}

مبدعون فلسطينيون رحلوا في 2018

يوسف الشايب 6 يناير 2019
هنا/الآن مبدعون فلسطينيون رحلوا في 2018
من أعمال ألفنانة الفلسطينية الراحلة جمانة الحسيني

ريم بنّا

في الأيام الأخيرة من آذار/ مارس 2018، فُجعت فلسطين برحيل الفنانة ريم بنّا، تاركةً إرثًا غنيًّا من الأغنيات الوطنية، وأغنيات الأطفال، والأغاني التراثية الفلسطينية التي أعادت غناءها بعد تجديدها، من دون أن تفقد هذه الأغاني روحها، علاوةً على أغنياتها لعددٍ من الشعراء الفلسطينيين، أبرزهم محمود درويش في "أثر الفراشة"، وراشد حسين في "الغائب"، وغيرهما.

ورحلت بنّا بعد أن تركت بصوتها العديد من الأغنيات التي تتغنى بفلسطين، وتناهض الاحتلال، حتى باتت رمزًا ملهِمًا للنضال ضد الاحتلال الذي ينخر جسدَ فلسطين، وضد مرض السرطان الذي تفوقت عليه أكثر من مرة خلال سنوات العلاج.

وأعمال ريم بنّا التي قدمت في السنوات الماضية مثلت قيم الصمود والبناء والعمل، حيث حملت فلسطين بصوتها كلماتٍ وتنهيدات ومعانيَ وقيمًا، والأهم ما نستطيع أن نراه في هذه الأعمال من ثبات وحياة وإصرار على الذهاب إلى الغد بخطى واثقة.

وتعتبر ريم واحدة "من تجليات الوجع والثورة"، فالتي هللت كثيرًا بصوتها لأطفال كبروا قليلًا، غنت محمود درويش، والحلاج، ورابعة العدوية، وابن عربي، وغيرهم الكثير، سيبقى صوتُها على رأس الجبل يستنشق هواء البلاد راسمًا مرايا الروح، لتحكي للعالم عن "بيت كسروا قنديله".

وريم بنا مغنية وملحنة وكاتبة فلسطينية، كما أنها موزعة موسيقية وناشطة، وُلدت في عام 1966 بمدينة الناصرة، وهي ابنة الشاعرة زهيرة صباغ، التي نعتها قائلة: رحلت غزالتي البيضاء.. خلعت عنها ثوب السقام ورحلت، لكنها تركت لنا ابتسامتها تضيء وجهها الجميل، وتبدد حلكة الفراق.

درست ريم الموسيقى والغناء في المعهد العالي للموسيقى في موسكو وتخرجت عام 1991. ولها عدة ألبومات موسيقية يطغى عليها الطابع الوطني، كما أن لها عدة ألبومات أغانٍ للأطفال، ولها أيضًا العديد من المشاركات في احتفاليات ونشاطات عالمية لنصرة حقوق الإنسان. ويتميز أسلوبها الموسيقي بدمج التهاليل الفلسطينية التراثية بالموسيقى العصرية.

اختارتها وزارة الثقافة في عام 2016 شخصية العام الثقافية، وقالت ريم حينذاك: صوتي كان سلاحي الوحيد ضد الاحتلال، ضد إرهاب إسرائيل التي قتلت وشردت وذبحت وحاصرت ونفت، وما زالت تمارس أبشع جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، ولكن إذا بت غير قادرة على العودة إلى الغناء، فهذا لا يعني أن سلاحي سقط.. سلاحي لم يسقط، لأنني ما زلت قادرة على تقديم الكثير لخدمة شعبي وفلسطين الوحي الأول والأخير بالنسبة لي.

جمانة الحسيني

وفي منتصف نيسان/ أبريل رحلت الفنانة التشكيلية والنحاتة الفلسطينية جمانة الحسيني (86 عامًا)، في العاصمة الفرنسية باريس، هي المولودة في مدينة القدس عام 1932، وبقيت أعمالها كما ذاكرتها لا تبرح أزقة المدينة وحواريها حتى رحيلها، مخلفة وراءها تاريخًا طويلًا من تجيير الفن لصالح فلسطين عامة والقدس خاصة، حتى حصلت على لقب "أيقونة القدس".

والحسيني المولودة في القدس عام 1932 بقيت طوال سنيّ حياتها مشغولة بالقدس، بل جيرت أحداثًا عالمية لتحاكي فيها قضية بلادها، هي التي حينما زارت هيروشيما اليابانية ربطت في لوحة شهيرة ما بين مأساة المدينة التي نكبت بالقنبلة النووية والقدس المدينة التي نكبت بالاحتلال الإسرائيلي، واستحضرت المكان باللوحة والصورة، ومن ثم بنمائم مكتوبة وأشكال لا تخلو من غموض هو تعبير عن غموض مصير القدس، وكأنها تسعى باستمرار للقبض على ذكرياتها وعالمها الطفولي الحميم في المدينة المقدسة.

وشاركت في معارض جماعية عدة.

درست الحسيني الرسم والخزف أثناء دراستها للعلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، وبدأت بإنتاجاتها الأولى من داخل منزلها، حتى أقامت معرضها الأول في العاصمة البريطانية لندن عام 1965، وكانت جميع أعمالها تتمحور حول فلسطين والقدس بأحيائها الشعبية، لتدرس في وقت لاحق فن الزجاج الملون بالعاصمة الفرنسية، وهو ما انعكس في هندسة لوحاتها، حيث باتت متناسقة متوازنة متأثرة بالفنون الإسلامية على وجه الخصوص.

وكتب الناقد والكاتب العراقي فاروق يوسف عن الحسيني على صفحته الإلكترونية: ما يلفت الانتباه في أعمال جمانة الحسيني هو ذلك التوازي ما بين رهافة العصافير والفراشات والزهور، وقوة وثبات الأحصنة والنمور والفهود وشجرة الصبار كرموز للمقاومة والصمود والبقاء.

ولا تحمل جمانة الحسيني عبء اللقب العائلي وحده، فجدّها هو أمين الحسيني، مفتي القدس الذي قاوم الاحتلال البريطاني، بل أيضًا إرث مدينة هي واحدة من نفائس الروح البشرية.

ابنة القدس أدركت منذ اليوم الأول الذي شغفت فيه بالرسم أن ملعب ريشتها الحقيقي هو ذلك المكان الذي تحلم بالعودة إلى تنفس هوائه. فصارت بيوت القدس بمثابة النبع الذي تنبعث منه الصور والأصوات والرؤى التي تمتزج في ما بينها لتصنع حياة ممكنة في الفن.

لقد ألّفت جمانة الحسيني جملتها الموسيقية الطويلة من بيوت القدس. نزعت من تلك البيوت طابعها الواقعي وصنعت منها مفردات جمالية، يمكنها من خلالها أن تقيم عالما فنيا، يأسر العين بسحر الإيقاعات الخطية واللونية التي تنبعث من سطح اللوحة.

جمال ناجي

وفي أيار/ مايو كان خبر رحيل الروائي جمال ناجي صادمًا للمثقفين في فلسطين والأردن والوطن العربي، كما كان مفاجئًا أيضًا، فعجّ "الوجه الأزرق الإلكتروني" (فيسبوك) بالمنشورات التي تعكس حجم الألم والفاجعة، ولا تخلو من سرد لبعض الذكريات، بطريقة فيها شيء من الإبداع، أو بتلقائية، هو الذي نعته كل من وزارة الثقافة الفلسطينية ووزارة الثقافة الأردنية.

وتميز ناجي بإنتاج واقع فني مواز للواقع الحياتي نتيجة لتلك الرؤية الممتدة والفكر الفلسفي والمواقف المتقدمة للوعي على علاقات الواقع، علاوة على التمرس بالأصول الجمالية والسردية التي يقيم عليها عمله الروائي، كما تميز بتعدد الأصوات والتركيز على المسكوت عنه في المجتمع، علاوة على كون شخوصه شركاء في صنع الأحداث وليسوا شهودًا، سواء أكانوا رئيسيين أو ثانويين.

وُلد جمال ناجي في عقبة جبر (أريحا) في عام 1954، حيث عاش طفولته المبكرة، ثم انتقل إلى العاصمة الأردنية عمّان، في إثر حرب حزيران/ يونيو 1967، وقد أقام وتلقى تعليمه فيها منذ ذلك الحين، حيث حصل على دبلوم في الفنون التشكيلية، وعمل في مجالات متعددة أهمها التدريس في السعودية 1975 – 1977، ثم في العمل المصرفي 1978 – 1995، ثم عمل مديرًا لمركز إنتلجنسيا للدراسات السياسية والاقتصادية 1995– 2004، ورئيس تحرير مجلة أوراق ما بين 2001 و2003، ورئيس المركز الثقافي العربي في عمّان 2009 - 2016، ورئيس تحرير مجلة أفكار التابعة لوزارة الثقافة الأردنية في العام 2017 ، وهو كاتب متفرغ.

ولناجي مسيرة روائية وإبداعية كبيرة في مجالات عدة، ما بين إصداره روايته الأولى "الطريق إلى بلحارث" عام 1982، وصدور روايته الأخيرة "موسم الحوريات" عام 2015.

وشغل ناجي موقع رئيس رابطة الكتاب الأردنيين سابقًا، وكان يشغل حتى رحيله رئيس تحرير مجلة أفكار الصادرة عن وزارة الثقافة الأردنية.  

سمير سلامة

وفي آب/ أغسطس 2018 رحل الفنان التشكيلي الفلسطيني سمير سلامة في أحد مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس في إثر مرض عضال. غاب جسدًا، لكنه كان وسيبقى بما أبدعه من لوحات على مدار عقود، وبما أنتجه بمفرده ورفقة آخرين من فنانين بعضهم شهداء من ملصقات ذات بعد نضالي. ومع أن حنجرته لم تكن تسعفه عند افتتاح معرضه الأول من ضمن سلسلة معارضه الاستعادية، في حزيران/ يونيو الماضي، في قاعة "جاليري ون" بمدينة رام الله، فقد أطلقها مدويّة بأن "يا موت هزمتك الفنون جميعًا".

قبل أقل من شهرين على رحيله كان سلامة قال وهو يلهث: ردت لي الحياة حين وجدت نفسي في فلسطين.. أيها الموت هزمتك الفنون كلها.. لم أخضع لمرض السرطان ولم أعطه أي اهتمام، ورفضته باستمرار، لكن القدر أقوى منا جميعًا، وبالنسبة لي فإن وجودي سيتواصل عبر أعمالي، وهذا ما يهمني.

سمير سلامة من مواليد مدينة صفد عام 1944، واضطر في إثر النكبة إلى الانتقال رفقة أسرته إلى بلدة مجد الكروم في الجليل حيث كانت تسكن عمته، ومنها إلى بنت جبيل اللبنانية، والتي بحث فيها والده عن معارفه الذين كان يعمل معهم في نقش الحجارة. مكث معهم فترة قصيرة، لكنه تابع مشواره إلى بيروت ثم إلى دمشق التي غادرها جنوبا نحو درعا، وبعد أشهر على الترحيل القسري أقام سمير سلامة في دير مسيحي بدرعا قبل أن تستأجر العائلة بيتًا في جواره.

بدأ الرسم مبكرًا في المدرسة، ونال التشجيع فيما بعد من مدرس الفن، وكان للفنان السوري أدهم إسماعيل فضل في وضعه على طريق الفنون، وهو ما دفعه لدراسة الفنون الجميلة في جامعة دمشق، قبل أن يقيم أول معرض له في عام 1963 في المركز الثقافي بدرعا. وبعد أن أنهى دراسته الجامعية عام 1972 انتقل إلى بيروت، حيث التحق بدائرة الإعلام الموحد التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأسهم في صياغة الملصق السياسي (البوستر) استجابة لمتطلبات المرحلة، وكجزء من توظيف الفنون في خدمة الثورة وأهدافها، وكان هو من أسس قسم الفنون التشكيلية في دائرة الإعلام، قبل الانتقال عام 1975 لمتابعة دراساته العليا في كلية الفنون الجميلة (بوزار) في العاصمة الفرنسية باريس.

وكان من بين محطات مشواره الحافل العمل في "اليونسكو"، والعودة بصيغة جديدة رفقة الشهيد عز الدين قلق على إنتاج المزيد من الملصقات، هو الذي عرف بانحيازه للجمال كما انحيازه لقضية وطنه وشعبه، وبعمله الدؤوب على التجديد، حتى شكل مدرسة بحد ذاته، ومنحه الرئيس محمود عباس، العام الماضي، وسام الثقافة والفنون والعلوم (مستوى التألق)، تقديرا لسيرته ومسيرته الثقافية والفنية، ودوره في تأسيس قسم الفنون التشكيلية والإعلام الموحد في منظمة التحرير.

وكشف سلامة في أحد الحوارات المستعادة عن أن زيارته الأولى بعد نكبة فلسطين لم تكن في تسعينيات القرن الماضي كما يعتقد كثيرون، بل ما بين العامين 1960 و1961 "عندما تقمصنا هوية طلاب سوريين، ودخلنا إلى البلاد برحلة مدرسية وزرنا القدس، وأريحا، ورام الله، وبيت لحم، ونابلس.. كانت أول زيارة عبارة عن تهريب في تهريب"، هو الذي قال وهو يتأفف من جهاز التنفس ولا يستطيع الاستغناء عنه من رام الله وخلال مشاركته في معرضه الأخير "برغم كل آلامنا كشعب علينا أن نفتخر بأننا فلسطينيون".

خيري منصور

وتوالت خسارات فلسطين برحيل مبدعيها، ففي أيلول/ سبتمبر رحل الكاتب والشاعر والناقد الفلسطيني خيري منصور، في العاصمة الأردنية عمّان، حيث كان يقيم في إثر مرض عضال، عن عمر يناهز 73 عامًا، هو الذي كان وبقي عبر إبداعاته معجونًا بتراب فلسطين وقضاياها، كأحد المبدعين الكبار على المستوى العربي.

وحصل منصور على العديد من الأوسمة الفخرية والجوائز التقديرية، منها جائزة فلسطين التقديرية التي استلمها من الرئيس الشهيد ياسر عرفات، وكانت أبعدته سلطات الاحتلال من فلسطين عقب احتلال عام 1967.

ويعكس شعر خيري منصور المأساة الفلسطينية المتواصلة جراء الاحتلال، بآمالها وآلامها، عبر مجموعاته الشعرية "غزلان الدم" (1981)، و"مراثي للنائم الجميل" (1983)، و"ظلال" (1978)، و"التيه وخنجر يسرق البلاد" (1987)، و"الكتابة بالقدمين" (1992).

ولد منصور في عام 1945 بقرية دير الغصون قرب طولكرم، وأكمل دراسة المرحلة الثانوية في فلسطين، ثم درس المرحلة الجامعية في القاهرة، وأبعدته سلطات الاحتلال الإسرائيلي من فلسطين عام 1967، فغادر إلى الكويت، ثم استقر في بغداد حيث عمل محررًا أدبيًا في مجلة الأقلام العراقية، قبل أن يستقر في الأردن التي يحمل جنسيتها محررًا للصفحة الثقافية في جريدة الدستور بعمّان، وبقي يكتب عمودًا صحافيًا فيها حتى رحيله.

سلامة كيلة

وفي مطلع تشرين الأول/ أكتوبر رحل في العاصمة الأردنية عمّان المفكر الفلسطيني سلامة كيلة (63 عامًا)، بعد صراع مع مرض السرطان، تاركًا ما يقارب الأربعين مؤلفًا في السياسة والاقتصاد والأيديولوجيا والتاريخ، كرّسته كواحد من أبرز المنظرين العرب.

وبرحيله فقدت فلسطين واحدًا من أهم قاماتها الفكرية، فيما فقدت الثقافة العربية واحدًا من أبرز المنظرين على أكثر من مستوى، هو الذي ولد في بيرزيت عام 1955، وأبعد عنها بسبب نشاطاته ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما كانت له تجربة بارزة في النضال السياسي داخل صفوف المقاومة الفلسطينية.

عرف كيلة بكتاباته المتميزة عن "هزائم الطبقات" وعن القومية والماركسية واليسار العربي والإسلام السياسي، وهو الذي ظل ملتصقًا بقضايا وهموم فلسطين وسورية، والهم الإنساني بمفهومه الشامل، ليس فقط عبر كتبه بل عبر مقالاته المتعددة التي توزعت على أكثر من منبر ورقي وإلكتروني، ولم تغب فلسطين عنها يومًا.

وكيلة الذي درس العلوم السياسية في بغداد كان اعتقل في سجون النظام السوري أكثر من مرة، أولها لثماني سنوات بتهمة الارتباط مع أحزاب المعارضة، ومن ثم اعتقل في عام 2012 وتعرض للتعذيب قبل ترحيله إلى الأردن، لكن حلمه الذي لم يتحقق كان زيارة فلسطين، وذلك لكونه مطلوبًا لدى الاحتلال في إثر اعترافات عليه تعود إلى عام 1976.

وكان كيلة أشار إلى أن ما أدخله المعترك السياسي هو معايشته في بير زيت لاحتلال 1967، حيث كان في الثانية عشرة من عمره. وتذكر: "كنت ألهو في الشارع، وإذ بالبعض يقولون إن الحرب وقعت، وبعد يومين بدأت ألمح العربات العسكرية للجيش الإسرائيلي تمر من أمام منزلنا، وفي هذه اللحظة لم يعد الطفل سلامة كيلة طفلًا، وزاد اهتمامي بالسياسة، وبت أعتبر نفسي، ولو عن بعد، جزءًا من المقاومة الفلسطينية، وعضوًا في حركة فتح، مع أنني لا أعرف بشكل شخصي أيًا من قياداتها. كانت الحياة بسيطة في بير زيت، ومن ثم تطورت البلدة وتوسعت مع إنشاء الجامعة التي تحمل اسمها".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.