}

أزمة كورونا.. نضال المرأة للمساواة في ألمانيا مازال مستعرًا

عارف حمزة 30 أغسطس 2021
هنا/الآن أزمة كورونا.. نضال المرأة للمساواة في ألمانيا مازال مستعرًا
تظاهرة نسائية تطالب بمساواة الأجور مع الرجال في فرانكفورت/ألمانيا(18/3/2019/Getty)

مقولة عدم تساوي الرجل والمرأة في حقوقهما لا تزال تتردد منذ عقود طويلة. ما يُثير الانتباه الآن، إثر أزمة كورونا، أن هذا النضال من أجل المساواة ما زال مستمرًا، من خلال جمعيات ومؤتمرات واعتصامات وإضرابات، حتى ضمن الدول المتقدمة، ومنها ألمانيا.
هنالك إحصائيات كثيرة تتحدث عن الظلم اللاحق بالمرأة الألمانية، كنموذج للمقال، سواء من خلال مهن يحتكرها الرجال، ولا تتواجد فيها المرأة، أو تتواجد فيها بنسب قليلة جدًا، وكذلك من خلال معدّل الأجور المتباين في كثير من المهن؛ حيث تقول الإحصائيات بأن المرأة تتقاضى راتبًا أقل من الرجل بنسبة 16%.



الأفضل في العالم
ما يثير الانتباه أن وزير الاقتصاد الألماني نفسه، بيتر ألتماير، يتحدث تقريبًا في كل المؤتمرات الاقتصادية المحلية عن ذلك الخلل اللاحق بالاقتصاد الألماني، جراء "عدم تكافؤ الفرص". ورغم أن الاقتصاد الألماني من الاقتصادات الكبرى عالميًا، إلا أن ألتماير يرى أن "تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة هو قضية اقتصادية بامتياز، وعامل تنافسيّ قويّ في السوق، وفي المجتمع".
وجهة النظر الحقوقية، ولو أنها حكوميّة، تدعو إلى بذل جهد حقيقيّ وسريع لجعل المشاركة متساوية، للنساء والرجال، في سوق العمل، كأمر طبيعي وبدهي. هذه النظرة تنطلق من المقولة الشهيرة التي تقول: "من دون مشاركة النساء لن تصبح ألمانيا الأفضل في العالم".



احتكارات وتمييز

نساء في مصنع فورد في نيل أثناء نهضة صناعة السيارات الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية (1947/Getty)


هنالك من يرى بأن هذه الإحصائيات لا تذهب إلى كل المهن، بل تتحدث بشكل عام عن تكافؤ الفرص في مهن يحتكرها الرجال، وهي تحتاج لقوة بدنية قد لا تتوافر في كل النساء، مثل الجيش، أو في مهن لا ترغب النساء أصلًا في التقدم إليها، مثل قطاع عمال النظافة. وفي الوقت ذاته، يرى بعضهم أن هنالك مهنًا، ثقافيّة وتعليميّة واجتماعية تُهيمن المرأة عليها، ولا توجد فيها سوى نسب قليلة من الرجال. ففي مجالات رعاية الطفل، ورياض الأطفال، وهي متنوعة كثيرًا في ألمانيا؛ تبدأ من عمر اليوم حتى الستة أشهر، ومن الستة أشهر حتى الثلاث سنوات، يجد المرء بأن كثيرًا من رياض الأطفال لا يتواجد فيها الرجل نهائيًا، أو يتواجد فيها بشكل نادر.




كثير من الآراء ترى أن هذا المجال يرتبط بالأمومة أكثر، فالمرأة لديها صبر على أولئك الصغار، وتستطيع أن تقوم بمهام تنظيف وإطعام وتعليم الصغار أكثر. هنالك رأي آخر يقول بأن ذلك يرتبط بالتحصيل العلمي؛ حيث ما عاد التعليم يستقطب اهتمام الطالبات، اليوم، كما النساء قبل عقد، أو عقدين، من الزمن. بينما هنالك رأي يجد بأن الرجل محروم من ذلك المجال خوفًا من الاعتداءات الجنسية التي قد تحصل على الأطفال. رغم أن هذه الاعتداءات الجنسية قد تحدث من الجنسين.



كتب ومكتبات
في كثير من المكتبات العامة والخاصة في المدن، نجد أن تواجد المرأة يصل في مرات كثيرة إلى نسبة 100%. ومن النادر أن تجد الرجل في هذه المهنة، وكذلك في المكتبات الخاصة في المدارس.
ومن خلال عملي في مكتبة خاصة، وقيامنا بتوريد الكتب إلى المكتبة العامة، وكذلك مكتبات المدارس، وجدت بأن تواجد المرأة ساحق. وعندما سألتُ عن هذا الأمر بدا وكأن لا أحد فكر في عدم تواجد الرجل، أو ندرته، في تلك المهن. بل ربما كان السؤال سيبدو طبيعيًا لو كان وجود المرأة فيها نادرًا.
لكن هنالك من قال بأن تواجد الرجل قد يكون منعدمًا أو نادرًا في ذلك المكانين، ولكنه يتواجد في الإدارة. وهي إحدى أوجه التمييز بين الجنسين؛ فالمنادون بالمساواة بين الجنسين يجدون بأن المرأة قليلًا ما تشغل المناصب التنفيذية. وهم على حق في ذلك. فما معنى أن تتواجد عشرون امرأة موظفة، أو عاملة، بينما يترأسهن في الإدارة رجل؟



مهن أخرى كثيرة يتهامس بعضهم بأن المرأة فيها تملك النسبة الساحقة؛ مثل مهن التمريض، سواء في المستشفيات، أو في دور العجزة، أو حتى شركات التمريض الخاصة بالمسنين في بيوتهم، والمعالجة الفيزيائية، والسوبر ماركت، ومحلات التجميل والعطورات، والصيدليات، ومساعدات الأطباء، والمخابر، وأقسام التصوير الشعاعي... وكثير من الأقسام الطبية.
عند النظر في إحصائيات تلك المهن، نلحظ التواجد الضعيف للرجل فيها. لذلك قد يهمس بعضهم بأن الرجل يجب أن يطالب بالمساواة مع المرأة في كثير من المهن في ألمانيا. ولكن ذلك سيكون أمرًا مضحكًا، لأن الإحصائيات تذهب إلى جميع المهن، وليس إلى عشرين، أو ثلاثين، مهنة، في دولة تتوافر فيها آلاف المهن.



الوصاية الذكورية
إلى وقت قريب، في بداية سبعينيات القرن الماضي، كان وضع المرأة الألمانية سيئًا للغاية؛ حتى في المهن التي كان تواجد المرأة فيها عاديًا. وكانت المتقدمة إلى وظيفة ما تحتاج إلى موافقة الأب، أو الزوج. ومرات كثيرة كانت تتعرض للتعنيف من الأهل بسبب قرارها في الخروج عن السلطة الذكورية.
المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، نفسها، وهي أول امرأة تشغل هذا المنصب في ألمانيا، منذ عام 2005، تعرّضت لتلك السلطة الذكورية. ففي الكتاب الذي نشرته عنها الصحافية الألمانية، باتريشا ليسنير كلاوس، وتعرضت فيه إلى جوانب من حياة المستشارة، نجد بأن ميركل كانت تتمنى أن تصبح معلمة "ولكنها حُرمت من ذلك بسبب والديها"! وميركل التي عملت نادلة في حانة، عندما كانت تسكن في برلين مع والديها قبل توحيد الألمانيّتين، تغيرت حياتها فقط عندما تركت بيت العائلة لتدرس الفيزياء في جامعة لايبزغ.
بعد توحيد ألمانيا الغربية، وجمهورية ألمانيا الديمقراطية، في عام 1990، تغيرت كثير من الأمور، وحتى قواعد المهن والأجور والتربية تغيرت، بعد وضع دستور يمنح المرأة حقوقًا حقيقية تفوق بكثير تلك الحقوق التي كانت، في كثير من الأحيان، حبرًا على ورق.




ورغم الدستور المتقدم، والقوانين المتفرعة منه، لم تتوقف المرأة الألمانية عن النضال في سبيل حقوقها، وعن التذكير بأنها بنت ألمانيا بعد الحرب، وصارت تتواجد وتتفوق في مهن كثيرة، كانت لا تحلم بأن تعمل فيها يومًا ما. ولم يعد من باب النكتة، بل من باب التمييز، عندما يقول رجل ما بأنه قد حان الوقت للمطالبة بمساواة حقوق الرجل بالمرأة، وليس العكس!

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.