}

أكاديميون: كيف نجعل ترامب أقل جهلاً بالتاريخ؟

سناء عبد العزيز 30 أغسطس 2017
هنا/الآن أكاديميون: كيف نجعل ترامب أقل جهلاً بالتاريخ؟
ترامب، كاريكاتير للفنان الأردني عماد حجاج

"تكلم حتى أراك" هذه العبارة الكاشفة جاءت على لسان الفيلسوف اليوناني الكلاسيكي سقراط، حين دخل عليه أحدهم مزهواً بنفسه معجباً بوسامته وأناقته. ومن وقتها صارت قولاً مأثوراً يردده الناس في كل زمان ومكان كوسيلة لتقدير قيمة الشخص المختبئ خلف ملابسه أو سلطته ونفوذه. هذه العبارة قد ترسخ من جهة أخرى فضيلة الصمت، إذ إنها تؤطر صاحبها بنوع من الغموض يجعل من الصعب اختراقه ما لم تضطره الظروف أو الأحداث غير المتوقعة لأن يفصح عن نفسه وعن مخزونه المعرفي الحقيقي أمام جمهور من الناس. فما بالك إذا كان الشخص المقصود هو رئيس دولة بحجم أميركا والحدث هو المؤتمر الصحافي الذي شهده العالم أجمع! 

في أعقاب أحداث العنف التي قادها النازيون الجدد في شارلوتسفيل، والتي أسفرت عن مقتل امرأة شابة (32 عاماً) وإصابة العديد من الأشخاص، عقد دونالد ترامب واحداً من أهم المؤتمرات الصحافية وأعجبها على الإطلاق. فبعد أن أدان كل أشكال العنف من قبل كل الجماعات المتطرفة كأنصار تفوق العرق الأبيض وجماعة كو كلوكس كلان والنازيين الجدد وأنواع التطرف كافة، أخذ ترامب في الرد على المعارضين لإزالة تماثيل لرموز كونفدرالية مثل تمثال الجنرال روبرت أي لي بعد أن غدوا بمثابة رموز لدعاة تفوق العرق الأبيض والنازيين الجدد، خالطًا بين التواريخ والرؤساء والأحداث التاريخية المهمة في تاريخ الولايات المتحدة. فروبرت كقائد للجيش الكونفدرالي، كان قد انخرط في معركة دامية ضد السلطات في واشنطن من أجل الحفاظ على نظام الرق والانفصال عن الاتحاد. وأسفرت الحرب الأهلية الدامية والوحشية التي دامت أربع سنوات عن مقتل ما لا يقل عن مليون شخص. وظهرت خلال فترتين بعد نهاية الحرب ما بين 1880-1920 وخلال الخمسينيات والستينيات، موجة من الأحداث لإقامة تماثيل لشخصيات مثل لي، كان هدفها تعزيز لواء الكونفدرالية. ووصفها الخبراء بأنها محاولة من جانب المجتمعات البيضاء لمحاولة فرض سيادة على الأميركيين الأفارقة والحفاظ عليها. وتبنت العديد من الولايات الجنوبية لواء المعركة الكونفدرالية خلال الستينيات رمزًا لرفض سلطات قانون الحقوق المدنية لعام 1964 الذي أنهى الفصل رسمياً، وقانون حقوق التصويت لعام 1965، الذي صيغ لضمان حقوق التصويت لمجتمعات الأقليات.

جهل في التاريخ

ذهب منتقدو ترامب بأنه يبدو جاهلاً بشأن بعض الحقائق الأساسية التي تحيط بالقضايا محل الحديث، مثل قضية العبودية، ونهاية الرق، وعصر جيم كرو، والكفاح من أجل الحقوق المدنية، وبأنه لا يملك أية رؤية تاريخية تؤهله لمنصب خطير كمنصب رئيس دولة في حجم أميركا.

ومن هنا ظهرت العديد من الاقتراحات لجعل ترامب أقل جهلًا بالتاريخ، بدلاً من التشدق بتلك المعلومات المغلوطة بشأن قضايا كبرى تخص بلده. وتحقيقاً لهذه الغاية، تحدثت "إندبندنت" إلى مجموعة من الخبراء والفنانين والناشطين وطلبت منهم أن يقترحوا عنواناً أو أكثر يتيح لرئيس أميركا أن يستفيد من طاولته التي يحتفظ بها بجوار فراشه.

وقد أعدت القائمة لاطلاع الرئيس على تاريخ أميركا الشاق والمؤلم، وهو تاريخ يتعلق بالاختطاف الجماعي لملايين الأشخاص، وإقامة مجتمع للفصل العنصري، والإبادة الجماعية للسكان الأصليين، والكفاح المستمر من جانب شعب ملون. وكان أحد الاقتراحات هو تذكير ترامب بمخاطر عدم قول الحقيقة.


العبودية باسم آخر

اقترحت ليندا هيوود، أستاذة التاريخ والدراسات الأميركية الأفريقية في جامعة بوسطن، على ترامب عنوانين: العبودية باسم آخر: إعادة استعباد الأميركيين السود من الحرب الأهلية إلى الحرب العالمية الثانية، لدوغلاس بلاكمون. وما وراء ساحة المعركة: العرق والذاكرة والحرب الأهلية الأميركية، لديفيد دبليو بليت.

وأوضحت هيوود أن الكتابين المقترحين يستعرضان الحرب الأهلية وإعادة الإعمار بأساليب جديدة وجذابة، مما يسهل على ترامب قراءتهما، فضلاً عن تناولهما للجدل المستمر حول الحرب وإعادة الإعمار بطرق ترتبط بالعرق والاقتصاد والسياسة والثقافة. وعلى وجه الخصوص كيف نعيد إحياء التاريخ بتذكرنا له، وتفانينا من أجل استحضاره من خلال تشييد معالم أثرية للأبطال والأماكن. وأكملت هيوود "يمكننا أن نذهب بعيداً  للتأكيد على أن هذه الفترة في تاريخ أمتنا أعيدت كتابتها من خلال الآثار. والمشاكل التي نواجهها الآن تشير إلى أن هذه القضايا لا تزال بحاجة إلى إعادة النظر فيها ومناقشتها. وهذا وقت مناسب لتوجيه انتباه رئيسنا ومسؤوليه إلى هذا الأمر". وأضافت: "قد لا يكون العديد من مسؤولينا، بمن فيهم رئيسنا، قد حصلوا على دورة دراسية مماثلة لتلك التي نُدرسها في جامعة بوسطن في الدراسات الأميركية الإفريقية. فهي تركز على الكيفية التي أصبح بها الأفارقة أميركيين". وأردفت: "إن النضال الأميركي الأفريقي للتأكيد على الهوية الأميركية لم ينتهِ بعد".

أما روبرت تشيس، أستاذ مساعد في التاريخ في جامعة ستوني بروك، فقد اقترح على ترامب ثلاثة عناوين:

1. العبودية وتاريخ الشعوب: الأشياء الصعبة في الذاكرة الأميركية، تحرير جيمس أوليفر هورتون.

2. أكاذيب عبر أميركا: ما تخطئ فيه مواقعنا التاريخية، لجيمس لووين.

3. لواء المعركة الكونفدرالية: أكثر شعار مخرب لأميركا، لجون كوسكي.

وأوضح أن دونالد ترامب ليس جاهلاً فقط بالوقائع التاريخية، بل أيضاً بالمنهجية التاريخية.

يقول تشيس: "كانت هناك مزحة خلال العصور السوفياتية أن الجميع يعرفون المستقبل، لكن الماضي كان لا يزال يجري محاربته، مما يعني أن التاريخ يسيطر على المستقبل ويتحكم فيه". ويرى تشيس أنه لهذا السبب يحاول دونالد ترامب إعادة تصور الماضي الذي لم يتواجد بالأحرى لصالحه. كما يصف هذا الأمر بأنه "سمة الدكتاتوريات".

ونصحت تارا هوسكا، مواطنة وناشطة أميركية، ترامب بقضاء بعض الوقت في قراءة ثلاثة كتب مهمة:

1. أدفن قلبي في ركبة جريحة: التاريخ الهندي للغرب الأميركي، للكاتب دي براون.

2. تاريخ الشعب في الولايات المتحدة، لهوارد زين.

3. مات كستر لأجل خطاياك: بيان هندي،  لفين دلوريا.

وقالت هوسكا: "سيكون رائعاً إذا اكتسب ترامب بعض التبصر بالتاريخ الحقيقي لأميركا وأدرك بأنه هو نفسه مهاجر أيضاً".

ورشح المغني والموسيقي والناشط مايكل فرانتي لترامب كتاب الاتفاقات الأربعة لدون ميغيل رويز وأولها: كن نزيهاً في كلمتك.


اقرأ هذه الكتب

أما جوديث جيسبرغ، أستاذة التاريخ في جامعة فيلانوفا، فذكرت للاندبندنت ثلاثة عناوين:

1. تقدير الكونفدرالية: السلطة والسياسة في الحرب الأهلية الجنوبية، لستيفاني ماكوري.

2. أبوماتوكس: النصر، والهزيمة، والحرية في نهاية الحرب الأهلية، لإليزابيث فارون.

3. أمة محطمة: صعود وسقوط الكونفدرالية، لآن سارة روبين.

ووصفت ما قاله ترامب بأنه "دليل على وجود مشكلة بشكل عام حين يفكر الأميركيون في التاريخ، وبأن طريقته في سرد التاريخ وقفزاته من فترة تاريخية لغيرها تذكرها بطالب لم يتخرج بعد وليست لديه القدرة على التفكير بمنهجية تاريخية، وإدراك أن هناك فترات مختلفة".

وكان من الطريف أن تقترح شارمين عبيد تشينوي، المخرجة الحائزة على جائزة الأوسكار عن فيلمها فتاة في النهر: ثمن التسامح وحفظ ماء الوجه، فيلمًا وثائقيًا لفايس فيوز وهو "شارلوتسفيل: العرق والإرهاب" معللة ذلك بأنها لا تعتقد أن ترامب لديه القدرة على قراءة كتاب.


17 عنواناً لترامب

كما أشارت أشلي فارمر، أستاذة التاريخ الأميركي الأفريقي في جامعة بوسطن، بدورها إلى ثلاثة عناوين مهمة:

1. موسوم من البداية: التاريخ النهائي للأفكار العنصرية في أميركا، لإبرام كيندي.

2. وراء قناع الفروسية: استحضار كو كلوكس كلان الثاني، لنانسي ماكلين.

3. الغضب الأبيض: الحقيقة غير المعلنة حول انقسامنا العنصري، لكارول أندرسون.

وأخيراً نصح كليف ستافورد سميث، ناشط وحقوقي، بمغامرات بينوكيو لكارلو كولودي.

وبذا أصبح الحاصل النهائي 17 عنواناً، يقترح الخبراء والناشطون والفنانون وضعها على طاولة ترامب، وكلها تدور حول تاريخ أميركا المرتبك في رأسه.

وقد وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً بأنه "لا يقرأ الكتب".

يُشار إلى أن ترامب سبق أن وصف نفسه كثيرًا بأنه شخص لا يهتم حقاً بمثل هذه التفاصيل في المعلومات المستهلكة، وهو ما يبرز حدة التباين بينه وبين سلفه باراك أوباما وخصوصًا من حيث علاقتهما بالمجتمع الأميركي الأفريقي.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.