}

حضور الثقافة الفلسطينيّة في أوروبا: هل يكفي التراث؟

رشا حلوة 17 مارس 2018
هنا/الآن حضور الثقافة الفلسطينيّة في أوروبا: هل يكفي التراث؟
لوحة الفنان الفلسطيني زهدي قادري

للثقافات العربيّة حضور قويّ اليوم في أوروبا مقارنة بسنوات سابقة، لأسباب عديدة أساسها سياسيّ، فضلًا عن كونها متعلّقة بالهجرة واللجوء إليها، قسرًا أو اختيارًا، بعد الثورات العربيّة. من بين هذه الثّقافات تحضر الثقافة الفلسطينيّة بارتباطها مع الواقع السياسيّ منذ نكبة 1948 ومن ثم نكسة 1967، ومع موجات اللجوء العديدة، الثانيّة بعد اللجوء من فلسطين، ومنها الحرب الأهليّة اللبنانيّة، ومؤخرًا الثورة السّوريّة.

ارتبط الحضور الثقافيّ الفلسطينيّ عامّة بمقولته السياسيّة، من الأدب المقاوم، إلى الأغنية الوطنيّة/ الملتزمة، ويستمر بشكل ما على هذه الهيئة لما يحمله هذا الحضور من تضامن مع القضيّة الفلسطينيّة، في مدن أوروبيّة وعالميّة متنوعة، معتمدًا بالأساس على نشاط الفلسطينيّين/ات فيها و/أو المتضامنين/ات مع القضيّة.

لكن في مرات عديدة يقتصر حضور الثقافة الفلسطينيّة على مقولتها السياسيّة، وعلى شكلها التراثيّ: الدبكة، الأغاني التراثيّة، والقصيدة التي تنتمي إلى الأدب المقاوم، مع حضور ضئيل للمشهد الثقافيّ الفلسطينيّ المعاصر المتنوّع، وفقًا لأماكن تواجد الفلسطينيين/ات اليوم، في الوطن والشّتات.

من خلال هذا التقرير تواصلنا مع مجموعة من فنانين/ات، كتّاب/ات، شعراء/ شاعرات، وناشطين/ات في الحقل الثقافيّ الفلسطينيّ في أوروبا، للحديث عن حضور الثقافة الفلسطينيّة بناء على تجاربهم/ن، نشاطهم/ن ورؤيتهم/ن العامّة.

السّويد: ما من تضييقات على العمل الثقافيّ عامة

يقول الكاتب والمخرج الفلسطينيّ مهند صلاحات، المقيم في مدينة مالمو السويديّة خلال السنوات الأخيرة: "ابتداء من العاصمة السويديّة استوكهولم وحتى مالمو، التي تعدّ من المدن الثّقافيّة الهامّة بالسويد، تحضر الثقافة الفلسطينيّة، نتيجة لكون الجالية الفلسطينيّة في المدينة كبيرة أسوة بالحضور العربيّ، وبالتالي فإن المشهد الثّقافيّ الفلسطينيّ يحضر في معظمه من خلال الجمعيّات الفلسطينيّة سواء التقليديّة أو الشبابيّة، التي تقيم فعاليات وأنشطة دوريّة، وكذلك من خلال التجمعات الشبابية". ويتابع: "من خلال متابعتي خلال السنوات الأخيرة التي أقمت فيها بالسويد، فإن هذه الجمعيّات التقليدية غالبًا ما تكون صاحبة توجه سياسيّ حزبيّ، أو فضاء ما، كأن يكون الفاعلون فيه من مدينة، قرية، أو مخيم فلسطينيّ، يقدّم الجانب أو الوجه التقليديّ التراثيّ من الثقافة الفلسطينيّة، لأن هذا الشكل من الفضاءات أسهل للتقديم، ويجمع حضورًا عائليًا أكثر". بالمقابل يرى مهند أن التجمعات أو الجمعيّات الثقافيّة الفلسطينيّة هي التي تقدّم مشهدًا أكثر حداثيّة، وبالتالي، يختلف جمهوره ويجذب غالبًا جمهورًا غير عربيّ.

وردا على سؤال فيما إذا كانت ثمة تضييقات يواجهها العمل الثقافيّ الفلسطينيّ، يقول مهند: "لا أعتقد بوجود أي تضييقات على العمل الثقافيّ الإثنيّ بشكل عامّ، وليس فقط الفلسطينيّ، بل بالعكس يشير عدد الجمعيّات المرخصّة، سواء كانت فاعلة أو لا، إلى وجود دعم كبير مخصّص للثقافات غير السويديّة". أما عن تحديات العمل الثقافيّ في السويد، فيقول: "هي غالبًا متعلّقة بالتمويل والأفكار المتجددة ومدى عكس المجتمعات العربيّة للتطور الثقافيّ في بلدانهم التي جاؤوا منها. هناك مشاريع ثقافيّة، سواء عربيّة أو فلسطينيّة، فرضت نفسها بقوة في المشهد الثّقافيّ السّويديّ على مستوى الأدب، الفنّ، السينما، الموسيقى، وهذا يشير إلى أن هناك من يهتم ويعمل ويسعى ويعرف الوصول للبوابات الصّحيحة من المؤسّسات".

بلجيكا: حضور مقتصر على الفعاليات التراثيّة

تقيم الشّاعرة والصحافيّة الفلسطينيّة فاتنة الغرة في بلجيكا منذ 7 سنوات ونصف السنة، وهي المؤسِسة والقائمة على "صالون فاتنة الشعريّ"؛ مبادرة أرادت أن تؤسسها منذ أن كانت في غزّة، وحملت فكرتها إلى بلجيكا، وعن هذا تقول: "في ذاكرتنا العربيّة والعالميّة، النساء هن المضيفات للصالون الثّقافيّ".

منذ تأسيسها للصالون، حرصت فاتنة على حضور الثقافة الفلسطينيّة. وتتابع: "هذه ثقافتي التي أعتزّ بها، وأحملها، ولا أنتظر مؤسّسات رسميّة لدعمها، فدورنا أيضًا المبادرة، على الرّغم من محدودية الإمكانات، لكني كنت وما زلت مصرّة على ألا أتنازل عن جودة الشعر والموسيقى في الصّالون، وأرى أحيانًا مبالغ هائلة تُستثمر لفعاليات عديدة، لكنها لا تقدّم صورة مشرّفة عن الشّعر العربيّ، على سبيل المثال".

ترى فاتنة أن حضور الثّقافة الفلسطينيّة في بلجيكا يقتصر على الفعاليات التراثيّة مثل الدبكة، أو السياسيّة، وتضيف: "مع ذلك ثمة حضور ثقافيّ حقيقيّ، للأسف ليس كبيرًا، وهناك محاولات مهمّة، لكن ليست حالة ثقافيّة فلسطينيّة حقيقيّة في بلجيكا، خاصّة وأن نوعيّة الثقافة المقدّمة هي جمعيّة أكثر مما هي متخصّصة، بمعنى أن الاهتمام الفلسطينيّ بالثقافة ليس بصلبها ولا بصلب الأدب والإبداع، ولا توجد جديّة في الطرح والتعامل مع الأدب والموسيقى والفنون فعلًا كوسيلة مقاومة حقيقيّة ونقل حضارتنا إلى العالم، وكأننا لم ننتبه إلى أن الأركان الأساسيّة للثقافة الفلسطينيّة ولنقلها إلى العالم كانت من خلال شعرائها وفنانيها وليس فقط من خلال القادة السياسيّين، وهنا تأتي مسؤوليّة الجاليّة، ومسؤولية السّفارة بأن لا تُمسك الثقافة من قشورها. للأسف لسنا مدركين لأهمية الثّقافة بما يكفي. لن أدعي لكني على الأقل سعيدة بأن صالون فاتنة الثقافيّ يعتبر جزءًا من حالة الزخم التي نحاول تأسيسها، وأرغب بأن يبقى هذا الصّالون جسرًا بين الثقافتيْن، وبأن تبقى الثقافة الفلسطينيّة حاضرة فيه".

فرنسا: شراكة ثقافيّة قديمة

يقول الفنان الفلسطينيّ أحمد داري، المقيم في العاصمة الفرنسيّة باريس، حول الحضور الثقافيّ الفلسطينيّ في المدينة وكذلك فرنسا: "فرنسا استثنائيّة جدًا، والسّبب الأوّل هو أن موقعها الثقافيّ في أوروبا له خصوصيّة، ثانيًا، علاقتها مع القضيّة الفلسطينيّة استثنائيّة مرتبطة بقضية قديمة جدًا، منذ أيام نابليون، وهذا يفسّر وجود 4 مراكز ثقافيّة فرنسيّة في رام الله، القدس، نابلس وغزّة، وبالتالي فاهتمام فرنسا بفلسطين ثقافيًا قديم".

أمّا فيما يتعلّق بالعلاقة الثقافيّة الفلسطينيّة- الفرنسيّة المعاصرة، فيعتبر أحمد داري أنها تبلورت وأخذت أشكالًا جديدة مع وجود القضيّة الفلسطينيّة، منذ بداية القرن العشرين، أي الثلاثينات وما بعدها، وبالأساس النكبة. ويتابع: "إذا عدنا للشق الثقافي، بوجود شراكة كبيرة مع فرنسا هناك مدن توأم عديدة فرنسيّة وفلسطينيّة، وفي هذه التوائم تحضر القضيّة الثّقافيّة، والشّراكة أتاحت الإنتاج المشترك في المسرح والسينما والأدب، كما الاهتمام الثقافيّ الفرنسيّ المتواصل بفلسطين. الثّقافة تحتاج إلى تجارب مختلفة واستثنائيّة في العالم، ونحن مصدر مهمّ، كل فلسطينيّ يحمل قصصًا ويعيش أحداثًا مهمّة، والكثير من المثقفين الفرنسيّين يقدمون هذه القصص ويعيدون إنتاجها ضمن ماكينة ثقافيّة؛ محمود درويش، على سبيل المثال، يُقدّم شعره من خلال فرق فرنسيّة عديدة، بالرقص والمسرح وغيرهما، والأهم أن هذه الشراكة غير نابعة فقط من التضامن بقدر ما هي نابعة من اهتمام بالتجربة الفلسطينيّة التي تحمل بُعدًا عالميًا من خلال إعادة إنتاجها ضمن آلية ثقافية يُستثمر فيها ماديًا وثقافيًا ومجتمعيًا".

ويرى داري أن هناك أزمة في عمل الفلسطينيّين، ويوضّح: "هناك جانب من عملنا في الثّقافة غير مهنيّ، والكثير مما يقدّم ضمن إطار ثقافيّ يخضع لشروط تضامن سياسيّ بلا حضور ومضمون ذي جودة؛ فيستضاف أحيانًا فنان غير مهنيّ، ومغن صوته نشاز، وفي كثير من الأحيان هذا يقدّم في إطار جمعيّات تضامنيّة وليس ضمن فضاءات ثقافيّة مهنيّة، وبالتالي هذا تقصير رسميّ كبير بالتعاطي مع أوروبا ثقافيًا، وكنت قد طرحت هذا الكلام على جهات فلسطينيّة مسؤولة ثقافيًا، وأشرت إلى أهمية أن نعمل على مشاريع تنمويّة. حتى يومنا هذا نحن لا نعمل على تنمية ثقافيّة، ولا نتعلّم من تجارب ربطت بين الفعل الاقتصاديّ والثّقافة ونجحت. للأسف، ليس لدينا وعي كاف لإنجازات الثقافة، ولا نستطيع أن نتفاهم مع بعضنا البعض".

ألمانيا: عطش متواصل للتراث الفلسطينيّ

الناشطة الثقافيّة الفلسطينيّة لنا عودة، وهي مؤسّسة ومدرّبة فرقة "الكرمل" للدبكة في غرب ألمانيا منذ 5 سنوات، تطرقت بداية إلى الوضع الثقافيّ في الغربة، مثل ألمانيا، فأكدت أنه يختلف عن وضع الفلسطينيّ في بلده. وتتابع: "في الغربة يكون الجهد مضاعفًا مرات عديدة، كي يكون بمقدورك إنتاج عمل ثقافيّ وفقًا لما تحلمين أو ترغبين به، وهنا للعمل الثقافيّ هدف آخر عما هو في البلد، خاصّة في ظل وجود جيل ثان وثالث من الفلسطينيّين الذين وُلدوا في ألمانيا، فيأتي المشهد الثّقافيّ ليكون جسرًا بين هذا الجيل الذي وُلد خارج فلسطين وبين بلده الأمّ، حيث إن معظمهم في غالب الأحيان لم يروا فلسطين".

بالنسبة لعودة، والتي كانت عضوة في فرقة "الفنون الشعبيّة الفلسطينيّة"، فإن مشروع فرقة "الكرمل" للدبكة الفلسطينيّة، يهدف إلى التعريف على تراث وثقافة فلسطين للأجيال الفلسطينيّة المولودة في الشّتات. وتتابع: "في نفس الوقت نريد أن نعرّف المجتمع الغربيّ في ألمانيا وأوروبا عامّة على ثقافتنا، لأننا نتجوّل في عروضنا، ومن خلالها نوصل رسالة سياسية وثقافيّة عن طريق الثّقافة والفنّ، الرّقص والموسيقى وليس عن طريق الخطاب السياسيّ. الرّقص المعاصر والمسرح المعاصر حاضران في ألمانيا وأوروبا، وهذا ليس بالأمر الغريب أو الجديد، ولا يعني أني معه أو ضده، لكن حضوره له معنى مختلف. لدينا فرق رقص معاصر ممتازة وعالميّة، لكن هُنا في الغربة لدينا تعطش أكبر للتراث. من خلال تدريبات الدبكة، تعرّف أولادنا على لغتهم العربيّة، تراثهم، ثقافتهم وأغانيهم، وثقتهم بأنفسهم كفلسطينيّين ارتفعت، وازداد انتماؤهم. هؤلاء الشباب والشابات بنفس الوقت مندمجون في أطر فنيّة متنوعة، إلى جانب الدبكة، منها رقص الباليه وأنواع أخرى".

تشير لنا عودة أيضًا إلى نشاطات ومناسبات فلسطينيّة وطنيّة تُقام في ألمانيا كفعل ثقافيّ أيضًا. وتتابع: "من ذلك يوم الأرض، ذكرى النكبة. كما أن العديد من النشاطات لا تُنظم فقط من قبل جاليات و/أو مؤسّسات فلسطينيّة، إنما من قبل مجموعات ألمانيّة تضم فلسطينيّين. كما من المهم الإشارة إلى أن الوضع السياسيّ في فلسطين ينعكس على الخارج وعلى عمل الجاليات الفلسطينيّة، خاصّة فيما يتعلّق بالانقسام وغيره، بالإضافة إلى تحديات وصعوبات تواجه نشاطات فلسطينيّة من محاولات لإيقافها ومنعها، فنحن على سبيل المثال كفرقة دبكة فلسطينيّة، واجهنا أصواتًا تتهمنا بأننا نروّج للعنف والإرهاب".

بريطانيا: الثّقافة الحيّة تُعرّف على الفلسطينيّين

من بريطانيا وفيها تعمل منذ سنوات واحدة من أهم المؤسّسات الثقافيّة العربيّة والفلسطينيّة، هي مؤسّسة عبد المحسن القطّان لصاحبها الفلسطينيّ الرّاحل قبل فترة قصيرة عبد المحسّن القطّان. وبالإضافة إلى مقرها في لندن وفضاء “The Mosaic room”، الذي يضمّ صالات عرض، مكتبة ومقهى، للمؤسّسة مقر أساسي في رام الله، وتجهز لافتتاح مقرها الجديد هناك.

 في حديث مع مدير المؤسّسة، عمر القطان، حول الحضور الثقّافي الفلسطينيّ في أوروبا، قال: "منذ أن بدأنا برنامج الثّقافة في المؤسّسة، كان التركيز على الثّقافة الحيّة، وليس التراث فقط، خاصّة الإنتاج الشبابيّ منه. ومنذ البداية عملنا على نشاطات تبادل ثقافيّ وإقامات فنيّة وثقافيّة وترجمات وغيرها. في عام 2008، أسّسنا المقر في لندن، كفضاء للثقافة العربيّة بكل شموليتها غير المختصرة فقط على فلسطين".

يرى عمر القطّان أن ما صُنع خلال 10 إلى 15 سنة فيما يتعلّق بالثقافة الفلسطينيّة كثير، ويتابع: "وللثقافة أثر كسفيرة لفلسطين أكثر من أي مجال آخر، لأنها تُعرّف الناس على المجتمع الفلسطينيّ، همومه، اهتماماته، مشاكله وتناقضاته بشكل حيويّ ومعاصر وبشتّى أشكال التعبير الفنّيّ، من رقص، أدب، سينما، مسرح وغيرها، وهذا مهم جدًا، لأنه يعطي صورة غير نمطيّة وخارجة عن الإطار السياسيّ أو الوطنيّ البحت".

في عام 2011 انطلق بدورته الأولى مهرجان "شباك" في لندن، امتدادًا للثورات العربيّة، ويرى عمر القطّان أنه في عامي 2015 و2016 كان "شباك" أكبر مهرجان للثقافة العربيّة المستقلّة في العالم، ويضيف: "وهذا طبيعي، خاصّة في ظلّ الهجرة القسريّة لكثير من الفنانين من فلسطين والأردن ولبنان وسورية والخليج إلى أوروبا، حيث وجدوا في مساحات مثل مهرجان شباك وغيرها إمكانيات للتعبير خارج القيود الحكوميّة أو الاجتماعيّة في بلادهم".

وصل عمر القطّان إلى إنكلترا عندما كان في الحادية عشرة من عمره، أي قبل حوالي أربعين عامًا، حيث يعتبر نفسه من أجيال الهجرة الأولى والثانيّة إلى أوروبا، وعن هذا يقول: "هناك جيل ثانٍ وثالث من المهاجرين لديه شغف بالتعرّف على ثقافته وبنفس الوقت لديه ثقة مواطن ولا يعيش خوف الهجرة الأولى، نحن كنا نخاف، والآن يشعر الجيل الجديد أنه يريد التعبير عن نفسه ولديه الرّغبة بالمعرفة وبناء علاقات مع أفراد ومهاجرين من بلاد عربيّة أخرى، ويفعل كل هذا بثقة أكبر ويطالب بحضوره في الساحة الثقافيّة بشكل أقوى".

 يعود عمر القطّان إلى الأسباب الأولى لإنشاء المركز في لندن، فيقول: "ربما كان رد فعل على الخطاب السائد آنذاك عن الشّرق الأوسط، أو الذي تطغى عليه أحداث عديدة من فترات سلبيّة في بلادنا، أو الاهتمام والتركيز على الخطاب الديني، فحاولنا بشكل متواضع، كمؤسّسة عائليّة وليست دوليّة، الرّد على هذيْن الخطابيْن من خلال تقديم صورة أكثر عمقًا وتعدديّة وانفتاحًا مما كان يُطرح، كي نخرج من هذه المعادلة والمفارقة اللتيْن نوضع فيهما، وهذه معركة مستمرة لم تنته بعد".

ألا ننحصر في التراث

السّؤال الذي رافق ويرافق أي بحث، ولو كان قصيرًا، عن الهويّة والثّقافة الفلسطينيّة يعيدنا إلى التعريف الأوّل: ما هي الثّقافة الفلسطينيّة؟ ربما في فترات تاريخيّة ما كانت الملامح واضحة أكثر، مرتبطة بالمرحلة السياسيّة، لكن اليوم كيف يمكن تفريق الثّقافة السّوريّة عن الفلسطينيّة، خاصّة في ظلّ كوارث بلادنا المستمرة، ما بين الاستعمار والأنظمة الديكتاتوريّة؟

لا شك في أن الهويّة التراثيّة مهمّة، ويجب الحفاظ عليها دومًا، ونقلها من جيل إلى آخر، ولربما هي بمثابة الرافعة الثقافية الفلسطينيّة الموّحدة، الممتدة من التاريخ والأرض، لكن من المهم أن نمنح إلى جانبها مساحة لما تُنتج الثقافة من فعل معاصر مرتبط بتفاصيل حياة ناسها اليوميّة الحاضرة في ظلّ واقعهم السياسيّ، على اختلاف أماكن تواجدهم، وفي ظلّ محيطها العربيّ، ثوراته، وامتدادها الإنسانيّ الكوّنيّ أيضًا. ولربما القلق المتواصل يجب أن يكون الحذر من أن نعتبر أنفسنا، ويعتبرنا العالم، بأنّنا تاريخ وتراث فقط، بينما نحن أيضًا فعل ثقافيّ وسياسيّ مستمر ومتطوّر ومقاوم.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.