}

دراسة عن المجموعات الناطقة بكلام ازكانة (2 - 2)

اجتماع دراسة عن المجموعات الناطقة بكلام ازكانة (2 - 2)
لوحة للفنان المغربي فريد بلكاهية

في المقابل، فإن الصبغة الأمومية للنسب وأحادية الزوجة، اللتين تطبعان علاقات النسب لدى الطوارق في فضائنا هذا، موجودتان إلى حد ما داخل العالم الناطق بـكْلامْ آزْناگة أو على الأقل كانتا موجودتين، إذا ما رجعنا إلى أول مصنف عن الأنساب، كُتب نهاية القرن الثامن عشر ميلادي، والذي أشار إليها بدرجة ما من الدقة، وهو كتاب "الأنساب" لوالد ولد المصطفى ولد خالنا الديماني، المتوفى سنة 1212/ [18]1798. إن المكانة التي يحظى بها الانتماء الأمومي في سلاسل الأنساب، وإطلاق اسم الخال على ابن الأخت، والجرس الأمازيغي الطاغي على غالبية الأسماء الواردة في هذه الوثيقة، تشهد على تأثير بنية اجتماعية ولغوية ذات مكون أمازيغي بارز داخل المجال الذي نهتم به، في نهايات القرن الثامن عشر، يتجاوز حدود المجموعات القبلية الثلاث التي أشرنا إليها في بدايات هذا النص. ومع ذلك، فإن حضور الأمازيغية الذي كان وما يزال واسعا حتى اليوم في تسميات الأماكن في عموم اتراب البيظان[19]، وليس فقط في المناطق التي لا يزال يُتحدث فيها كْلامْ آزْناگة، لم يتوقف عن الانحسار منذ استقرار عناصر من قبائل بني حسان العربية في الفضاء الموريتاني الحالي، بداية القرن الرابع عشر، لتنحصر في هذا الجيب الذي تحدثنا عن حدوده في تمهيدنا لهذا النص، والذي أصبح مهددا بشكل كبير. فلماذا بقي كْلامْ آزْناگة حيا في هذه المنطقة بالتحديد، ولماذا هذا الاضمحلال المتسارع الذي تعرضت له هذه اللغة؟

 

سبق أن أشرنا أعلاه إلى أننا لا نملك في الحقيقة أية شهادات مكتوبة ذات قيمة عن اللهجات التي كانت متحدثة في منطقتنا، خلال الفترات السابقة للقرن السابع عشر الميلادي. ولهذا فإننا مضطرون للجوء إلى تقييمات عامة، تخمينية في معظمها، حين نشرع في نقاش المسار الذي أدى إلى تراجع كْلامْ آزْناگة مقابل الحسانية[20].

 

منذ النصف الثاني من القرن الحادي عشر، حين رسخ المرابطون تعاليم الإسلام في اتراب البيظان، حتى نهاية القرن السادس عشر، لم يعثر إلا على تأليف واحد، باللغة العربية، مصنف في هذه الربوع[21]. لقد مرت إذا اتراب البيظان بفترة "كمون" تصنيفي قبل أن تبدأ دورة مزدهرة من الإنتاج المكتوب. كما أن المرويات الأدبية الشفهية، التي تحتفظ بها الذاكرة الجمعية، لا تتجاوز حدود القرن الثامن عشر ميلادي، وتظهر سيطرة مطلقة للهجة الحسانية على كْلامْ آزْناگة خلال تلك الفترة على عموم اتراب البيظان، بما في ذلك المربع الذي يضم حاليا الناطقين بكْلامْ آزْناگة. لقد كان الإنتاج الأدبي لأوائل كبار الشعراء الحسانيين (مثل سدوم ولد انچرتو، وعالي ولد بچيچة، واعلي ولد مانو من اترارزة)، بلهجة حسانية قريبة جدا من الفصحى. وينتمي هؤلاء إلى طبقة إيگاون[22]، التي يمكن القول إن ظهورها داخل مجتمع البيظان سابق بفترة على تعربه. ولا تحتفظ التقاليد المروية لهؤلاء بأي إنتاج بكْلامْ آزْناگة، إذا افترضنا جدلا أنهم أنتجوا به. ولم يصلنا من إنتاج أدبي أمازيغي يعود إلى تلك الحقبة سوى قصيدتين مجهولتي القائل، مع أن شاعرا ديمانيا شهيرا هو امْحمَّد ولد أحمد يورة (م 1340/ 1921) كان يوشح أحيانا، في بداية القرن العشرين، قصائده باقتباسات من كْلامْ آزْناگة،الذي كان يتقنه[23].

 

ويبدو أن ارتداء اللثام كان منتشرا بين محاربي الزوايا خلال حرب شرببة، وخاصة قائدهم ناصر الدين نفسه. ومما يثبت ذلك فتوى للإمام يرخص فيها لأتباعه الصلاة باللثام، معللا ذلك بأنها عادة لديهم، والقصة التي تروى بأن مرشدهم كان عليه أن ينزع لثامه، ليُظهر أمارة مميزة في أسنانه لرجل كان قد "كشف" له عنها. وكما أشرنا إلى ذلك من قبل، فإن حرب شرببة غالبا ما تقدم كنقطة تحول في تطور التنافس بين الأمازيغية والعربية بين سكان صحراء البيظان، وخاصة في منطقة الگبلة.

لقد شاركت، من جانب الزوايا، بقوة في هذه الحرب، الغالبية العظمى من القبائل التالية، بينما كان لأولاد ديمان دور محوري ضمن الحلف الشمشوي:

تشمشة

مدلش

تندغة

إچيچبة

إدغزينبُ

بارتَّيلْ

كما شاركت عناصر تنحدر من إدوعْلي وانتابة وإكمليلن وإدابْلحسن وأولاد أبْييري ولمتونة وانچامرة وتاگُنانت وإدَوَ الحاج.

وينتمي الناطقون الحاليون بكْلامْ آزْناگة موضوع اهتمامنا، بالتأكيد، إلى القبائل الموجودة على هذه اللائحة[24]، لكن إدابلحسن، الذين يضمون حاليا أكبر عدد من الناطقين بهذه اللغة، لم يكن لهم إلا دور ثانوي في هذه الحرب. وقد قاد غالبيتهم في هذا المنحى أحد زعمائهم، هو الحاج عبد الله ولد بو المختار (م. 1101/1689-90)، الذي كان، فضلا عن ذلك، أحد أبرز علماء تلك الحقبة. بل إنهم اتخذوا موقفا عدائيا صريحا من دعوات الجهاد التي تزعمها ناصر الدين.

 

خلال تقييمنا لتبعات صراع شرببة على ديمومة كْلامْ آزْناگة في النطاق المعزول الذي ما تزال مستخدمة فيه حتى الآن، فإنه من المناسب أن نشير إلى أن إچيچبة توقفوا عن التحدث به، منذ منتصف القرن التاسع عشر على الأقل (حسب شهادة فيديرب/ باسيه)، وأنه تلاشى على الأرجح قبل ذلك عند بارتَّيلْ، الذين غادرت غالبيتهم منطقة اترارزة نهاية حرب شرببة، لتستقر في أقصى الشرق الموريتاني، وبالتحديد في مدينة ولاتة، حيث لعبوا دورا رياديا في الإنتاج المعرفي. وقد يكون اختفاء كْلامْ آزْناگة لدى المدلش وإدغزينبُ، وهما القبيلتان اللتان خرجتا منهكتين عدديا، من صراع القرن السابع عشر، قد سبق هو الآخر كذلك منتصف القرن التاسع عشر، فلم يسمع فيديرب عن هذه اللغة لدى المنتمين لهاتين القبيلتين.

ولا بد أنه كان للعناصر المعزولة نوعا ما التي شاركت في الحرب، والمشار إلى انتمائها إلى القبائل الأخرى، والتي ربما كانت حينها ما تزال ناطقة باللغة الأمازيغية، لا بد أنه كان لهذه العناصر علاقات جوار و/أو قرابة مع "النواة الصلبة" الشمشوية للحركة، كما يمكن فهمه، ولو جزئيا، من كتاب الأنساب لوالد. ولا شك في أن المكونة الأمازيغية من القبيلة، التي كانت بعيدة إلى حد ما من المركز، كانت قد بدأت عملية التخلي عن استخدام اللسان الأمازيغي.

 

وينبغي أن نستحضر هنا أن الصراعات المسلحة داخل هذا المجتمع الصحراوي كانت من بين الوسائل العادية لإدارة العلاقات الثنائية بين المجموعات القبلية، وحتى ضمن القبيلة الواحدة. وتؤثر هذه الصراعات في نفس الوقت على تنقل المجموعات من مناطقها (الهجرات، الانشقاق، البحث عن الحماية والمأوى، إلخ.) وعلى بنيتها الداخلية، خاصة من خلال فقدان مكانتها التراتبية، الذي تمثله "التوبة[25]"، لدى حاملي السلاح. وتؤثر هذه الظاهرة في "إعادة" تشكيل الوحدات القبلية؛ ويسهم انشطار القبائل الناطقة بالعربية، واندماج فصائلها المنهكة مع قبائل الزوايا، من دون شك، في توسع الفضاء الديمغرافي للهجة الحسانية.

 

وباختصار، يبدو لنا، ودون أن نستطيع تفسير ذلك، أن آخر الناطقين بكْلامْ آزْناگة يحتمون في معقل ترابي مكون من نوالالان وإگيدي ولعگل وآتكور، وكلما ابتعدنا من هذا المعقل، بدا كأن الروابط الألسنية، بين المكونة الأم الناطقة بالأمازيغية وأبنائها الذين يعيشون في الأطراف، تنحو إلى التفكك.

ومن المعقول أن يكون القرب من المجتمعات الزنجية المجاورة، مثل الوولوف والبولار، والتبادلات القديمة، والمصاهرات (انظر والد ولد خالنا)، قد هيأ الناطقين بكْلامْ آزْناگة، أكثر من أي منطقة أخرى في اتراب البيظان، لـ"تدبير" ظروف التقاء لغوي، تأتي ضمن توازن قوى، لم تكن كِفته تميل لصالحهم، منذ وقت طويل. وربما يكون هذا ما سمح لهم بالتأقلم مع هيمنة اللهجة الحسانية، دون التخلي عن لسانهم الأمازيغي، بعدما رسخت هزيمة شرببة التفوق السياسي واللغوي للعربية. وسيمنح نمو رأس المال الفكري بالعربية الفصحى، خدمة للإسلام، إثباتَ عروبةٍ واثقةٍ من نفسها[26] لهذه القبائلِ الزاوية التي تتحدث الأمازيغية بشكل يومي، ودون أن تُضطر إلى التخلي عن ذلك.

 

وقد يكون الصراع على التصنيف بين بني حسان والزوايا، وحتى داخل المنظومة الزاوية، قد ساهم في المحافظة على وحدة أخلاقية وإيديولوجية لقبائل الزوايا. ويظهر هذا الصراع بوضوح في الفضاء الناطق بالأمازيغية أكثر من أي منطقة أخرى داخل اتراب البيظان، ويرتبط ربما كما اقترحنا سابقا، بهزيمة شرببة وتبعاتها الخطيرة على المكانة التراتبية للخاسرين في الحرب. وتتمحور هذه الوحدة الأخلاقية والإيديولوجية حول مفهوم "التازاوِيتْ" بصيغته الأمازيغية أو "استزوي" بصيغته الحسانية، بغض النظر عن دور هذه القبائل في مواجهات شرببة مع التحالف الذي كان يقوده بنو حسان.

ولن يكون للتدخل الفرنسي بدايات القرن العشرين من تأثيرات آنية وحاسمة على تراجع استخدام هذه اللغة، والذي كان حينئذ في مرحلة متقدمة. وقد جاء هذا التدخل بعد أكثر من قرنين من التبادلات التجارية، التي كان للناطقين بكْلامْ آزْناگة فيها أدوار محورية. ولن يتأثر كذلك نمط عيش هذه القبائل، في أغلب جوانبه. غير أن أولاد ديمان وتندغة، وهما القبيلتان الأقرب تاريخيا إلى السلطات الأميرية في الترارزة، وإلى محاور المسالك الأطلسية والنهرية، ستكون بواكير اندماجهما في النظام الإداري الذي أنشأه الفرنسيون، خاصة المدارس، أوضح للعيان. ورغم ذلك فقد ظل التمدرس داخل هاتين القبيلتين حتى فترة الاستقلال، وما بعدها، محدودا جدا، كما هو حاله في بقية أنحاء موريتانيا، حيث لم تكن نسبة تمدرس الأطفال في سن الدراسة تتجاوز 5 %. أما إدابلحسن، فقد أبدوا نفورا قويا من النظام التعليمي الرسمي، مفضلين أن يظلوا أوفياء لتعليمهم التقليدي بالعربية.

 

أما التحولات الأكثر أهمية، والتي أثرت في نفس الوقت على التوزيع الجغرافي للسكان، وعلى نمط عيشهم، وبالتالي على لغتهم، فستأتي لاحقا، وذلك بشكل خاص، مع بدء موجة الجفاف الكبيرة نهاية السبعينيات. وستضخم عوامل أخرى جديدة من التأثيرات التي خلقها تدهور المناخ. فقد دفع تشييد المحورين الطرقيين روصو-نواكشوط ونواكشوط-بتلميت إلى تثبيت نسبة معتبرة من إدابلحسن وتندغة على طول هذين الطريقين، بينما كان أولاد ديمان سباقين إلى الاستقرار القروي منذ نهاية خمسينيات القرن العشرين. وستزداد مقاومة إغراء العاصمة نواكشوط، التي بات الوصول إليها متاحا، صعوبة؛ حيث سيدفع تهالك أنماط الإنتاج التقليدية (الزراعة وتنمية الماشية، وجمع الصمغ والجني، إلخ.) إلى البحث عن النجدة والموارد والعمل في المدينة. وجاء تعريب التعليم العمومي (وطابعه الديني)، ابتداء من سبعينيات القرن العشرين، ليخفف تدريجيا من التحفظ تجاه المنظومة التعليمية، وليوسع بشكل خاص من التحاق مجموعات ظلت محرومة من التعليم بصفة واسعة، مثل النساء ولحراطين، وينهي بذلك خضوعهم الحصري لتقليد شفوي كان كْلامْ آزْناگة يحتل فيه مكانة معتبرة.

 

وسيسهم التطور السياسي لموريتانيا، الذي يأتي بديهيا هو الآخر ضمن البنية الاجتماعية والاقتصادية التي حاولنا رسمها آنفا، بقوة في تعزيز تلاشي كْلامْ آزْناگة. وقد لعب الشبان (ومن تجاوزوا مرحلة الشباب قليلا) الحاملون لثقافة عربية، والمنتمون لآخر المجموعات الناطقة بكْلامْ آزْناگة، والذين دفع بهم الجفاف في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من داخل البلاد، دورا طلائعيا في حركة "الكادحين" ذات الميول الماوية، التي حركت الساحة في موريتانيا خلال هذه السنوات، وغذت كذلك الدوائر الأولى للقوميين العرب الموريتانيين. وقد اصطدم خريجو التعليم التقليدي، مثلهم في ذلك مثل بقية "المعربين" الآخرين -وهو المصطلح الذي كان مستخدما حينها- والذين كانوا حاضرين قبل ذلك في قطاع الوظائف الحديث (خاصة الإدارة)، بالسيطرة القوية للفرنسية و"المفرنسين" في بحثهم عن المشاغل المدفوعة الأجر. ولم تكن هذه المشاغل، بطبيعة الحال، سوى وظائف "بيروقراطية" يحتدم عليها التنافس، بفعل التدفق الواسع للباحثين عن العمل.

 

في هذا السياق، كان النضال من أجل العربية لدى هذه الطبقة الدنيا من الدوائر المهيمنة تمليه، في نفس الوقت، ضرورة البقاء الاقتصادي، والواجب القومي الثوري من أجل وضع حد للهيمنة الثقافية والسياسية الأجنبية. ومن الطبيعي ألا يشجع الالتزام بالدفاع عن اللغة العربية، الذي كانت تشحذه الصراعات العرقية، الاهتمامَ بكْلامْ آزْناگة. فقد كانت هذه الصراعات العرقية، وهي العنصر المركزي في المشهد السياسي الموريتاني منذ الاستقلال، تغذي هذا الالتزام وتستمد بقاءها منه؛ بينما كان ينظر إلى كْلامْ آزْناگة بوصفه لغة الريف البدوي، التي لا يتطلع الحضريون الجدد إلا إلى التخلص منها، وهي في نفس الوقت لغة أجداد مثيرين للشبهة، في وقت تسعى الأمة العربية جاهدة إلى بناء ذاتها. ولم تكن الأحداث التي حملتها العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين إلا لتعزز عوامل تراجع كْلامْ آزْناگة أمام العربية. فمن بين هذه الأحداث نذكر مثلا رفعَ الفيتو الدبلوماسي المغربي عن انضمام موريتانيا للجامعة العربية (1969)، وحربَ الصحراء (1975-1978) التي ثبتت توجه موريتانيا نحو الشمال بوضوح، ودشنت علنا انتماؤها "المغاربي العربي"، وحالةَ شبه الحرب مع السنغال، والأزمةَ العرقية الخطيرة التي صاحبتها (80 -90). وإذا ما أضفنا إلى هذا كله تأثيرات العولمة، في نطاقها العربي الإسلامي، التي أنتجتها تقنيات الاتصال والإعلام الحديثة (قناة الجزيرة، وغيرها)، سندرك أنه لم يعد يوجد عمليا في موريتانيا أو في منطقة الگبلة من يدافع عن كْلامْ آزْناگة، أو يدعو إلى الحفاظ عليه، باستثناء بضعة أشخاص ممن يكسرون ما درج عليه عامة الناس[27].

 

 

 هوامش:


[1] PaulDubié, « L’ilôtberbérophonedeMauritanie»(الجزيرة الناطقة بالأمازيغية في موريتانيا), BulletinIFAN, 3-4, 1940,pp.316-325.

[2]وكانت مناسبات كالزواج على سبيل المثال، تتطلب، فضلا عن المنسوجات (النيلة) التي كانت تهدى عادة في هذه المناسبات للزوجة ومن يحيط بها من النساء، مواد الزينة، والحلي والخرز والمرايا والأمشاط.. إلخ. وربما مواد تموينية، كانت نادرة حتى خمسينيات القرن المنصرم، مثل الشاي والأرز والزيت. وينبغي التذكير أنه لم يكن في هذا المحيط وجود لأي صناعة، وكان إشباع الحاجات الأساسية للسكان يعتمد حصريا على استهلاك المواد شبه الخام من تنمية الحيوانات والزراعة والجني.

[3]فقد كان أغلب رجال المنطقة يقطنون على الأقل لفترة في السنغال لممارسة التجارة، هذا إن لم تكن تلك الرحلة من أجل جلب مستلزمات الزواج، التي كانت عرضة للتأثر بالموضة في السنغال. وفضلا عن ذلك، فقد شجع الانتساب المتشابك عبر ضفتي النهر إلى طرق صوفية (التيجانية، القادرية، المريدية) طيلة القرن العشرين حركية كثيفة للمريدين وكل أنواع "الباحثين" البيظان الذين كانت تجذبهم موارد "التلاميد" المفترضين.  وكانت هذه الظاهرة ملاحظة بشكل معتبر في الحيز الجغرافي المدروس. 

[4]ويمكن تقديم هذه الازدواجية بصفة إيجابية من خلال اللامبالاة الساخرة، وفكاهة لا تخلو من مازوخية يربطها الناس باكلام أولاد ديمان ذائع الصيت (انظر ورقة الحسين ولد محنض المشار إليها أعلاه)، وبالسخرية اللاذعة في كلام إدابلحسن الذائع الصيت هو الآخر.

[5]انظر بصفة خاصة صالح ولد عبد الوهاب (م 1271/ 1854-5)، الحسوة البيسانية في الأنساب الحسانية، مخطوط، نسخة شخصية للكاتب؛ الحاج بن محمد، صالح بن عبد الوهاب: حياته وآثاره، مذكرة نهاية الدراسة في شعبة الآداب العربية، نواكشوط، جامعة نواكشوط، 1983، أحمد ولد الحسن، سيد أحمد ولد أحمد سالم (تحقيق) جزء أولاد امبارك من الحسوة البيسانية في الأنساب الحسانية للقاضي صالح ولد عبد الوهاب العياشي الناصري المتوفى سنة 271/ 1854، نسخة مرقونة بدون تاريخ.

[6]انظر خاصة سيد أحمد ولد أسمه، ذات ألواح ودسر، مخطوط، نسخة شخصية.

[7]انظر الشنقيطي، الوسيط في تراجم أدباء شنقيط، القاهرة والدار البيضاء، الخانجي 1958، والمختار ولد حامدن، حياة موريتانيا، الحياة الثقافية، بيروت، الدار العربية للكتاب، 1990.

[8]محمد المختار ولد السعد، إمارة الترارزة وعلاقاتها التجارية والسياسية مع الفرنسيين من 1703 إلى 1860، أطروحة دكتوراه، جامعة تونس 1، 1990.

[9]السروال الأبيض الذي يمثل ارتداؤه علامة مميًّزة للأمير لدى الترارزة.

[10]انظر محمد المختار ولد السعد، نظرة تاريخية على شرببة، رسالة نهاية السلك الثالث، نواكشوط، المدرسة العليا للتعليم، 1983.

[11]انظر بصفة خاصة الحسين ولد محنض، ظاهرة الديمين من خلال كلام وعادات أولاد ديمان، مخطوط بدون تاريخ.

[12]لم يكن من اللباقة بتاتا أن يخاطب الشخص أقاربه الأسن منه إلا بهذه اللغة.

[13]تطلق هذه التسمية على ولايتي الترارزة والبراكنة جنوب غربي موريتانيا الحالية.

[14]ابن خلدون، كتاب العبر، بيروت، مؤسسة العلمي للمطبوعات، 1391/1971، المجلد السادس، ص. 152.

[15]البكري، المُغرِب في ذكر إفريقية والمغرب، النص العربي وترجمة دو سلان الفرنسية له، ميزونيف (Maisonneuve)، 1964.

انظر أطروحة عبد الودود ولد الشيخ، البداوة والإسلام والسلطة السياسية في مجتمع البيظان، جامعة باريس 5. [16]

A. W. Ould Cheikh, Nomadisme, islam et pouvoir politique dans la sociétémaure, Paris,Thèse,UniversitéParisV, 1985,notammentpp. 163-197.

[17]  V. Monteil, Notes sur les Tekna (أوراق عن قبيلة تكنه), Paris, Larose, 1948.

[18]والد ولد خالنا، كتاب الأنساب، نسخة شخصية لدى المؤلف من المخطوط

[19]انظر على سبيل المثال، إخبار الأحبار بأخبار الآبار لامْحمّد ولد أحمد يورة. نسخة شخصية لدى المؤلف من المخطوط

انظر مثلا مقالة محمد الشنافي وهاري نوريس، "كيف أزاحت اللهجة الحسانية كْلامْ آزْناگة في موريتانيا"، مغرب ريفيو.[20]

« How thehassâniyya vernacular of Mauritania supplanted zenaga », The Maghreb Review,Jan.-Apr. 1981, vol. 6, n° 1-2, 77-78.

 

[21]محمد بن أبي بكر الإبراهيمي الحاجي، موهوب الجليل، شرح مختصر خليل، انظر المختار ولد حامدن، حياة ... المجلد الثاني. مرجع سبق ذكره، صفحة 199، حيث يذكر أن هذا المؤلف كان حيا سنة 933 هـ.

[22]انظر ولد الشيخ، مرجع سبق ذكره

[23]ولد حامدن، حياة، المجلد الثاني، مرجع سبق ذكره ص. 147-148

[24]يقدم ريني باسيه (Mission au Senegal, I, Paris, Leroux, 1909) ,(مهمة في السنغال، المجلد الأول، باريس، لورو، 1909)، معتمدا على معطيات جمعها فيديرب سنة 1854،لائحة بالقبائل التالية التي كانت ما تزال محافظة على استخدام الأمازيغية (ص. 1): "أولاد ديمان، وإدابلحسن، وإداجفار (إداشفرا) [أي إداشفغة المنتمين إلى تشمشة]، وإكمبيلن [ص. أي إكملَيْلنْ]، دارمجيغ (إدارمدجيغ) [أي إجغماجك المنتمين إلى تندغة]، وتندرا [أي تندغة]".

[25]التوبة: وجذرها (ت و ب) الذي يدل على الندم، وتعني الرجوع إلى سلوك ديني تطبعه الاستقامة والورع، بعد حياة (حربية) ينظر إليها على أنها متناقضة مع احترام تعاليم الدين الإسلامي. وتسمى هذه الظاهرة في الشرق الموريتاني بالهجرة، في إشارة ربما إلى هجرة النبي التي تمثل، كما هو معروف، بداية التقويم في التاريخ الإسلامي.

[26]فكرة عبر عنها بوضوح الشاعر الحسني المعاصر، محمد فال ولد عينين في قصيدة منها:

إنا بني حسن دلت فصاحتنا      أنا إلى العـرب العـرباء ننتسب
إن لم تـقم بـينات أننا عرب      ففي اللسان بيــــان أننا عرب

 

[27] يُعزى إلى الراحل أحمد (جمال) ولد الحسن، وهو أحد أبرز العقول الموريتانية في نهايات القرن العشرين، اهتمام بالموروث التاريخي للثقافة الأمازيغية في موطنه إگيدي، غير أن رحيله المبكر المفجع لم يترك له الفرصة لتطوير ذلك الاهتمام للأسف. 

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.