}

"أدب الفيسبوك": إبداعٌ أم تكريس لوهم؟ (4/4)

صدام الزيدي صدام الزيدي 19 أغسطس 2019
هنا/الآن "أدب الفيسبوك": إبداعٌ أم تكريس لوهم؟ (4/4)
رجل يقدم الاحترام لمؤشر الماوس في مقبرة (Getty)
لا يختلف اثنان حول الطفرة الكبيرة التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي، على صعيد انتشار الكتابة الأدبية في فضاء من حرية شبه مطلقة، متجاوزةً كثيراً مما كان يطوّق الأدب العربي في مساحات محدودة وفي جماعات وشلل، ناهيك عن قيود النشر وطباعة الكتاب ومقصّ الرقابة وغيرهما.
في المقابل، ماذا عن النص الرديء (المشوّه بالأغلاط والنتوءات) الذي يُنشر في فيسبوك وواتس آب وغيرهما على نطاق واسع؟ هذا النص، الذي يتناثر على شعاب ومساحات لا نهاية لها فاتحاً الباب على مصراعيه لأشباه كُتّاب وللسرقات الأدبية ولموجة من التكرار والتناسل والتناسخ والتساقط، ما هي عيوبه ومخاطره لا سيما وأنه لا أحد يراجعه أو يقوِّم اعوجاجه إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم "اللايكات" والتعليقات على مثل هذا النص، عندما تنبني على مجاملة شخصية ودوافع شللية أو تنساق في طابعٍ عفويّ واستهلاكيّ على نحو: "جميل، مبدع، مدهش، نص رااائع".. وهل تبني هذه الوسائل مبدعاً أم تصنع وهماً؟
يرصد منبر "ضفة ثالثة" في هذا الملف الخاص آراء عدد من الأدباء والنقاد العرب من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي.
هنا الجزء الرابع والأخير:


                   

الروائية التونسية فتحية دبش (فرنسا):
لا ينبغي تقزيم الأدب الفيسبوكي!
إن المربك حقاً في هذا الشأن هو سهولة إصدار الاحكام برداءة نص ما أو بجودته، دون أن يكون الحكم مستنداً إلى منظومة نقدية تحدّد خصائصه الأدبية ودون أن نعي أن النص الفيسبوكي يفتقد آليات قرائية وخلفية نقدية خاصة به.
يجب إذاً العمل على نظرية تستنبط من التجربة الفيسبوكية ضوابطها، مع أن مبدأ النشر الرقمي

قائم أولاً وقبل كل شيء على الحينية بكل عثراتها.
وهكذا أخلص إلى أنه لا يمكن لعدد اللايكات أن تحدّد أدبية النص، ذلك أننا نفتقد (باروميتراً) يحدّد لماذا نختار أيا من التعبيرات التي يطرحها الفيسبوك. وهذه الخيارات من (لايك) و (لاف) وغيرهما تقيس مدى انفعالنا بالنص وليس مدى جودته. كل رديء في تقييم الواحد منا هو ليس كذلك في تقييم غيرنا. فلأي الحُكمين نحتكم؟
بالتالي لا يجب تقزيم الأدب الفيسبوكي، فهو على الأغلب تجربة تحتاج لأن توضع تحت المجهر حتى يمكننا تصفية الغث من السمين، على أنني لا أعتبر أن هناك غثاً بالمطلق طالما حمل الحامل محمولاً وصل إلى قارئه.



الشاعر اللبناني أديب صعب:
الحل في الثقافة النقدية ونظام تربوي يهجر التلقين
سأقصر كلامي على الذين لا وسيلة لهم سوى وسائل التواصل الإلكترونية، خصوصاً الفيسبوك، لنَشر نصوصهم الأدبية.
آرائي قائمة على مراقبات شخصية، ربما بدأَت مع قراءتي في صفحة أحدهم مفاخرة أمام مَعارفه بأن كلاً من منشوراته يحصل على خمسمئة إعجاب (لايك). لم أكن أعلم أن العدد الأقصى لِـ"أصدقاء" الفيسبوك هو خمسة آلاف. بعد ذلك توصلتُ، بناءً على مراقبتي، إلى أن مَن بلغ هذا الحد من "الصداقات" قد يصل عدد "المعجبين" بأحد منشوراته إلى خمسمئة، ثم ينخفض مع الوقت إلى ما دون المئة، إلى أن يبدو صاحبنا كممثل يثابر على تأدية دوره المعتاد فوق الخشبة وهو لا يدري أن النظّارة غادرت المسرح.
وإذا قرأنا التعليقات التي يجود بها عدد من المتابعين، لأدركنا أن هذه "النظّارة" هي أشخاص لا يملكون ملَكة إصدار أحكام على الكتابة الأدبية تفوق ملَكة صاحبنا على الإبداع.
كثيرٌ من هذه المساهمات تفتقر إلى سلامة اللغة. وبعض أصحابها لا يقبل إلا على مضض

تنبيهه إلى هذه الأخطاء. لا يدركون أن من شروط هذه "اللعبة" الوداعة والتواضع والانفتاح على النقد والتعلم. ولعل بعضهم لا يعترف أو لا يعرف أن هناك سلّماً للقيم في هذا النطاق، يأتي في رأسه الكتّاب المتمرسون. وهنا أفترض أن يتمتع مَن أُسميه كاتباً متمرساً بفضائل، أولها المحبة، ثم الرغبة في احتضان الناشئين وبنائهم بفرَحِ مَن يكتشف قارّة مجهولة، والقدرة على التعلّم.
بين "أُدباء الفيسبوك" أشخاص ينظرون إلى صفة "شاعر" كما لو كانت أعظم الصفات. وقد تكشف كتاباتهم، لمَن له فضيلة التمييز، عن ثقافة وعن موهبة أصيلة، لكن في غير مجال الشعر. واحدٌ من هؤلاء نصحتُه أن يدير وجهه من الشعر إلى الفن الروائي، وأن يقرأ كثيراً عن شروط كتابة القصة القصيرة والرواية والمسرحية، وكذلك أن يثقف نفسه بقراءة الروائع الأدبية في هذا النطاق. لكنه ظل مصراً على الكتابة الرديئة لما يعتبره شعراً، مستمداً قوته من تعليقات "متابعين"، بينهم خالته وشقيقته وجارته وآخرون من النوع الذي يرقص على نشرات الأخبار. وهناك بين "أُدباء الفيسبوك" مَن لم ينعم عليهم الخالق بأي موهبة للكتابة.
تبقى إشارتان، أُولاهما أن بين قراء الكتابة الجيدة مَن ليس مؤهلاً للحكم على الجودة. هؤلاء يُنزِلون السيء منزلة الجيد، أو يساوون في الجودة أعمالاً غير متساوية، ولعلهم يُنزِلون الجيد عن مرتبته. والاشارة الثانية هي إلى دَور وسائل التواصل الإيجابي في إيصال الكتابة والمعلومات إلى أعداد كبيرة من الناس وبسرعة فائقة. لكن يبقى التمييز بين الجيد والرديء متوقفاً على التعليم والنظام التربوي. والطريقة الأهم لتهذيب الموهبة الأدبية والتدريب على إصدار الأحكام وتنمية فضيلة التمييز تكمن في التربية المدرسية، بدءاً من مرحلة الطفولة. والتحدي هنا هو أن نؤسس نظاماً تربوياً عربياً يبتعد عن التلقين نحو تربية الحسّ النقدي وتنمية الإبداع.


الناقد اليمني مبخوت العزي الوصابي (الصين):
زخمٌ يشرعن لانحطاطٍ ذوقيّ!
بقدر ما أعطت وسائل التواصل الاجتماعي فرصة للمبدعين لإظهار مواهبهم لا سيما أولئك الذين حيل بينهم ومنابر التعبير التقليدية، بقدر ما أعطت كذلك فرصة للطارئين على الإبداع بصفة عامة والأدبي منه بصفة خاصة.. فأساؤوا إلى أنفسهم واللغة من حيث يظنون أنهم

يحسنون صنعا. فأنجبوا لنا نصوصاً سائبة لا ينتظمها إبداع ولا تؤطرها قيم.
والمخيف أن زخم هذا الإنتاج اللامتناهي بدأ في تغيير ذائقة التلقي وبات يشرعن لقابلية هذا الانحطاط الذوقيّ، إلى حد بلغ فيه بعض المتفاعلين مع هذا الوسط أن يستهجنوا النص المتمسك بثوابت الإبداع وقيمه الأصيلة وأن يظنوه متكلفاً وغير سائغ للشاربين!
خلاصة القول إن وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، ولكن ذلك الحد الناشب في خاصرة النص لا أظنه إلا ساماً وقاتلاً.


الروائي السوري عبدالمجيد محمد خلف:
لا خطر على النص الأصيل
النصوص التي تنشر في الفيسبوك منوّعة، فبعضها لمجرد التسلية، وقتل الوقت، وبعضها هادف، ويُكتب بقصد الفائدة والتثقيف، ويُلامس هموم أبناء المجتمع وآمالهم، من دون أن يكون

هدف الكاتب منه الترويج لنفسه ككاتب أو شاعر.
وعلى العموم، لا تحتاج تلك النصوص إلى المراجعة والتدقيق والتمحيص، أو حتى النقد، لأنها بالمحصلة غير مدوّنة في موقع أو مجلة أو صحيفة أولاً، وتمر مرور الكرام، وتموت في نفس اللحظة التي ولدت فيها ثانياً، فهي عابرة، وغير مدروسة في أغلب الأحيان، وواضحة المحتوى والمستوى أيضاً، وتحدّد طبيعة كاتبها، ووجهة نظره تجاه بعض المواضيع ليس إلا، ولا خطر منها على النص الأصيل، لأنها تتعرض للنسيان، والحذف، فصفحة الفيس نفسها تتعرّض للتوقف، لتموت تلك النصوص بموت الصفحة نفسها، وتبقى للنص الأصيل قيمته، ومكانته الكبيرة لدى الجميع.


الشاعر المصري حسّونة فتحي:
المُزيّف ينكشف أمره وينزوي!
الميديا ومواقع التواصل على تنوعها وتعددها بما لم يكن متخيلاً قبل أعوام قليلة جعلت العالم أصغر مما نتخيل، وفتحت آفاقاً شاسعة لكل راغب في متابعة أو نشر ما يريد على صفحته

دون قيد أو شرط، وضمن ما يريد كثيرون الشعر، وبمجرد النشر يتاح ما كتبه لآلاف القرّاء، وأنا أعتبر هذا أمراً صحياً لا خوف منه رغم رداءة - بل شدة رداءة - الكثير مما يتم نشره، والذي للأسف يلاقي استحساناً من كثيرين لا يملك أحدهم أداة قياس حقيقية للنص الشعري، لأن الحقيقي سيجتهد في الوصول بنصه إلى مستوى مُرضٍ وإن كثر مجاملوه، بينما المزيف لن يجد بدّاً من السطو على نصوص وأفكار الآخرين وما يلبث أن ينكشف أمره وينزوي، ثم ينزوي عنه معجبوه باحثين عن حقيقيين تُشبع نصوصهم الحالات الوجدانية لهؤلاء المتلقين، ما يُحسّن بدوره أداة قياسهم واستيعابهم لحقيقة الشعر.


الشاعرة السورية نسرين سليمان:
اللايكات لا يُعوّل عليها في رصد قيمة المنشور
أدب الفيسبوك جموح لا يؤطره ضابط ولا يحده قيد كمّاً ونوعاً. حائط حر للنشر يكتب أي شخص ما يريد، بغضّ النظر عن قيمته الجمالية والمعرفية، وبإمكانه تسمية تلك الكتابة بأسماء لا تمت للنوع الأدبي المكتوب بصلة.
وما يزيد الطين بلّةً وجود قائمة الأصدقاء، تلك الدائرة المحكومة بشبكة العلاقات الاجتماعية والأسرية والميول الشخصية (بطبيعة الحال هو من اختارهم بنفسه) ويصبح من الواجب عليهم وعليه الخوض في علاقة تفاعل تبادلية لحصد اللايكات والتعليقات التي تتبع في معظم الأحيان ثقافة المتلقي ومزاجه، وبالتالي لا يُعوّل عليها في رصد القيمة الحقيقية للمنشور والذي قد

يكرس ظاهرياً بقيمة افتراضية مبالغ بها، نظراً للكم الهائل من الثناء والتصفيق.
الإنسان هو حصيلة تجاربه وأفكاره ووعيه، والتباينات الثقافية والإدراكية أمر واقع، وجمهور الفيسبوك غير مطالب بأن يكون كله من فئة المفكرين والأدباء والشعراء. ولا ننكر بهذا حرية الإنسان في الرأي والتعبير ولكن نحاول الارتقاء بقيمة ما ينشر، لأن التهليل للسخف والابتذال هو تكريس لثقافة ضحلة بلا أفق، وخصوصاً في غياب حركة نقدية حقيقية تقيّم النص مضموناً وشكلاً وتفرز الجميل والأجمل وفق أسس ومعايير محددة.
للأسف ثمة كتابات في غاية الأهمية تُظلم على حساب كتابات بسيطة. وظاهرة المجلات والمنتديات والمواقع التي لا تمت للحركة الأدبية بصلة كان لها الدور السلبي في نشر المتواضع والعادي وتسويقه على أنه نتاج أدبي ثري وبهذا ظُلِم النص النخبوي المتكامل في البناء والصياغة واتُّهِم بالغموض والتعقيد.
في عالم الأدب أسماء وعقول لا يستهان بها، وجميل أن نعترف بأننا ما زلنا نحبو في هذا العالم، ويلزمنا الكثير من القراءة والبحث والنقد لنصل إلى نص يليق بالقراءة.


الكاتب المغربي سعيد بن الهاني:
معضلة يجب التصدي لها من طرف كُتّاب كبار
لا أحد ينكر ما لعبته وسائط التواصل الاجتماعي في فتح باب الكتابة في هذا الفضاء التفاعلي بين الكتاب والقرّاء، دون حواجز أو قيود، كانت فيما مضى عائقاً فرضه "أخطبوط" الرقابة الرسمية المتمثلة في الجرائد الحزبية والحكومية التي لا تجيز النشر للعديد من القرّاء بدواع

مختلفة يصعب حصرها، إمّا سياسية أيديولوجية، أو دينية طائفية، ومن ثم، فقد ظهرت وسائط التواصل الاجتماعي، لاحتضان كل الأصوات، من جميع الجهات، الأجيال، الأجناس إلى درجة أصبح فيها "الفيسبوك "و"تويتر" الوجهة المفضلة للعديد من الكُتّاب والمبدعين، يضعون فيها مسودات أعمالهم، ويتواصلون مع القرّاء بشأنها، قبل نشرها ورقياً، بمعنى أن الفيسبوك أصبح منصة لإطلاق المشاريع الإبداعية والفكرية، مما يفترض الحديث عن أدب فيسبوكي هو في طور التخلق والإنجاز.
في مقابل ذلك يعرف هذا الفضاء بحكم انفتاحه العولمي شيوع ظواهر سلبية أحدّدها فيما يلي:
- شيوع السرقات بمختلف أنواعها وفروعها في غياب وازع أخلاقي عند المستعملين.
- غياب وعي نقدي يؤطّر هذه النّصوص ويفحص جودتها، ويقف على مآزقها.
- تحوّل هذا الفضاء إلى مجاملات ومدح الرداءة، دون رقيب أو حسيب.
- شيوع التكرار، وغياب شروط الكتابة السليمة، والوعي الفني والجمالي المؤسلب الذي يعطي للنصّ جودته على مستوى الشكل والمضمون.
في ظل غياب بدائل ثقافية وإعلامية وسياسية واقتصادية تواكب العصر، والتطورات الهائلة لوسائل الاتصال، وحضور التسلط بميزته البطريركية في مجتمعات عربية لم تتخلص بعد من مظاهر الديكتاتورية والرأي الواحد في المجتمع (الأسرة، المدرسة، الحزب، الإدارة)، تبقى هذه الوسائط متنفساً جزئياً أو كلياً بالنسبة لفئة كبيرة من القراء، في انتظار فرز هذا الكم الهائل من هذه النصوص الرديئة التي اجتاحت الشبكة بوهم آلاف اللايكات التي جنتها بالمجاملات وطلب الصداقات اليومية لدرجة أصبحت تعتقد بنجوميتها. وهذه معضلة يجب التصدّي لها من طرف كتاب كبار عليهم أن يبادروا للانخراط في هذه الوسائط، إمّا لفرز الجيّد ودعمه، وإما لفضح زيف تلك النصوص وضعفها، وإعطاء النموذج والمثل، بمعنى مناقشة شروط النص ومدى تحقّقها فيه حتى لا يختلط الحابل بالنابل.



الشاعرة السورية رماح بوبو:
وسائل التواصل بالكاد تفتح الطريق للمبتدئين
نحن المساكين الذين فاضت بنا الحروب، وأرجحتنا شبكة الضوء وجلبة الجنون، كان لا بد لنا من طاقة نزفر فيها ما تراكم فينا من ذهول وصدأ.
نحن جميعاً، مثقفون وأنصاف مثقفين وصغار كتبة على عربة هذا العصر، اجتاحتنا العواصف فبحثنا عن صوتنا لنتلو ما نرتئي من صلوات، وها نحن ندخل الفيسبوك أفواجاً، ننمَّق دواخلنا بجمل نسميها أدباً.. البعض يمارس جنونه والعربدة، البعض الآخر تفرغ لـ"اللصوصية الأدبية"، وآخرون عرّوا ذواتهم لمطهر وجدوه في هذا الفضاء الأزرق.
فما الذي سيحدث بعد هذي القيامة؟
بالتأكيد وبلا أية مواربة ستحدث مهزلة كبرى.. زلزال سيبتلع كل هذا الفيض اللغوي ويغور

به. فأن تعثر على كاتب مبدع أوصله هذا الجنون إلى عالي المجد الحق، أمر شبه مستحيل.
هنا سيضيع الكاتب نفسه وقارئه في آن واحد. لم لا والكل غدا شاعرا وقارئاً وناقدا في آن معاً.. وتضيع البوصلة دون مرجعية أكاديمية يصنف فيها الكاتب مراراً، باحثاً عن مكانة نصَّه في سلم الإبداع وساعياً لتحسينه بعيداً عن عدد اللايكات و"الراااائع" الذي يلازم غالبية ما يكتب.. فهذه الأفخاخ ستجعل من كاتب مبتدئ أو من مجرد هاوٍ يرى نفسه أديباً جليلاً يحق له التقاعد في قمة مجده ليتفرغ للنصح والإرشاد... وكذا قد تجعل من مبدع مغمور، ليس بارعاً في إقامة علاقات الشللية الفيسبوكية وأخذه مدّ النّصوص العالي بعيداً عن أعين المتخصصين، منطوياً وقد يكسر قلمه إحباطاً لأنه لم يلفت الانتباه كغيره.. كل هذا عدا عن الجريمة التي تتكاثر بسرعة الفطر بحق اللغة.. فتسري الأخطاء المشتركة بسرعة الهشيم في النار.. حتى تكاد تنافس صحيحها بالاستعمال في ظل غياب التدقيق اللغوي بل وغياب الحرج منها أيضاً.
أرى أن وسائل التواصل الاجتماعي بالكاد تصلح لفتح طريق البداية أمام كاتب مبتدئ يجسّ من خلالها ردود الفعل على ما ينشره.. ولكنها بالتأكيد لن تمنحه الأدوات اللازمة ولن تصل به إلى غايته.. فهي مقهى للدردشة وليست معهداً تعليمياً.


الشاعرة المغربية فاطمة شاوتي:
أدب فرض نفسه ولا بد من نقاش حوله
هو أدب فرض نفسه ولم يعد ممكناً إنكار حضوره، كسلطة رمزية واقعية لها روادها ورائداتها، في ظل غياب سلطة النقد الحقيقي، والتعاطي مع منابر خيمت عليها ثقافة الولاء والمجاملات.
واقع ثقافي فرض ذاته، وعلينا الآن مواجهته بضبط آليات اشتغاله ومساحتها، خاصة وأن ظاهرة التشجيع الورقي لا يحظى بها الجميع لعدة اعتبارات، أهمها الطبع والتوزيع، وأن المنابر من جرائد ومجلات ودور نشر لها ميكانيزماتها، وهو أشاع فوضى وتسيباً، أساء إلى الإبداع والمبدعين، وفقدت الذائقة الجمالية قيمتها وقامتها، وهو يستلزم إعادة النقد الذاتي، بهدف تأسيس وعي بالكتابة الفيسبوكية، دون إنكار أنه كان لها دور تشجيع مبادرات لم تكن قادرة

على الإعلان عن وجودها، والساحة كانت خاضعة لمنطق التصفيات والشخصنة، يضاف إليها مساهمتها في التعريف بكتابات واعدة لم تكن قادرة على ترسيخ وجودها في أرض هيمن عليها ذوو السلطتين السياسية والثقافية، وعكست ظاهرة الفساد الثقافي، وساهم الإعلام في الترويج لهذا الفساد، لكن زخم الكتابة الفيسبوكية وتراكمات كمية، دون الحديث عن النوعية، فرض فتح نقاش عمومي.
ما العمل؟
- هل ننكر وجودهم بجرة قلم ونقول هذه كائنات هلامية، ومنها من حضر لقاءات ومهرجانات وطنية وعالمية بفضل الإشهار الرقمي.
- أم العودة لهذا المنتوج للغربلة وفق خطة منهجية وقواعد، لأن أي موقف سيصطدم بجدار يقوض الرهانات...
- أم اختيار يتأسس على تصور ثقافي يساهم فيه النقاد والكتاب، والمتتبعون المتمكنون، لا "اللايكيون" الذين يرقنون لايكاتهم انطلاقاً من ذاتية غير ناضجة بما يكفي.
- أم التفكير في محترفات وحلقات نقاش وتشريح، اعتماداً على مقترح أرضية وتوسيع النقاش مع المهتمين.. واقتراح موائد فكرية للمتابعة.
ما العمل؟ سؤال مفصلي، الإجابة عليه ليست سهلة، وتفادي طرحه ليس حلاً موضوعياً لأزمة. وهو سؤالنا جميعاً.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.