}

في الدور التاريخي للمرأة الفلسطينية: سيدة الأرض

سمر شمة 29 مارس 2024
اجتماع في الدور التاريخي للمرأة الفلسطينية: سيدة الأرض
ليلى خالد هي أول امرأة قامت باختطاف طائرة إسرائيلية(Getty)
عانت المرأة الفلسطينية على مدى عقود طويلة من ويلات الحروب والاحتلال، وتلّقت وما زالت النصيب الأكبر من الأذى والأوجاع، عاشت الخوف الشديد وفقدان الأمن منذ نكبة فلسطين 1948 التي شردت أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني ودمرت مئات القرى والبلدات وقتلت آلاف الفلسطينيين والفلسطينيات على أيدي العصابات الصهيونية، وأدت إلى تهجير وتشريد الملايين حتى الآن نصفهم من النساء.
وقد ارتبطت معاناة المرأة بظروف اقتلاعها من أرضها وبالأوضاع الإنسانية والمعيشية الصعبة، والتي كانت القاسم المشترك للاجئات داخل المخيمات وخارجها.
ومع ذلك، صمدت صمودًا أسطوريًا مع فئات المجتمع الفلسطيني وشرائحه كافة، تحمل مفاتيح منزلها القديم في بلاد الشتات على أمل العودة، شريكة حقيقية في النضال والمقاومة والصمود، تودع الشهداء وتربي أبناءها على العزة والكرامة، وتواجه مهمات شاقة في الحرب والسلم.
وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن أعدادًا كبيرة من النساء الفلسطينيات قمنٓ بإعالة أسرهنّ بعد الحروب التي عاصرتها المرأة ابتداءً من الثورة الفلسطينية الكبرى 1936، مرورًا بالنكبة وثورة الفدائيين الفلسطينيين، وهزيمة 1967، وأيلول الأسود، وحرب لبنان، والانتفاضتين الأولى والثانية، إضافة إلى حروب غزة: 2008 ـ 2009 ـ 2012 ـ 2014 ـ 2023 الحرب التي ستدخل شهرها السادس الآن.
انعكس الصراع الاسرائيلي الفلسطيني سلبًا على حياة المرأة، والتي بدأت تواجه تحديات كبيرة، من إعالة الأسر وتقديم الدعم النفسي والمادي لها، إلى آلام اللجوء والتهجير، بعد أن كانت تعيش في مجتمع انتشرت فيه الصحافة ودور السينما وظواهر جديدة، كالفن التشكيلي، والرواية، والجمعيات الثقافية والسياسية والعسكرية، وفرق الكشافة، ومؤسسات الإسعاف الأولي بجهود ومشاركة نسوية جادة.
إن تاريخ المرأة الفلسطينية حافل بالنضال، وهو امتداد للدور التاريخي الذي لعبته منذ الانتداب البريطاني على فلسطين، من خلال القيام بالمظاهرات، وتأسيس النوادي والمؤسسات النسائية. ففي سنة 1925، شاركت النساء في أول تحرك مؤثر لهنّ في الاحتجاج على زيارة وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور إلى القدس، وأثناء ثورة البراق 1929. وبعدها شهد التحرك النسائي نشاطًا مدروسًا، حيث تم تأسيس جمعية السيدات العربيات، ثم الاتحاد النسائي العربي، والذي لعب دورًا هامًا في نشر الوعي والتمسك بالعلم والمعرفة والعمل والمشاركة في تنمية المجتمع والدفاع عن فلسطين والقدس.

هند خوري هي خبيرة اقتصادية وناشطة مجتمع مدني ووزيرة شؤون القدس 2005 (Getty)

ومن السيدات اللاتي ساهمن في تأسيسه: زليخة الشهابي ـ خديجة الحسيني ـ طرب عوني عبد الهادي ـ كترين شكري ديب ـ كلير أنسطاس حنانيا. وفي سنة 1936، برز دور نضالي جديد للمرأة وكان بصورة عمل عسكري خاضته جمعية "زهرة الأقحوان"، التي أسستها مهيبة خورشيد، وبدأت بعمل خيري اجتماعي تطور في ما بعد إلى العمل العسكري. وهذا الدور المقاوم تصاعد أيضًا خلال قتال الشيخ عز الدين القسام ضد الاحتلال، عندما تمّ تشكيل كتيبة نسائية مقاتلة شاركت فيها نساء فاعلات نذكر منهنّ: سعادة الكيلاني ـ سعاد أبو السعود ـ سميرة أبو غزالة ـ رقية الحوري، وكان دورهنّ تقديم الطبابة ومساندة المقاتلين ومراقبة العدو وحمل السلاح.
ويعود تاريخ الحركات النسوية في فلسطين إلى ما قبل العشرينيات من القرن الماضي، والتي تبلورت مع بداية النكبة، فمثلًا: تأسست الاتحادات النسوية سنة 1938، وجمعيات الهلال الأحمر سنة 1936، وأهدافها: التمريض، وتقديم المساعدات للمعتقلين السياسيين وأسرهم، والنشاط السياسي والثقافي.
والذاكرة الفلسطينية تشهد على وجود نساء قاومن الاحتلال بضراوة واستشهدن في سبيل فلسطين وشعبها، ومنهنّ:
ــ المناضلة شادية أبو غزالة: أول شهيدة في الثورة الفلسطينية بعد النكسة. شاركت في عمليات فدائية عديدة، واستشهدت في نابلس.
ــ الشهيدة دلال المغربي: وهي من يافا. عملت في التمريض، ثم حملت السلاح، وشاركت في عملية كمال عدوان المعروفة بين حيفا وتل أبيب.




ــ زكية شموط: ولدت في حيفا، والتحقت بالعمل الفدائي سنة 1968، ونفذت عمليات داخل أراضي 1948، وهي أول معتقلة تنجب طفلتها في السجن.  
ــ ليلى خالد: وهي أول امرأة قامت باختطاف طائرة إسرائيلية وحولت مسارها إلى سورية للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين سنة 1969، ثم قامت باختطاف طائرة أميركية هبطت بها في لندن.
ــ حلوة زيدان: كانت تسكن في دير ياسين، واستشهد ابنها وزوجها في المجزرة التي حدثت هناك أمام عينيها، فحملت البندقية وقتلت ستة جنود صهاينة ثم استشهدت.
ــ وفاء إدريس: أول فدائية من فلسطين، وأولى الفدائيات في انتفاضة الأقصى.
وتشير إحصائيات فلسطينية إلى استشهاد عدد كبير من النساء عام النكبة، نذكر منهنّ: أسماء مراد، حيفا ـ زهور الكردي، نابلس ـ آمنة اسماعيل، دير ياسين ـ سعاد الدين الجندي، يافا ـ صفية صايغ، حيفا ـ اعتدال الشلوني، القدس.
عملت المرأة الفلسطينية بجدية واهتمام كناشطة سياسية واجتماعية، وهناك رائدات في هذا المجال نذكر منهنّ:
- مها أبو دية: رائدة وناشطة نسوية من القدس، وقد درّست في إحدى الجامعات الأميركية.
ــ هند الحسيني: مدرّسة وناشطة أسست جمعيات للتضامن الاجتماعي النسائي بالقدس، مثل: جمعية المقاصد الخيرية.
ــ هند خوري: خبيرة اقتصادية وناشطة مجتمع مدني ووزيرة شؤون القدس 2005، ووزير دولة في السلطة الوطنية الفلسطينية.

توالت الحروب، ومعها استشهدت الأمهات والزوجات والمسّنات، وتعرضت المرأة الفلسطينية وما تزال للأسر والاعتقال على مدار العقود الماضية منذ النكبة حتى الآن، وبلغ عددهنّ كما تذكر بعض الإحصائيات أكثر من 17000 معتقلة، بينهنّ أمهات وطاعنات في السن وحوامل وقاصرات ومن ذوي الاحتياجات الخاصة ونواب منتخبات في المجلس التشريعي.
وأعلنت مؤسسات حقوقية فلسطينية عن اعتقال اسرائيل أكثر من 1200 امرأة بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي حتى كانون الثاني/ يناير 2024، ومنهنّ من اعتقلن من الأراضي المحتلة 1948، حسب هيئة شؤون الأسرة، ونادي الأسير، ومؤسسة ضمير.
أما الأسيرة الأولى في الثورة الفلسطينية فهي فاطمة برناوي، وتمّ اعتقالها سنة 1967 لنشاطها الوطني، وعلى خلفية عملية عسكرية في القدس المحتلة. وقد أسست سنة 1994 الشرطة النسائية الفلسطينية، وقامت بدور هام في المؤسسات الوطنية والتنظيمية.
وهنالك عدد كبير من المعتقلات الأوائل، نذكر منهنّ: رسمية عودة ـ تريز هلسة ـ عايدة سعد ـ رندة النابلسي ـ روضة البصير ـ عائشة عودة.
وكما ذكرت مصادر حقوقية دولية، فإن سلطات الاحتلال تقوم بترهيب المعتقلات وتعذيبهنّ والتنكيل بهنّ، كما يعشن في السجون أوضاعًا سيئة غير إنسانية، وغير قانونية، مع غياب الطبابة والعلاج والدواء والمياه النظيفة، ويتعرضنّ للتفتيش الجسدي المهين، والعزل الانفرادي، والأمراض والتعرية، والمنع من زيارة الأهل والتواصل مع المحامين.

دلال سعيد المغربي شاركت في عملية كمال عدوان المعروفة بين حيفا وتل أبيب (Getty)

هنالك أسيرات أنجبن في المعتقلات، وتعرّضن مع أبنائهنّ إلى ظروف صحية قاهرة تضرّ بالأم ووليدها، وتتنافى مع كل القوانين والاتفاقيات والتشريعات، ومنهنّ:
ــ ماجدة جاسر السلايمة: اعتقلت سنة 1978، وأنجبت ابنتها فلسطين في السجن.
ــ  أميمة موسى محمد الجبور الآغا: اعتقلت في حزيران/ يونيو 1993 على حاجز بيت حانون، وبقيت ابنتها معها لمدة عامين، ثم فُصلت عنها وفقًا للقانون الإسرائيلي.
ــ ميرفت محمود يوسف طه: اعتقلت سنة 2002، وولدت ابنها البكر وهي مقيدة بالسلاسل في المشفى.
وبعد السابع من أكتوبر الماضي، تمّ رصد اعتقال أعداد كبيرة من النساء، نذكر منهنّ: ميسون موسى من بيت لحم ـ شروق دويات ـ الطفلة نفوذ حماد ـ نوال فتيحة، وأسيرات من الداخل المحتل منهنّ: شاتيلا أبو عيادة ـ آية الخطيب ـ أسماء أبو تكفة، وأمهات من محافظات مختلفة، منهنّ: أماني الحشيم ـ فدوى حمادة ـ إيمان الأعور ـ ختام السعافين، وأسيرات مقدسيات وأسيرات من غزة (تحدثنا عنهنّ بالتفصيل في مقال سابق).
ويشير تقرير لنادي الأسير الفلسطيني إلى وجود أكثر من 62 امرأة في سجن الدامون وحده.
كما هو معروف، تمّ الإفراج عن 240 من النساء والأطفال في صفقة التبادل التي تمت بعد العدوان الأخير المتواصل على غزة، لكن سلطات الاحتلال اعتقلت في الفترة نفسها 300 فلسطيني وفلسطينية، وأصدرت دائرة شؤون الأسرى قائمة بأسماء 24 امرأة، و15 قاصرًا من المُفرج عنهم، ومنهنّ: ملك سلمان (23 عامًا، من القدس الشرقية المحتلة)، وإسراء جعابيص (38 عامًا، من جبل المكبر، وعانت معاناة كبيرة في السجن، وكانت مصابة بجروح خطيرة، وحروق، والتي أكدت في تصريحاتها بأنها شاهدت أعدادًا هائلة من نساء غزة في السجن، وأن سلطات الاحتلال منعتهم من التحدث معهنّ، وأن المعاملة أصبحت أكثر وحشية بعد عملية طوفان الأقصى)، والمنشدة حنان المساعيد، التي اعتقلت لكتابتها منشورات تعاطف وتأييد لقطاع غزة، إضافة إلى روان نافذ أبو زيادة، التي اعتقلت بتهمة محاولة طعن، وأمضت 8 سنوات في السجن، وقالت في تصريح لها: "إن كفة اعتقالي كلها بكفة وفترة ما بعد السابع من أكتوبر بكفة، أخذوا منا كل الطعام الذي اشتريناه بأموالنا الخاصة، وكان طعامهم سيئًا جدًا وغير كافِ، وكنا لا ننام بسبب الجوع".




خاضت الأسيرات والمعتقلات نضالًا مستمرًا في سجون الاحتلال للدفاع عن حقوقهنّ واحتجاجًا على التعذيب والعنف والحرمان من التعليم والكتب والصحف، وهدر الكرامة الإنسانية ومنع الزيارات والتواصل مع المحامين، وقُمن بإضرابات عن الطعام لأيام طويلة، كما حدث في سنوات 1970 ــ 1985 ــ 2004 ــ 2019.
وكما هو معروف، فإن القانون الدولي والإنساني يمنح حماية خاصة للأمهات، وهذا ما جاء في المادة 89 من اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تدعو إلى تقديم الخدمات الخاصة، والإضافية، للأمهات والحوامل في الأراضي المحتلة، هذا إضافة إلى قرارات الأمم المتحدة الخاصة بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة.
ومع هذا كله، ورغم الويلات التي تعرضت لها المرأة الفلسطينية، فإنها واصلت مسيرتها النضالية في فلسطين والمخيمات وأماكن اللجوء بتقديم الخدمات التعليمية والصحية للأسرة والمجتمع في الحرب والسلم، ودعت إلى التمسك بالأرض والحفاظ على الهوية الوطنية، وعملت في التعليم والسياسة والطب والصحافة، وفي المهن اليدوية التراثية، وشاركت في دورات لتمكين المرأة بالتعاون مع بعض المنظمات الدولية.
وكانت قد بدأت بالالتحاق بالجامعات منذ منتصف السبعينيات، ودخلت سوق العمل، لإعالة أسرتها والمشاركة في بناء اقتصاد وطني قوي، وشاركت في الأعمال الزراعية، والأعمال غير الرسمية، وفي التعاونيات الإنتاجية النسوية وزراعة الحدائق، والخدمات الطبية، وتقديم المساعدات للأسر المحتاجة.
وهنالك أعداد كبيرة من الرائدات في مجالات متنوعة نذكر منهنّ على سبيل المثال لا الحصر: أسماء طوبي: رائدة إعلامية وناشطة سياسية من الناصرة ـ حلوة جقمان: من بيت لحم ومن المؤسسات للاتحاد النسائي العربي، ورئيسة له لسنوات عدة، واعتقلت مرتين ـ سميرة أبو غزالة: صحافية وناشطة وكاتبة وأستاذة جامعية ـ كريمة عبود: مصورة من الناصرة ـ لواحظ عبد الهادي: مدرّسة ومديرة للتربية والتعليم ـ أمية جحا: أول رسامة كاريكاتير في العالم وفلسطين ـ شيرين أبو عاقلة: مراسلة وإعلامية في قناة الجزيرة، وقد استشهدت على الهواء مباشرة وهي تقوم بتغطية اقتحام سلطات الاحتلال لمخيم جنين ـ رحاب كنعان: شاعرة وإعلامية ـ مي زيادة: أديبة وكاتبة ولدت في الناصرة وأتقنت تسع لغات ـ فدوى طوقان: من أهم شاعرات فلسطين في القرن العشرين، وهي من مدينة نابلس.
أما المرأة المقدسية فقد لعبت دورًا كبيرًا في النضال ضد الاستيطان، وسياسة التهويد، وللدفاع عن المسجد الأقصى، وفضح الاحتلال لتزويره التاريخ والحقائق، ومثال على ذلك السيدة خديجة خويص، التي اعتقلت 28 مرة، والحاجة عائشة المصلوحي، وأخريات من المناضلات اللاتي وقفنَ ضد التهجير القسري والتغيير الديموغرافي في القدس، وقد أبعد الاحتلال بعض المقدسيات عن القدس، مثل: زليخة الشهابي، التي تحدثنا عنها سابقًا، والمعلمة عبلة طلة، وأخريات.
اليوم، وبعد حرب الإبادة الجماعية والتجويع على غزة، وسياسة الترهيب والتنكيل والاعتقالات في عموم فلسطين، فإن النكبة ما زالت مستمرة بأسلحة أشدّ فتكًا وقتلًا وتدميرًا، وما زال الشعب الفلسطيني بكافة فئاته يقاوم، وما زالت المرأة الفلسطينية تدافع عن عائلتها وأرضها ووطنها بإيمان لا يتزعزع بعدالة قضية فلسطين وشعبها.

مراجع مختارة:
 ــ الموسوعة الفلسطينية.
- أسيرات البدايات: وكالة وفا.
- نادي الأسير الفلسطيني، وهيئة شؤون الأسرى.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.