، لكنَّه سرعان ما يهدرُ الأثرَ الذي تخلِّفه الضحكة. الضحك في الفنون قد يكون لفظيًا من الحوارات، وقد يكون جسديًا من الحركة، وقد يجتمع الاثنان معًا، ولكنَّه ضحكٌ ينتقد الجُبن والنذالة والوضاعة والبخل، ويحطُّ من قيمتها، كما نرى في تراثنا الأدبي عند الجاحظ وأبي حيَّان التوحيدي. ضحكٌ يستدعي الشجاعة والمروءة، ضحكٌ ساخرٌ هازئٌ، مستتر، خفي، رمزي.
المخرج هشام شربتجي في أعماله التلفزيونية كان يدرك أنَّ الدراما لا تروِّج للمعتدي الصفيق والوغد، والمُحتال والمُغتصب، مُغتصب حقوق البشر، بل إنّ الدراما، والكوميديا، هي فعلٌ تطهيري للمُلوَّث، كي لا يلوِّثُنا بهزائمه.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.