}

ماذا حدث: الأمازون ساحة جديدة لعراك سياسي أميركي

سناء عبد العزيز 17 أكتوبر 2017

 

كثيرًا ما تفتقر تقييمات القراء لكتابٍ ما إلى عنصر الشفافية، وبخاصة إذا ما تعمد القارئ تقييم الكاتب لا كتابه، أو اقتفى أثر غيره في تقييمه لعمل لم يستوعبه كما ينبغي. يظهر هذا على سبيل المثال في بعض التقييمات المبالغ فيها لبعض الأعمال الحائزة على جوائز عالمية مثل جائزة نوبل أو البوكر. إذ تمثل الجائزة لدى البعض مسوغًا لمنح صاحبها خمس نجوم متلألئة. وأحيانا ما يحدث العكس، كأن يشن القارئ هجومه على كتاب ما بمنحه نجمة واحدة، انطلاقا من دوافع لا تمت للكتاب بأدنى صلة، في محاولة لإغراق التقييمات الإيجابية بقدر أكبر من التقييمات السلبية. ومع وجود وفرة من القراء يميلون إلى مراجعة تقييمات من سبقوهم قبل الشراء، تلعب النجوم على صفحة الكتاب دورًا لا يستهان به في تحديد مصير كاتبه؛ فهي إما أن تؤدي إلى رفع قيمة الكتاب والإقبال على شرائه، وإما إلى النيل منه وتقليص نسبة مبيعاته وربما التشهير والإساءة لسمعة صاحبه.

"ماذا حدث" لهيلاري كلينتون

صدر مؤخرا الكتاب الثالث لهيلاري كلينتون "ماذا حدث"، بعد كتابيها "التاريخ الحي" عام 2003، و"خيارات صعبة" عام 2014. وهو عبارة عن مذكرات تتحدث فيها كلينتون بشكل شخصي عن حياتها ولماذا خسرت معركتها الانتخابية أمام شخصية كشخصية ترامب. ويتضح من الفقرة التالية الجانب الشخصي بالفعل في مذكرات كلينتون:

"الآن دعني أقص لك طرفًا من حياتي. أنا امراة. أعرف أن كثيرا من الناس يجدون صعوبة في تقبل هذا. ولكني فخورة بكوني امرأة. وأكثر من كوني امرأة، أنا أيضا أم، وزوجة، وابنة وجدة. لا يوجد شيء أعشقه أكثر من كوني أما. بصرف النظر عن كوني زوجة وابنة وجدة. كما لا يوجد أيضا شيء أعشقه أكثر من كوني جدة".

وتبدو حيرة كلينتون واضطرابها في معظم فقرات كتابها، فلم تكن تتوقع الهزيمة بأي حال وهذا ما جعل صحيفة النيويورك تايمز تصف كتابها بالمباشرة وبأنه يكشف بشكل مضحك حالتها النفسية إثر خسارتها أمام ترامب، ولكنه تضمن أيضا لحظات تشي بكونها متعبة أو ثملة أو تتصيد بعض الأحداث:

"ماذا حدث؟ أتمنى لو أني كنت أعرف على وجه اليقين. ما يمكنني قوله هو أنني بذلت قصارى جهدي وأنني لم أتمكن من تكوين فريق أكثر حكمة من حولي. عندما ذرفت الدموع وأنا أنتظر في طابور تنصيب ترامب، لم أكن أبكي من أجل نفسي. كنت أبكي أيضا من أجل جميع مواطني أميركا الذين سيتعين عليهم أن يعيشوا مع هذا الرجل كزعيم لهم. ولن أنكر أن الأشهر الستة التي انقضت منذ أن خسرت الانتخابات كانت من أصعب أيام حياتي. ولكني تجاوزتها بفضل حب زوجي بيل، ودعم أصدقائي المقربين، مثل شيريل ساندبرغ، ومعرفتي بأنني نجحت في التصويت الشعبي.

 

الأمازون تتدخل لانقاذ كلينتون

بعد ساعات من صدور كتاب كلينتون البالغ عدد صفحاته 512 صفحة، تم إغراق صفحة الأمازون بسيل من التقييمات السلبية ذات النجمة الواحدة، مع تعليقات تشوبها السخرية والاستهزاء. وعلى الجانب الآخر ظهرت تقييمات ذات خمس نجوم مع أوصاف من قبيل الروعة والعظمة. مما جعل جوناثان كارب من مؤسسة "سيمون وشوستر" للنشر يعبر عن استيائه في مقال على الغارديان البريطانية لأليسون فلود تحت عنوان "الأمازون تحذف التقييمات ذات النجمة الواحدة لكتاب كلينتون" أنه من الصعب تقييم كتاب  يحتوي على  512 صفحة  خلال عدة ساعات والحكم عليه إما بالرائع أو بالمبتذل، وأن كثيرًا من هذه الملاحظات لم تناقش الكتاب بشكل موضوعي بقدر ما انتقدت هيلاري نفسها. وصرح موقع كوارتز أنه بتقصي التعليقات التي تعدت 1500 تعليق  تبين أن 338 شخصا منهم اشتروا الكتاب بالفعل. لذا بادرت الأمازون بحلول الخميس بحذف حوالي ألف تقييم كان معظمها من ذات النجمة الواحدة، موضحة أن هذه الآلية في الحذف تتم عادة لأي كتاب يكون قد صدر في فترة قصيرة من عملاء لم يتم التحقق من شرائهم للكتاب بالفعل. كما أوضحت أن هذا من شأنه أن يضيع أصوات الكثيرين وإغراقها لأسباب لا علاقة لها بالمنتج.

وكتبت رفيا زكريا للغارديان أيضا تحت عنوان "كيف أصبحت مراجعات الأمازون ساحة جديدة لمعركة سياسية أميركية" أن الأمر يبدو كما لو كان إعادة للانتخابات الأميركية في ساحة جديدة، فبعد أقل من يوم على  نشر  كتاب كلينتون، ظهر ما يقرب من 1500 تقييم للكتاب ما بين الإعجاب البالغ والكراهية الشديدة لمؤلفة الكتاب، الفريق الأول منح مذكرات كلينتون خمس نجوم ساطعة بينما منحها الفريق الثاني نجمة واحدة، واختار الأمازون أن يزيل ما يقرب من 900 تعليق من صفحة كلينتون، وهي الخطوة التي رفعت تصنيف الكتاب من 3.2 نجوم إلى 4.3.

الكيل بمكيالين

يبدو موقف الأمازون حسبما ذكرت يتسق مع سياستها، ولا غبار عليه إذا ما وضعنا في اعتبارنا قصر المدة التي ظهرت خلالها التقييمات، إلا إذا كانت الأمازون نفسها لم تحذُ الحذو ذاته في قضايا مماثلة لعبت فيها السياسة دورا قذرا من خلال لعبة التقييمات لتدمير مصائر بعض الكتاب، منها على سبيل المثال وفقا لمقال رفيا زكريا، قصة مارك براي، مؤلف كتاب أنتيفا: دليل مكافحة الفاشية. فقد حدث ونشرت دار ميلفيل كتاب براي عقب مظاهرات النازيين الجدد في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا التي انتهت باعتقال المتظاهرين المجابهين لهم وقتلهم. مما وضع كتاب براي في وسط لوم الرئيس ترامب لـ "كلا الجانبين" بتشبيه أنتيفا بالنازيين الجدد. وأخذ بعض ممن يسمون بـ "اليمين البديل" على  Reddit لقطة من صفحة براي على الأمازون مع توجيه: "حاليا عند 3.5 نجوم. أنت تعرف ماذا تفعل". وفي وقت قصير جدا كانت صفحة الكتاب، على حد تعبير ناشره دينيس جونسون، قد "أغرقت" بتقييمات ذات نجمة واحدة. اشتكى جونسون إلى الأمازون من خلال الاستمارات التي يتم إرسالها بشكل تلقائي وتمت بالفعل إزالة عدد قليل من التقييمات وليس كما حدث مع كتاب كلينتون. أرسل جونسون إلى الأمازون لقطة من صفحة رديت، ولم يمكنوه من التحدث إلى أي ممثل بشري. وفي الوقت نفسه، أدت المراجعات إلى تباطؤ مبيعات الكتاب، بادعاء أن شراء الكتاب سيدعم العنف. والمدهش أن كتابه عن مكافحة الشر تم وصفه على أنه الشر نفسه!

مثال آخر لمكيال الأمازون المضطرب، كتاب نانسي ماكلين "الديمقراطية في قيود: التاريخ العميق لخطة تسلل الراديكالية لأميركا"، وفيه تدعي ماكلين أن عمل الخبير الاقتصادي الفائز بجائزة نوبل "جيمس بوكانان" هو من وضع الأساس لمؤامرة واسعة، يمينية لحرمان سلطة الأغلبية السياسية. وفي يوليو / تموز، أي بعد شهر من صدور كتابها، أخذت ماكليان تناشد أصدقاءها على وسائل التواصل الاجتماعي، للتصويت لكتابها وتندد بالناشطين الأكاديميين الذين يعملون أو يمولون من قبل الأقطاب التي انتقدتهم في كتابها بعد أن اجتهدوا في قتل كتابها وتدمير سمعتها. "أنا حقا، حقا بحاجة الى مساعدتكم".

لعبة الفيدباك

 

الآن وبعد أسابيع من نشر كتاب كلينتون تتلألأ صفحة "ماذا حدث" بخمس نجوم بنسبة 86%، 4 نجوم 5%، 3 نجوم 1%، ونجمتين 1%، نجمة واحدة 7% ويبلغ عدد المراجعات 1932 مراجعة.

تقول ببالا في مراجعة أبقت عليها الأمازون: "كتبت مراجعة بناء على التحقق من شرائي للكتاب وقد تم حذفها 3 مرات. إذا كانت الأمازون لا يروقها ما نقوله، فلا تسألنا عن المشاركات".

وفي مراجعة أخرى: "على غرار الكثيرين الآخرين، تم شطب مراجعتي السابقة لأنها كانت تنتقد كتاب كلينتون. في تقييمي السابق أشير إلى كتابها خيارات صعبة .... "صدق أو لا تصدق لقد أحببت هذا الكتاب". قبل شطب الأمازون لتعليقي السابق كانوا يستخدمون منه سطرًا... "صدق أو لا تصدق أنا في الواقع أحببت هذا الكتاب" وكأني أتحدث عن كتابها الحالي. إذا كانت الأمازون لا تريد رأينا فلتتوقف عن سؤالنا عنه. جوزيف ستالين سيكون فخورا بكم يا رفاق.

وثالثة: "هذا الكتاب هو بالضبط ما توقعناه جميعا، ممتلئ بالغضب والمرارة وعدم الندم الفعلي أو حتى التلميح للمسؤولية الشخصية. بالتأكيد أنها تكتب في كل مكان "أتحمل المسؤولية الكاملة ...". في الواقع، إنها تلوم الجميع وليس نفسها. من الروس إلى رسائل البريد الإلكتروني إلى كيليان كونواي والأخبار الوهمية.

ويؤكد كل من الكتب الثلاثة على حقيقة واحدة محبطة: إن الأميركيين الحالين في حرب مع الماضي الأميركي، وكل جانب يميل إلى الفضائح القاتلة، والتخلص من الحقائق التي لا تناسبهم. في خضم هذا التشابك تصبح الأمازون، شريك عملاق يمكنه أن يصمت فيقتل كاتبا ويمحوه من التاريخ، أو يتدخل بمسح النجوم وشطب التعليقات لتحويل مؤامرة إلى تاريخ. فحين ينشر الكاتب حقيقة ما لا ترضي الساسة، تحتل النجوم على الأمازون مكانها، وحين يكون الأمر غير ذلك، تعمل آلية الحذف على مئات التقييمات، وتظل مصائر الكتاب رهنا بالنجوم.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.